يوميات الأخبار

وإياك أن تنسى نفسك !!

توماس جورجيسيان
توماس جورجيسيان

اختيار صلاح جاهين شخصية معرض الكتاب فرصة لنا جميعا وخصوصا للأجيال الصاعدة لكى نعرف أكثر عن ابداعه المتنوع ونتعمق أكثر فى تفاصيل عبقريته

الاثنين

أسعدنى كثيرا خبر اختيار صلاح جاهين شخصية معرض القاهرة للكتاب عام ٢٠٢٣. يكفى أن يذكر اسم صلاح جاهين أو يتم الاشارة اليه حتى ترى البهجة على الوشوش والفرحة فى القلوب. لأن هذا المبدع العبقرى كتب ورسم الكثير الذى شكل وجداننا ..

وحرك مشاعرنا وحرر أفكارنا .. وكدنا نطير وننطلق معه. ونشعر أننا ولدنا من جديد مع رسوماته الكاريكاتيرية وكلمات أغانيه وأشعاره ورباعياته .. بالمناسبة ما من يوم يمر فى حياتى إلا وأنا أقرأ رباعية أو أكثر من رباعياته. انها روشتة نفسية تطبطب عليك وتريحك. عجبي!

واللجوء لصلاح جاهين ولعالمه ليس فى حاجة إلى تبرير أو تفسير.. أو استئذان. وفى كل الأحوال أنت الكسبان. مازلت أتذكر ما قاله جاهين فى حوار تليفزيونى عندما سئل عما يتمناه لابنه اذ قال باختصار: راحة البال. وأتذكر أيضا اختياره لزهرة المشمش كزهرته المفضلة. زهرة المشمش الجميلة التى تعلقت بها وأحببتها منذ ذاك التنبيه..

صلاح جاهين كان معى وأنا أسمع اذاعة الشرق الأوسط فى شبابى .. ونصيحته الغالية الآتية بصوت ايناس جوهر

غمض عينيك وامش فى خفة ودلع

الدنيا هى الشابة وأنت الجدع

تشوف رشاقة خطوتك تعبدك

لكن أنت لو بصيت لرجليك تقع عجبي

وان كنت فيما بعد اكتشفت أن الرباعية كما كتبها جاهين تقول: غمض عينيك وارقص ..!

وجاهين كان معى أيضا مؤخرا وأنا أتابع تلسكوب ناسا وكالة الفضاء الأمريكية واكتشافها لآفاق وأعماق جديدة لكوننا اللا محدود ..

“إنسان .. أيا إنسان ما أجهلك

ما أتفهك فى الكون وما أضألك

شمس وقمر وسدوم وملايين نجوم

وفاكرها يا موهوم مخلوقة لك؟

عجبى

دائما وقفت مبهورا أمام إبداعه المتنوع والمتميز وأكيد المبهر .. الأستاذة سناء البيسى كانت على حق عندما وصفته بـ «كتيبة الابداع» .. وكم من أسئلة طرحت عليها وكم من المرات سمعت منها عن تجربتها مع هذا العبقرى .. أثناء تحضير حلقات هو وهي.. بطولة سعاد حسنى وأحمد زكي. صلاح جاهين كان له مكانه ومكانته فى بالى دائما وأنا أسأل عنه وأنا أريد أن أعرف عنه .. والحمد لله حدث لى هذا مع الأستاذ إحسان عبد القدوس والأستاذ أحمد بهاء الدين ومع من كانوا معه فى مشاوير حياته والحالة الجاهينية الخاصة التى خلقها بروحه وبريشته وقلمه .. «أنا دبت وجزمتى نعلها داب من كتر التدوير ع الأحباب».. أهل روز اليوسف وصباح الخير لم يفارقهم بريق أفكاره .. ولا البهجة التى كان ينشرها بينهم .. «باتنطط واتعفرت واترقص كده كده» ..

