خواطر الإمام الشعراوي.. السِلم والإسلام

الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي

يواصل الإمام الشعراوى خواطره حول الآية 208 من سورة البقرة فى قوله تعالى:«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِى السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ

بقوله: إنك إن أردت أن تحاسب فلابد أن تأخذ كل أمورك بمقاييس الإسلام، ثم تتصرف بما يناسب الإسلام ، فإن كنت كذلك فالإسلام يحميك من كل شيء، فالإسلام يساند القوى فى الكون ويساند القُوَى فى النفس بحيث تعيش فى سلام ولا تتعاند؛ لأن كل ذلك يقابله الحرب، والحرب إنما تنشأ من تعاند القوي، فتتعاند قوى نفسك فى حرب مع نفسك، وتتعاند قوى البشر فى حرب مع البشر، وتتعاند قواك مع قوى الكون الأخرى، فأنت تعاند الطبيعة وتعاند مع الحق سبحانه وتعالى ،إذن فالتعاند ينشأ منه الحرب، والحرب لا تنشأ إلا إذا اختلفت الأهواء، وأهواء البشر لا يمكن أن تلتقى إلا عندما تكون محروسة بقيم مَنْ لا هوى له، ولذلك يقول الله عز وجل:  «وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السماوات والأرض وَمَن فِيهِنَّ».

 لماذا؟، دعك من الكون الأصم حولك، أو دعك من الكون الذى لا اختيار له فى أن يفعل أو ينفعل لك؛ فهو فاعل أو منفعل لك بدون اختيار منه، ولكن انظر إلى البشر من جنسك، فما الذى يجعل هوى إنسان يسيطر على أهواء غيره؟، ما الذى زاده ذلك الإنسان حتى تكون أنت تابعاً له؟ أو يكون تابعاً لك؟، وفى قانون التبعية لا يمكن إلا أن يكون التابع مؤمناً بأن المتبوع أعلى منه، ولا يمكن لبشر أن توجد عنده هذه الفوقية أبداً، لذلك لابد للبشر جميعاً أن يكونوا تبعاً لقوة آمنوا بأنها فوقهم جميعاً، فحين نؤمن ندخل فى السلم، ولا يوجد تعاند بين أى قوى وقوة أخرى؛ لأنى لست خاضعاً لك، وأنت لست خاضعاً لي، وأنا وأنت مسلمون لقوة أعلى منى ومنك، ويشترط فى القوة التى نتبعها طائعين ألا يكون لها مصلحة فيما تشرع، إن المشرعين من البشر يراعون مصالحهم حين يشرعون، فمشرع الشيوعية يضع تشريعه ضد الرأسمالية، ومشرع الرأسمالية يضع تشريعه ضد الشيوعية، لكن عندما يكون المشرع غير منتفع بما يشرع، فهذا هو تشريع الحق سبحانه وتعالى، وحين ندخل فى الإسلام ندخل جميعاً لا يشذ منا أحد، ذلك معنى :«ادخلوا فِى السلم كَآفَّةً»، هذا معنى وارد، وهناك معنى آخر وارد أيضا وهو ادخلوا فى السلم أى الإسلام بجميع تكاليفه بحيث لا تتركوا تكليفاً يشذ منكم ،وحين يأتى المعنى الأول فلأننا لو لم ندخل فى السلم جميعاً لشقى الذين يُسلمون بالذين لا يُسلمون؛ لأن الذى يُسلم سيهذب سلوكه بالنسبة للآخرين، ويكون نفع المسلم لسواه، ويشقى المسلم بعد إسلام من لم يسلم، فمن مصلحتنا جميعاً أن نكون جميعاً مسلمين، والذين لا يدركون هذه الحقيقة يفسرون قول الله تعالى:»لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهتديتم».

اقرأ أيضًا

خواطر الإمام الشعراوي.. الدخول فى السلم

على غير ظاهرها، فمن ضِمْن هدايتكم أن تُبَصّروُا منَ لم يؤمن بأن يؤمن؛ لأن مصلحتكم أن تسلموا جميعاً، فإذا أسلمت أنت فسيعود إسلامك على الغير؛ لأن سلوكك سيصبح مستقيماً مهذباً، والذى لم يسلم سيصبح سلوكه غير مستقيم وغير مهذب، وستشقى أنت به، إذن فمن مصلحتك أن تقضى وقتاً طويلاً وتتحمل عناءً كبيراً فى أن تدعو غيرك ليدخل فى الإسلام ، وإياك أن تقول: إن ذلك يضيع عليك فرص الحياة ،لا إنه يضمن لك فرص الحياة، ولن يضيع وقتك لأنك ستحمى نفسك من شرور غير المسلم ،وأذكر جيداً أننا حين تكلمنا فى فاتحة الكتاب قلنا: إن الله يُعلمنا أن نقول:»إياك نعبد» فكلنا يا رب نعبدك وسنسعد جميعا بذلك، واهدنا كلنا يا رب؛ لأنك إن هديتنى وحدى فسيستمتع غيرى بهدايتك لي، وأنا سوف أشقى بضلاله، فمن مصلحتنا جميعاً أن نكون مهديين جميعاً، هذا على معنى «ادخلوا فِى السلم كَآفَّةً»أى جميعاً، أما معنى قوله تعالى:»لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا اهتديتم» أى لا تتحملون أوزار ضلالهم إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر.