فى الصميم

عالم يسير إلى «الخلف در»!

جـلال عـارف
جـلال عـارف

لأول مرة منذ ثلاثين عاماً يتراجع مؤشر التنمية البشرية فى العالم لعامين متتاليين، المؤشر يأخذ فى اعتباره متوسط العمر والتعليم والصحة ومستوى المعيشة ويشرف على إصدار تقريره السنوى البرنامج الانمائى التابع للأمم المتحدة.

التقرير الأخير يقول إن مؤشر التنمية البشرية قد تراجع فى عامى ٢٠٢٠ و٢٠٢١، وأن التراجع يشمل ٩٠٪ من دول العالم، وأن التراجع عاد بأوضاع البشر خمس سنوات إلى الوراء، ليصبح العمر أقصر والتعليم أقل والدخل يتناقص!! وقد يكون «كورونا» هو السبب الرئيسى، لكن معه أسباب أخرى مثل الكوارث المناخية والأزمات العالمية التى تتوالى  دون أن تترك للبشرية فرصة التقاط الأنفاس.

والكارثة أنه بدلاً من تكتل العالم لمواجهة الأوضاع المتردية، واستعادة العافية الاقتصادية والمجتمعية، ينزلق «الكبار» إلى المزيد من الصراعات المدمرة، ليجد العالم نفسه أمام الحرب فى أوكرانيا التى يمكن أن تتحول إلى حرب نووية فى أى لحظة، ويأتى هذا التصعيد فى وقت يواجه العالم فيه أزمة اقتصادية قد تكون الأخطر، وبينما الدول الغنية تشكو من الغلاء فإن الجوع هو ما يهدد فقراء العالم كما تحذر الأمم المتحدة، والسؤال هو إلى متى يتحمل العالم كل ذلك؟!

قبل اندلاع الحرب فى أوكرانيا، كانت هناك آمال بأن تكون الدول الكبرى قد تعلمت من درس «كورونا» أن التعاون ضرورى لمواجهة آثار الوباء ولتفادى أزمة اقتصادية عالمية كانت بوادرها قد لاحت فى الأفق..

وبدلاً من ذلك اندفع كل الأطراف إلى الحرب التى امتدت آثارها الوبيلة إلى عالم أنهكته «كورونا» ليصبح مطالباً بأن يتعايش مع أزمة غذاء طاحنة، وأسعار طاقة تتضاعف، وغلاء يطحن الجميع ويضيف مئات الملايين من البشر إلى  قائمة من يهددهم الجوع.
بالتأكيد فإن تقرير التنمية البشرية عن هذا العام سيكون أسوأ بكثير.. سيعود العالم إلى الوراء سنوات عديدة، والأسوأ أن ذلك المسار سيستمر حتى بعد نهاية الحرب، فسباق التسلح الذى بدأ لن يتوقف، والحرب التجارية سيدفع العالم تكلفتها، والصراع بين الغرب وبين روسيا والصين سيتصاعد.

ووسط كل ذلك يفتقد العالم صوت الرشد الذى مثلته ذات يوم حركة عدم الانحياز التى جمعت شعوب العالم الثالث التى كانت تسعى للاستقلال والتنمية، بعيدا عن صراع قطبى الحرب الباردة للهيمنة على العالم، ربما آن الأوان لأن يسمع من يخوضون صراع النفوذ العالمى اليوم قبل الغد صوت شعوب العالم التى تقول الأمم المتحدة أن ٩٠٪ منهم يتراجع مستوى معيشتهم ويعانون من أزمة غذاء طاحنة، ويعيشون مع تعليم أسوأ ودخل يتناقص وظروف صحية أسوأ.

أيام «كورونا» رأينا كيف تسابقت الدول القوية فى خطف الكمامات وأجهزة التنفس، وكيف احتجزت اللقاحات فى مخازنها حتى فاضت عن الحاجة، واليوم يحاول الأقوياء تصدير أزماتهم إلى باقى العالم ويفرضون تكاليف صراعاتهم على من لا يريدون الحرب ولا يسعون إلا لتأمين حياتهم وتأكيد استقلالهم، دون أن يسألوا أنفسهم: إلى متى تتحمل شعوب العالم؟ ولماذا تستمر حرب لن ينتصر فيها أحد؟!

«كورونا» وأزمات ما قبل الحرب الأكروانية، أعادت العالم خمس سنوات إلى  الوراء، حرب أوكرانيا تضاعف المأساة، قد يكون احتياج الساعة هو صورة جديدة من حركة عدم الانحياز توقف هذه الاستهانة بمصير البشر، وهذا الإصرار على أن يسير العالم.. للخلف در!!