والتقيت به أيضا فى منزله .. بحضور ابنته سامية (الصغيرة آنذاك) وهى جالسة على الكنبة المجاورة لنا .. كنت أريد أن أعيش وأمتص رحيق تجربته ..

أعرف أكثر عن بداياته مع مجلة صباح الخير ورحلته مع خلق البهجة والفرحة وولادة الأغنية والليلة الكبيرة وتشكيل الكاريكاتير والقفشة الساخرة .. نعم كنت مع فيلسوف الدهشة وفنان البهجة وموسيقار الخيال قبل عدة شهور من رحيله عن دنيانا .. فى أبريل ١٩٨٦ قبل أن يكمل عامه ال ٥٦ من عمره ..

ان اختيار صلاح جاهين شخصية معرض الكتاب فرصة لنا جميعا وخصوصا للأجيال الصاعدة لكى نعرف أكثر عن ابداعه المتنوع ونتعمق أكثر فى تفاصيل عبقريته وأن نعيد قراءة كتاباته وسماع أشعاره ورباعياته ونتأمل من جديد مواقفه الجريئة والشجاعة برسوماته الكاريكاتيرية ونشاهد كل ما أضافه للسينما والمسرح.. وهذا ليس لمعرفة قيمته والاحتفاء به فقط .. بل من أجل إثراء حياتنا وإضفاء بهجة لأيامنا ..

الأربعاء

نسيت نفسك؟ ولا ايه؟

هكذا يأتى التنبيه أو التحذير .. أو العبارة الصادمة «هو أنت نسيت نفسك؟ ولا تحب أفكرك؟». ولا شك أن نفسية ونية القائل وشكل علاقته بك .. أو نبرة التنبيه تحدد طبيعة الغرض من «جرس الإنذار». هل هو مهموم بك و«قلبه عليك» أم عايز يحرجك (ويمكن نفسه يذلك كمان). وفى كل الأحوال «اوعى تنسى نفسك»

«نعم أحب أن أنسى» نقلت هذه الرغبة عن المفكر زكى مبارك الذى أكمل عبارته قائلا: «ولكن أين بائع النسيان؟». فعلا أين هو؟ ومن هو هذا البائع؟ وما هى أسعار النسيان هذه الأيام؟ واذا باع النسيان فمين يشتريه؟! خاصة أن الكل يروج للذاكرة ويحذر من أن «يضربها» أو «يشلها» النسيان. ولا شك أن الزهايمر شبح يهددنا وكابوس يطاردنا نحن ومن حولنا. ويا رب استر.

ويذكر الروائى عبد الرحمن منيف «ان النسيان أسهل طريقة للحياة». وربما يعنى بهذا «ارمى ورا ضهرك واقلب الصفحة». وقد تم التنويه كثيرا بأن «الذاكرة خدام العقل وأن النسيان خدام القلب». وأن الإنسان قد يتمكن من العيش دون أن يتذكر ولكن من المستحيل أن يعيش دون أن ينسى.
وطبعا فى هذا أيضا تنفع الحكمة القائلة: اسألوا المجرب ولا تسألوا الطبيب

وطبعا من منا ينسى الأغنية الشهيرة التى سمعناها ورددناها على مدى عشرات السنين (نعم من الزمن الماضى الجميل) وهى أغنية «انس الدنيا وريح بالك واوعى تفكر فى اللى جرالك»ـ كلمات مأمون الشناوى ولحن وغناء محمد عبد الوهاب. هذه الأغنية ولدت عام ١٩٤٤. ومن حين لآخر يذكرنا عشاق الأغانى الغربية بأغنية الفيس بريسلى الشهيرة «لقد نسيت أن أتذكر بأن أنسى».

و«اوعى تنسى نفسك» هى النصيحة الغالية التى تتكرر على مسامعك من أصدقائك المخلصين. 

