تعود الدراسة ويبقى السؤال: متى تعود «المدرسة»!

جلال عارف
جلال عارف

على أبواب عام دراسى جديد، لا نملك إلا الأمل فى أن يكون أفضل من سابقيه. تعب الجميع من تحويل العملية التعليمية إلى حقل تجارب غير مدروسة، وتعبوا أكثر من الحديث البعيد عن الواقع.. فلم تكن فنلندا تحاول أن تلحق بالتقدم الذى حققته العملية التعليمية عندنا، ولا كانت كل الدول المتقدمة تنظر بابنهار إلى تعليم يضم ما يقرب من عشرين نوعًا من التعليم الأساسي.. ما بين دولى ومحلي، ومدنى وديني، وخاص وعام، وشرعى ومطارد من الشرطة!

مهمة الوزير الجديد الدكتور رضا حجازى أكثر من صعبة، لكنه قادم من قلب العملية التعليمية مع خبرة طويلة بدهاليز الوزارة وبعمق المشاكل التى يواجهها. يعرف الوزير - قبل غيره- أن أى حديث عن تطوير التعليم يفتقد لأى جدية فى غيبة المدرسة. كان مدهشا أن تقول الطالبة الأولى على الثانوية العامة إنها لم تذهب للمدرسة مرة واحدة طوال العام الدراسي! كان مدهشا فى صراحته، أما الحقيقة فكان الجميع يعرفها.. غابت المدرسة وسيطرت «السناتر». غاب المعلم وظهر وحش الكيمياء واسطورة الفلسفة. غاب التعليم وظهرت الاجابات الجاهزة.. أما «التربية» فلا مكان لها فى «مولد وصاحبه غايب» ولا فى مدرسة يغيب عنها الطالب والمعلم حتى وإن حضر «التابلت».

هل تعود المدرسة من جديد؟!.. الوزير حجازى أعلن أن هذا هو الهدف. اجراءات عديدة يتم الإعداد لها لانجاز هذه المهمة الصعبة. بعيدا عن غرامة العشرة جنيهات لكل يوم غياب، فإن الطالب سيحرص على الحضور لو وجد «المدرسة» بمعناها الكامل.. أى بالمدرس الحريص على أداء واجبه، وبالنشاطات العلمية والثقافية والرياضية التى تساهم فى تكوين شخصية الطالب وتبرز مواهبة وتفتح أمامه أبواب المعرفة الانسانية الواسعة.

هناك الآن حديث عن عودة الرياضة والفنون والثقافة للمدارس، وعن يوم رياضى ثقافى كل أسبوع. الأمر ليس سهلا إلا إذا تضافرت الجهود ودعمت كل اجهزة الدولة هذا الاتجاه. الكل يعرف أن مدارسنا بلا ملاعب للرياضة أو قاعات للموسيقى والمسرح غيرها من الأنشطة. ولهذا عاد وزير التعليم ليقول إن الأمر سيحدث بصورة تدريجية، هو أمر طبيعى مع مدارس لا وجود فيها لمدرسى الموسيقى أو الألعاب الرياضية منذ سنوات طويلة! 

التوجه صحيح، حتى وإن كانت العوائق كثيرة، والظروف تفرض أن نعتمد على الامكانيات الموجودة لكى نستعيد «المدرسة». ولا حل إلا أن تكون كل أجهزة الدولة فى خدمة هذا الهدف. كل مراكز الشباب وكل قصور الثقافة يمكن أن تكون متاحة للنشاط المدرسى فى فترات الصباح. الجهات التى تمول جزءا كبيرا من نشاط الأندية يمكن أن تساهم هنا فى تجهيز مدرسة بما يلزمها للنشاط الثقافى والرياضى أقل بكثير من مصاريف استيراد رأس حربه لأحد الأندية من «بواقى التصدير» فى افريقيا.

«عودة المدرسة» مهمة تستحق أن تحتل مكانا فى الصدارة من اهتمام كل أجهزة الدولة، وتفرض علينا جميعا ألا نترك وزارة التعليم وحدها فى هذه المعركة. بدون رياضة فى المدارس لن تتقدم الرياضة فى مصر. وبدون أجيال تتعلم كيف تتذوق الفن الرفيع سنجد «حمو بيكا»، واخوانه، وبدون مدرسة ينصهر فيها الجميع ويمارسون بالفعل قيم التسامح والمحبة وقبول الآخر.. سيكون التعصب والتطرف فى الانتظار!

لا يحتاج الأمر هنا لأموال باهظة، بل العكس هو الصحيح. سنوفر للأسرة المصرية جزءا هاما من دخلها يذهب الآن لمافيا «السناتر» والدروس الخصوصية التى ينبغى أن تختفى إذا أردنا النجاح فى معركتنا من اجل عودة المدرسة. سننجح فى هذه المعركة لو فهم الجميع أنها أصبحت ضرورة وطنية، ولو أدرك الجميع أن «السناتر»، هى علامة الانهيار التعليمي، ولو وضعت كل مؤسسات الدولة امكانياتها وراء هدف واضح وبسيط وحاسم فى مستقبل مصر هو «عودة المدرسة»، التى تسع الجميع، وتنهى مصية السناتر وتحول الطالب إلى حقل تجارب، وتحول «المعلم»، إلى تاجر شنطة. وغياب كل حديث جاد عن «التربية»، أو «التعليم» حتى تعود المدرسة!