عواطف عبدالرحمن : الحوار الوطنى والإفراج عن المحبوسين مسيرة ديمقراطية

د. عواطف عبدالرحمن خلال حوارها مع «الأخبار»
د. عواطف عبدالرحمن خلال حوارها مع «الأخبار»

«الترهل التشريعى» يعوق العدالة الناجزة.. والبطالة «قنبلة موقوتة»

الحرب على الفساد تتحقق بتفعيل دور الأجهزة الرقابية 

قبل نحو ثلاث سنوات، وبعد حوار صحفى غلب عليه الطابع الاجتماعى، مع قليل من السياسة، مع أستاذتى الدكتورة عواطف عبد الرحمن، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة ، خرجت منبهرًا بذهنها المتقد، والذى لم تنل منه السنوات التسعة عشرة، منذ تركت الكلية، بل زادته سنوات العمر يقظة وحضورًا، على عكس ما هو معتاد..

وقبل أيام، كنت على موعد مع حوار صحفى جديد معها بنكهة سياسية، على خلفية الملفات السياسية المثارة على مائدة الحوار الوطنى، وكان اللافت أن أستاذتى التى احتفلت قريبًا بعيد ميلادها الـ83، لا تزال محتفظة بنفس الذهن المتقد والأفكار المنظمة، التى تستلهم من الماضى تجاربه ودروسه، لتستشرف المستقبل، كما كانت تدربنا دوما فى أبحاث «الدراسات المستقبلية».

وكما عهدتها دوما، لا تجيد أستاذتى «تزويق» الكلام، بل تخرج الكلمات من فمها واضحة وصريحة، قد تختلف مع ما تقوله، ولكن من يعرفها وقرأ سيرتها الذاتية، لا يملك إلا أن ينصت لها، رعم اختلافه معها، ذلك لأنها تلك السيدة الصعيدية ابنة قرية «الزرابي» بمركز أبو تيج بمحافظة أسيوط، والتى عجنت بتراب هذا الوطن، وتعلقت بكل ذرة من ترابه، فصارت غاية آمانيها أن تراه فى أفضل حال..

ولا تنكر د.عواطف أن هناك خطوات تقطعها مصر الآن فى اتجاه الطريق الصحيح، ولكنها تطمع بأن تكون هذه الخطوات أسرع من ذلك، حتى ترسو سفينة الوطن، التى تواجه أمواجًا متلاطمة محليًا وإقليميًا وعالميًا، على بر الأمان، وقدمت رؤية يمكن أن تساعد من وجهة نظرها على تحقيق ذلك.

بداية.. وأنا فى طريقى لإجراء الحوار معك، قفز إلى ذهنى سؤال أحب أن أسمع إجابتك عليه، وهو لماذا دائمًا ما يقال أن السياسة تفرق.. ألا يمكن أن تكون هناك سياسة تجمع مختلف الاتجاهات حولها؟

تبتسم قبل أن تقول وهى تنظر لطلابها الذين امتلأت بهم غرفة مكتبها أثناء إجراء الحوار، وكأنها تريد أن تأخذ رأيهم: السياسة هى أن تتبنى فكرًا يعبر عن مصالح طبقة معينة، وبقدر ما يكون هذا الفكر واضحًا وله ضوابط وآليات بقدرما يستطيع اجتذاب مريدين.

إذن فالسياسة تفرق الناس إلى شرائح؟ 

ترد على الفور: السياسة تعبر عن فئة أو طبقة، ولكن عندما يكون من يمارس السياسة فى موقع السلطة، فعليه أن يعبر عن مصالح الفئة الأوسع والجموع العريضة، عن طريق الاهتمام بمصالحها من المأكل والمسكن والصحة والتعليم والعمل، ويتوج كل ذلك بالممارسة السياسية، بأن يكون من حق هذه الفئة اختيار ممثليها فى المحليات والنقابات المهنية والمجالس التشريعية والنيابية، وأن تأخذ هذه الفئة العريضة حقوقها بقوانين وتشريعات عادلة، وأن تقوم النيابة العامة بدورها كمحامى الشعب، وكل هذا يحتاج إلى إصلاح إدارى وقانونى وتشريعى، وبدون تحقيق ذلك، والانحياز لفئة بعينها، يحدث الخلل فى المجتمع.

وما هو تقييمك للحالة فى مصر وفق هذه الرؤية العامة ؟

بلهجة متحمسة تقول: نحتاج إلى أن تميل السلطة أكثر نحو جموع الشعب، وأن يكون هناك تقييم حقيقى لما تحقق خلال  السنوات الماضية، عندما مالت نحو مجتمع المستثمرين ورجال الأعمال، فكانت النتيجة أنهم حققوا مصالحهم، ولم يؤسسوا لمشروعات تخدم الجموع العريضة من الشعب المصرى فى قطاعات التعليم والصحة والإنتاج، فحدث تراجع فى كل هذه القطاعات، كان من نتيجته تعليم لا تتلاءم مخرجاته مع سوق العمل، و13 مليون متعطل يمثلون قنبلة موقوتة، وتوازن طبقى صار مفقودا فى المجتمع، ويظهر فى  طبقة وسطى أصبحت فى حالة انحدار، لكنها لم تنته بعد، وفئات أدنى أصبحت أكثر فقرا، فأصبحنا نرى جرائم غريبة على المجتمع المصرى.

وضع القواعد

وكيف تكون البداية لإصلاح هذه السلبيات التى أشرت إليها؟

تأخذ رشفة من الماء استعدادًا لإجابة طويلة استهلتها بقولها: لن نستطيع بناء البيت بدون وضع القواعد، والقواعد تكون بالقضاء على الترهل التشريعى، والقضاء على الفساد، واكتساب ثقة الناس بالإفراج عن المحبوسين، وعندما نحقق ذلك، يجب على السلطة أن تجرى إصلاحا اقتصاديا تعود ثماره على جموع الشعب، وهذا لن يتحقق إلا من خلال كوادر جديدة.

يبدو الكلام سهلًا من الناحية النظرية، ولكن ربما يكون تطبيقه يحتاج لفترة طويلة من الزمن؟

بلهجة حاسمة تقول: بالعكس، فالترهل التشريعى يحتاج ببساطة إلى لجنة تمارس عملها بجدية للقضاء على هذا الترهل، فالدراسات تقول إننا بحاجة إلى 4 آلاف تشريع، بينما يوجد فى مصر أكثر من 38 ألف تشريع بعضها يعود إلى فترة الثلاثينات، وهذا يعوق العدالة الناجزة، وفى القضاء على الفساد نحتاج فقط إلى تفعيل دور الأجهزة الرقابية، لأن حقيقة ما يحدث ان هذه الهيئات تمارس دورها الرقابى، ولا يؤخذ بتقاريرها إلا فيما ندر، وفيما يتعلق بالإفراج عن السجناء، هناك اجراءات بدأت تتم فى هذا الإطار، بالتزامن مع الحوار الوطنى، وهذا أمر جيد، ولكن لا نريد أن يتم ذلك بـ «القطارة»، ويجب ان تكون خطوات الإفراج أسرع عن كل من لم تتم ادانته فى قضايا جنائية، وفى هذا الإطار أيضا، يجب تحسين أوضاع السجون، وان يكون للنيابة العامة «محامى الشعب» دور فى الإشراف عليها، وعندما يتحقق كل ذلك، تكون السطة قد أظهرت رغبة حقيقية فى الإصلاح تترجمها إلى إصلاح اقتصادى تعود ثمارة على جموع الشعب، وهذا لن يتحقق إلا من خلال كوادر جديدة تفكر وتنقد، أى أنها كوادر متفاعلة وليست مطيعة، وذلك لأن بعض الكوادر القديمة إما أنها تجامل أو فسدت أو خائفة من العقاب. 

فترة استثنائية 

ولكن ألا ترين أن مصر تمر بفترة استثنائية منذ نحو 8 سنوات تتطلب بعض الصبر؟

ردت على الفور: سؤال جيد جدًا، وردى عليه أن تلك الفترة الاستثنائية طالت كثيرًا، ونحن الآن نواجه تحديات فى الداخل والخارج ومحطينا الإقليمى، وأثبتت تجربة السنوات السابقة من الميل نحو مجتمع رجال الأعمال والمال، أنهم لم يصنعوا شيئًا بدليل ما وصلنا له الآن، إذن فالحل البديل هو مزيد من الإنحياز نحو القطاع العريض من الشعب المصرى، لأنهم السند وصمام الأمان لهذا الوطن، ويكون ذلك بالقضاء على الفساد أولا، والذى ينتشر عندما تكون البيئة غير عادلة، ثم يتم بعد ذلك الاهتمام بمصالح هذا القطاع العريض، متمثلا فى المأكل والمسكن والصحة والتعليم والعمل، ويتوج كل ذلك بالممارسة السياسية والحريات.