ومن هنا أجد نبيل صديق أيام الصبا والشباب ينبهنى و«يشد ودني» قائلا: «اوعى حذار من أن تأخذك مشاغل الحياة وتربطك فى ساقية وتغمم عينيك وتكمم فمك. وتفضل تدور وتدور بك بلا توقف .. ووقتها مش بس حتكون نسيت نفسك انما حتكون كمان مش عايز حد يفكرك باللى انت فيه»
السبت

كانت فى القاهرة

ما من تجمع أدبى فى أمريكا يتحدث عن ضرورة الشعر فى حياتنا أو اجتماع نسائى يناقش عزيمة المرأة فى التاريخ إلا ويأتى ذكر اسمها ويجيب فى سيرتها الحضور. حديث شجون وذكريات وحديث احتفاء وتعظيم سلام لشاعرة عظيمة تركت بصمة خالدة فى حياة أمريكا.. وهى بالمناسبة التى كتبت وألقت قصيدة فى مراسم تولى بيل كلينتون رئاسة البلاد فى يناير ١٩٩٣.

انها مايا أنجيلو الشاعرة الأمريكية السوداء التى رحلت عن عالمنا عام ٢٠١٤.وهى فى ال ٨٦ من عمرها.

 مايا انجيلو كامرأة وسوداء ومتمردة ورافضة وحالمة خاضت حياة شاقة مليئة بالمخاطر والاحباطات والتحديات المستمرة والمصائب المتتالية. وكما ذكر أحد الذين عرفوها عن قرب أنها مرت بكل ذلك ومع ذلك عاشت بل كتبت شعرا يحب البشر والدنيا. شعرا يحلق بنا بعيدا والأهم انها علمتنا كيف نحضن تفاصيل حياتنا ونعطى قيمة ومعنى لوجودنا.. و«أن نكون كقوس قزح وسط السحاب». حسب تعبيرها.

مايا أنجيلو كانت فى القاهرة فى بداية الستينيات. وكانت قد ذهبت الى العاصمة المصرية مع زوجها الثانى فاس ماهكاى أحد نشطاء حركة التحرير بجنوب أفريقيا ومعها أيضا ابنها الصغير من زواجها الأول. فاس زوجها كان على اتصال بالقيادات المصرية وكان يذكر بفخر لزوجته انه التقى بالزعيم جمال عبد الناصر وتناول القهوة معه. هكذا ذكرت مايا فى كتابها «قلب امرأة». وفيه سطور عن حياتها فى القاهرة وشوارعها وتعرفها على المصريين بالإضافة إلى بدايات تعلمها للغة العربية. وقد عملت مايا محررة بـ «آراب أوبزرفر» الصادرة فى القاهرة باللغة الانجليزية. وعاشت فى ٥ شارع أحمد حشمت بالزمالك. وفى القاهرة أيضا التقت ولأول مرة بنيلسون مانديلا الزعيم الأفريقى عام ١٩٦٢. وقد توطدت بينهما الصداقة فيما بعد..

وقد أصدرت مايا أنجيلو ٣٦ كتابا وديوان شعر. الإعلامية الشهيرة أوبرا وينفرى قالت عنها ان مايا كانت معلمة أو مدرسة حياة وبشر ومن أفضل دروسها «عندما تتعلم عليك أن تقوم بتدريس علمك وعندما تأخذ عليك أن تعطى أيضا» كانت انجيلو تتذكر دائما كيف أن جدتها فى يوم ما احتضنتها بكل الحب وقالت للطفلة التى كانت لا تتكلم إلا قليلا : «لا تهتمى بما يقوله الناس عنك. إن الله اذا أراد وأنت اذا اجتهدت ستكونين أستاذة .. تدرس للطلبة وتعلمهم». ومن عبارات مايا أنجيلو الشهيرة: «ان الطائر يغنى ليس لأن لديه ردا (أو إجابة على سؤال مطروح) بل يغنى لأن لديه أغنية»ـ