في حكايات التجلي الأعظم..

خبير آثار يكشف عن علاقة «سرابيط الخادم» بخروج بني إسرائيل

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

في إطار استكمال حلقات "التجليات الربانية بالوادى المقدس طوى" منذ دخول يوسف الصديق وأهله آمنين إلى مصر ومسار نبى الله موسى بسيناء حتى الوصول إلى أعتاب المدينة المقدسة والذي يستعرضها خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، يكشف في الحلقة الثانية والعشرون عن علاقة سرابيط الخادم بخروج بني إسرائيل.

اقرأ أيضا|«السياحة» توقع عقد تنفيذ إستراتيجية دولية ترويجية لمدينة سانت كاترين


ويوضح الدكتور ريحان، أن مسار نبى الله موسى وبنو إسرائيل  عبر جنوب سيناء، بدأ بعيون موسى إلى وادي غرندل، وقد اتخذوا طريقًا بين ساحل خليج السويس وصحراء سيناء، وقابلوا فى طريقهم قومًا يعبدون أصنام فطلبوا من نبى الله موسى أن يجعل لهم إلهًا من هذه الأصنام "وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ" الأعراف  138.

والمنطقة الوحيدة التي تحوي معبدًا مصريًا قديمًا بجنوب سيناء يحوي تماثيل هي منطقة سرابيط الخادم وهو جبل صغير مستطيل الشكل مسطح الرأس يقع على بعد 25 كم قرب ميناء أبو زنيمة على خليج السويس والذى يبعد 138كم عن نفق أحمد حمدى، ويقع المعبد على قمة الجبل طوله 80م وعرضه 35م.

واختلف الباحثون فى كتابة اسمها فيكتبها البعض سرابة الخادم، سربة الخادم، سربوت الخادم، ويرى الدكتور أحمد فخرى أن التسمية الصحيحة "سرابيط الخادم" والسرابيط جمع سربوط وهو الصخر القائم الذى يشبه العمود فى ارتفاعه، أما الخادم فربما كان بالمعبد تمثالًا أسودًا لم يعد له وجود الآن وكانوا يطلقون عليه اسم الخادم وذكر نعوم شقير عن التسمية أنه "سرابيت الخادم" نسبة إلى الأنصاب الموجودة بالمعبد وأن لفظ (السربوت) فى عرف أهل سيناء الصخرة الكبيرة القائمة بنفسها وجمعها سرابيت، والخادم عندهم الجارية السوداء فلعلهم نسبوا هذه السرابيت إلى الخادم لأن الصور التى فى الهيكل تشبه الخدم السود .


ويشير الدكتور ريحان إلى أن كل حملة كانت تتجه إلى سيناء لتعدين الفيروز منذ الأسرة الثالثة وحتى الأسرة العشرون تنقش أخبارها على هذه الصخرة الكبيرة القائمة بذاتها الموجودة بالمعبد، ولا نعرف على وجه اليقين متى بدأ قدماء المصريين فى استخراج الفيروز من سرابيط الخادم فقد عثر فى المعبد أثناء تنظيفه عام 1905 على تمثال لصقر عليه اسم "سنفرو"، ولكن طريقة كتابة الاسم متأخرة عن الأسرة الرابعة ويرى الدكتور أحمد فخرى أنه يعود للأسرة الثانية عشر حين تم تأليه سنفرو وتقديم القرابين له وربما اعتبروه فى أيام تلك الأسرة من الآلهة الحامية لهذه المنطقة.

كما عثر على اسم الملك منتوحتب الثالث والملك منتوحتب الرابع من ملوك الأسرة الحادية عشرة إلى جانب رسميهما ورسم سنوسرت الأول واسم ابيه أمنمحات الأول ولكن مثل هذا الأثر لا يمكن أن يقوم كدليل قاطع على إرسال أولئك الملوك الثلاثة لأى بعثات لإحضار الفيروز أو النحاس خصوصًا وأن أسماءهم لم ترد على أى نقش آخر.


ويرى أحمد فخرى أن معبد سرابيط الخادم أقيم هناك فى عهد الملك سنوسرت الأول وازدادت قاعاته مع مرور الأيام فى الدولتين الوسطى والحديثة وما على جدرانه من نقوش، وهذا المعبد وكل نقوشه مصرية خالصة

ورغم ذلك يشير إلى أنه من  الصعب أن يتصور الإنسان أن مناجم سرابيط الخادم قد اكتشفت فقط فى عهد سنوسرت الأول وأن العمل بدأ فيها فى عهده وأنها أصبحت فى وقت قصير ذات أهمية كبرى إلى الحد الذى جعله يقيم معبدًا كبيرًا للمعبودة حتحور فى هذه المنطقة النائية، ويرى أنه أقرب إلى المعقول أن يكون العمل قد بدأ فى هذه المنطقة قبل عهده وأن البعثات أخذت تزداد مما دفعه إلى إنشاء المعبد.


ويرى أن العمل بدأ فى سرابيط الخادم أيام الأسرة الحادية عشرة فى عهد الملك منتوحتب الثالث الذى اشتهر بالاهتمام بإعادة العمل فى أكثر المناجم والمحاجر القديمة فى الصحراء بعد توقفها بعد الأسرة السادسة رغم عدم وجود دليل أثرى على ذلك.


ومن المرجح أن يكون قد بنى فيه منذ ذلك الوقت هيكل لعبادة حتحور وتقديم القرابين لها، ومن المحتمل أن يكون هو كهف حتحور الموجود الآن بآخر المعبد، وأقدم أجزاء المعبد الباقية فى مكانها وعليها اسم من شيدها هو البهو ذو العمودين الذى يقع أمام كهف حتحور والذى كان قائمًا فى عهد أمنمحات الثالث لأن أحد الموظفين فى أيامه كتب اسمه على أحد جانبى البهو.


ويتابع الدكتور ريحان بأنه لم يكن كهف حتحور هو الوحيد فى المعبد بل يرجح أن يكون هيكل المعبود "سبد" المنحوت فى الصخر بجوار هيكل حتحور قد قطع أيضا فى الأسرة الثانية عشرة وربما وقت ازدواج حكم الملكين أمنمحات الثالث وأمنمحات الرابع، ولكن النقوش الحالية فى الهيكل ترجع إلى عهد تحوتمس الثالث فى الأسرة الثامنة عشرة عندما أعيد تنظيمه وزخرفته، وفى ذلك الوقت أيضًا أقيم هيكل آخر بعيد عن هذين الهيكلين وهو الهيكل المعروف باسم "هيكل الملوك" الذى أقيم لأجل الآلهة سبد وحتحور وبتاح وسنفرو.


وفى الأسرة الثامنة عشرة حدث تغييرًا كبيرًا إذ أراد ملوك هذه الأسرة أن يزيدوا من مبانيه فلم يستطيعوا الاستمرار فى نفس الاتجاه لأن حافة الوادى كانت قريبة فاضطروا إلى الاتجاه بالمبانى نحو الغرب، وكان أول ملوك هذه الأسرة اهتمامًا بمعبد سرابيط الخادم هو الملك أمنحتب الأول الذى أصلح ما تهدم من مبانى هيكلى حتحور وسبد وخاصة فى البهو المحمول على أعمدة أمام كهف حتحور، كما شيد هيكل "حنفية حتحور" الاسم الذى أطلقه عالم الآثار البريطانى بترى على هذا الهيكل الذى كان معدًا لتطهير زوار المعبد .

وفى عهد تحوتمس الثالث وحتشبسوت أضيفت عدة قاعات أمام قدس الأقداس وأمامها صرح كبير، وشيد ابنه أمنحتب الثانى قاعة أمام مبانى أبيه والذى أتمها تحوتمس الرابع، وبنيت أيام أمنحتب الثالث ستة حجرات وراء بعضها، وأقام أمامها مسلتين كبيرتين كانتا على جانبى المدخل.


وينوه الدكتور ريحان إلى أن تشييد المعبد لم يقف عند هذا الحد، فقد عثر على اسم كل من رمسيس الثانى ورمسيس السادس فى هذا المعبد مما يعنى قيامهما بإصلاحات، ولم يعثر على أى أثر بعد الأسرة العشرين لبعثات ملكية جاءت إلى سرابيط الخادم للحصول على الفيروز.


وقد بلغت مجموع النقوش المكتشفة بالمعبد 387 نقش من الدولتين الوسطى والحديثة وهى لا تشمل نقوش المعبد بالطبع، وإنما هى النقوش الهيروغليفية على اللوحات وعلى الصخور والتماثيل واللقى الأثرية وأكثرها يتضمن ابتهالات معتادة وذكر أسماء الأشخاص المهمين من أعضاء البعثات ووظائفهم.


وكانت البعثات التى ترسل إلى مناطق المناجم يرأسها موظفى الخزانة لأن مناجم الفيروز كانت ملكًا خاصًا للملوك، ونجد فى النقوش اسم رئيس البعثة وعددًا من كبار الموظفين الذين كانوا معه، ومن غير الممكن كتابة أسماء كل أفراد البعثة حيث بلغ عدد أحد هذه البعثات أيام أمنمحات الثالث 734شخص

وقد مر بنو إسرائيل على معبد سرابيط الخادم ولم يدخلوه ولم يتعرفوا أو يحتكوا بمن فيه، وبالتالى فالحامية المتواجدة فيه منصرفة إلى العبادة واستخراج الفيروز ولم يشغلهم أمر هؤلاء العابرين ما داموا لم يعترضوا طريقهم أو يهاجموهم، وبالطبع لن يعرفوا عنهم أى شيء.