وما تقييمك لملف الحريات ؟

بنبرة لا تخلو من الحزن تقول: لا تسألنى عن الحريات فى وجود مثقفين غير مكفول لهم الحق فى التعبير عن رأيهم دون خوف، فحرية الفكر والتعبير هى أساس الحريات، ويشمل ذلك حرية الصحافة والإعلام، وإذا كنا جادين فى الإصلاح، فلابد من سياسة إعلامية جديدة بوجوه جديدة، تعبرعن الواقع الجديد، وتهتم أكثر بالتعبيرعن مشاكل الناس وإنجازاتها وطموحاتها المستقبلية.

إعلام الصوت الواحد

أشعر أحيانا بتناقض بين دعوتكم كناصريين إلى حرية الصحافة والإعلام، بينما كان إعلام عبد الناصر، هو إعلام الصوت الواحد؟

ترد على الفور قائلة : أتفق معك إنه كان إعلام الصوت الواحد، ولكن لأن السلطة كانت تعبر عن مصالح الفئة الأوسع والجموع العريضة، فكان إعلام الصوت الواحد وقتها مقبولا، لأنه يعبر عن الناس، ولكن الإعلام الآن صوت واحد يعبر عن مصالح رجال الأعمال.

ألا ترين فى مشروعات مثل حياة كريمة ومعاش تكافل وكرامة، إنحيازًا للجموع العريضة؟

خطوة جيدة، لكنها ليست كافية، فنحن بحاجة إلى استراتيجية شاملة يكون من نتيجتها علاج أهم مشكلة فى رأيى وهى البطالة، فهل مقبول أن يستوقف أحد خريجى كلية الإعلام سنة 1987، التاكسى الذى كنت أستقله، لتحيتى، واكتشف انه يعمل «سايس».

قلت إنه خريج عام 1987، إذن فمن الغبن تحميل السلطة الحالية نتاج هذه الأوضاع؟

أتفق معك، ولكن السلطة الحالية مدعوة وبشكل سريع إلى علاج السياسات التى أدت بنا إلى هذا الوضع، الذى تفاقم، ويوجد الآن الآلاف مثل هذا الشخص الذى استوقفنى.

ألا تشعرين أن الدعوة للحوار الوطنى الذى ستطرح على مائدته كل هذه القضايا، فضلا عن الإفراج عن المحبوسين، يمثل بادرة نوايا طيبة ؟

بالطبع خطوة جيدة، وبادرة حسن نوايا، ولكنى دائما أميل للحلول الشاملة التى يتم وضعها استنادا إلى استراتيجية شاملة للحل.
الجامعة والسياسة

وأخيرًا: كيف تقيمين الممارسة السياسية داخل الجامعة؟

الحركة الطلابية تراجع دورها تماما، بسبب القانون الذى ينظمها والذى يضع استاذا مشرفا على كل نشاط طلابى، ونحتاج للعودة إلى قانون 1968، الذى صدر فى عهد عبد الناصر فهذا القانون اتاح للطلاب ممارسة السياسة داخل الجامعة، وممارسة السياسة داخل الجامعة من شأنها أن تنتج كوادر قادرة على الخلق والابداع والنهوض بالبلد.

ومن ضمن الممارسة السياسية الغائبة داخل الجامعة، غياب انتخاب القيادات الجامعية، وقد اعطينا هذا الحق مرة واحدة فقط بعد ثورة يناير، ثم عاد الاسلوب القديم فى تعيين القيادات الجامعية، ويكون من نتيجته كوادر ليست على درجة عالية من الكفاءة، وليست لها أى خبرة إدارية.

إقرأ أيضاً|مساعدة وزير الدولة للإنتاج الحربي: هدفنا المحافظة على الاستقرار في الأزمات والكوارث