عبد الهادي عباس يكتب: «مدماك محبّة» يا معالي الوزير!

عبدالهادي عباس
عبدالهادي عباس

كان متلهفًا وسعادته غامرة وفرحه ظاهرًا، يبتسم من قلبه ويرجو لو ترك لها يديه فوق الجائزة، لا بأس فالوزير الفرفوش رزق، لكنها كانت بداية كالحة والبدايات معطيات تُخبر عن النهايات، كما أن الرجل ابن المكان وليس غريبًا عنه، يعرف ألاعيب المستشارين واتجاهات الموج الأزرق للسوشيال ميديا، ورغم هذا فقد وقع في "الخيّة"، سقط التمثال الذي تعلقت به آمال الآباء في تخفيف توترهم وشدة أعصابهم، تمنوا لو تخف معه أمراضهم المزمنة؛ سقط الأمل المرجو عند المعلمين المكبلين في أرزاقهم لقلة الزاد والتغيير المستمر في المناهج، حتى أصبحوا مع الطلاب فئران تجارب؛ كان المعلمون يبحثون عند الوزير الجديد عن "مدماك" محبة يعلوه مدماك ومدماك حتى يرتفع بنيان الثقة المتبادلة وتتأسس عملية تعليمية حقيقية يشترك فيها المعلمون والطلاب وأولياء الأمور مع الوزارة في البحث عن المستقبل العلمي وتنميته وتقويته عن قناعة تامة من الجميع دونما استقطاب أو فرض نظام بالأمر الواقع بغير فهم أو إفهام!


لم أكن ضد الوزير السابق للتربية والتعليم كليّة، فالرجل قد اقتحم أرضًا بورًا فبذرها وأراد أن تُنتج فورًا وهذا محال، بل كنتُ ضد بعض أساليبه الانفرادية في التغيير، ولهذا أعتقد أن الوزير الجديد يملك فرصة ذهبية لمحو التعاسة اليومية للناس، لرفع تلك الشوكة الساكنة منذ زمن في حلوق أولياء الأمور وذويهم، في تغيير ثقافة الحصول على شهادة "زينة" دونما تعليم حقيقي، أو بحث عن مكامن المعرفة في مظانها؛ فقديما كان فقراء الناس يبيعون أملاكهم البسيطة، قراريط الأب و"سيغة" الأم، وتضحية باقي الأبناء، ليتعلم ابن واحد من أبنائهم في الأزهر، كان التعليم مشروعًا قوميا للأسرة ومشروعا قوميا للوطن، وكانت الثمرات قليلة لكنها كلها نافعة وقادرة على التفكير والتغيير، بل وقادرة على الثورة وانتقاد حتى أعتى العقول في العالم، وكان لدينا محمد عبده والعقاد وطه حسين والحكيم ونجيب محفوظ، ومئات غيرهم، كانوا قليلين لكنهم مؤثرون؛ أما الآن فلدينا ملايين الشهادات العليا دونما إبداع معرفي حقيقي؛ دونما تأثير في الحضارة المصرية وتقويتها ودفعها لتأخذ بعض مكانتها المستحقة بين الأمم؛ التعليم لدينا كالماء والهواء ولكنه ماء آسن وهواء أغبر.

اعتراض المدرسين على خطوة الوزير الأولى بتكريم الفنانة لبلبة وجيه وذو أسباب واضحة، فقد كانوا يرجون أن يجعل قبلته إليهم وأن يوليهم وجهه فهم جنوده وهو قائدهم ومن حقهم أن يترضاهم ويتودد إليهم أولًا قبل أي أحد آخر؛ ومع هذا فإنني متفائل جدا بوزير التربية والتعليم الجديد، لكنني أنصحه بأن يعيد البداية ببناء "مدماك" محبة بينه وبين قنوات العملية التعليمية كلها، فالأساس المتين وحده القادر على تحمل الأحمال الزائدة للعقول الجديدة للوطن.. و"دايمًا عامر" يا معالي الوزير!

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي