نشوى الغندور تكتب: عذراً أيها المجتمع.. خيّبت ظنك!

نشوى الغندور
نشوى الغندور

منذ سنين وانا انتظر بلوغي سن الأربعين، سمعت عنه كثيراً، سن النضج في الحياة، وايضاً سن الوحي والنبوة في الدين.

دخلتُ الأربعين، مرّت السنة الاولى والثانية تجر الثالثة، إلى ان بلغتُ من العمر سبعة وأربعين سنة، لا رأيتُ نضجاً ولا أي علامة تقول انني قريباً سينزل عليا الوحي، أقصد وحي الرزانة والقرارات المتعقلة والهدوء والتخلي والعزلة وعمق التفكير وسرعة التدبير وترك مرآة الجسد لصالح مرآة الروح، وتركيب مروحة لسقف الطموح اختلس النظر اليها فقط فيصيبني الدوار، وانتقاد كل ما هو حديث والقبض على جمر القديم بكلتا يدي، فلا أغاني مهرجانات ولا لبس يتبع الموضات، ولا أفكار ولا معتقدات الا ما عهدنا عليه آباءنا!

لكن ما حدث كان مغايراً تماماً ليس فقط لما توقعت انا ولكن مغايراً لتوقع مجتمع بأكمله، اطفالاً ونساءً وشيوخاً ورجالاً، مجتمع يتوقع منك اطفاله في هذا السن ان تكوني "طنط"، ويتوقع نساؤه منك شعراً يملأه الشيب ووجهاً تبدأ في غزوه التجاعيد

وعقلاً متّبع وليس بمبتدع، اما شيوخه ورجاله فانت بالنسبة لهم "ست الحاجة" التي جفّ وعاؤها وتهدل ثديها وغابت شمسها والآن عليها ان تتابع ليلها في التأوه من الم الظهر والمفاصل وتستعين على ذلك بالدهانات والمسكنات لإكمال يومها!

في الحقيقة انا غير آسفة ابداً على انني خيّبت ظن هذا المجتمع وتوقعاته، فانا العب والهو أكثر من اطفاله وحيث انه لا "طنط" تلعب وتلهو فأنا عندهم غريبة!

اعالج شيب شعري وسوف افعل مع تجاعيد وجهي رغم انها لم تأتي بل ولم تقترب حتى، لم يجف وعائي ولم يتهدل ثديي ولا اقضي ليلي اتأوه من الألم، ولست أسيرة المسكنات، والاهم من ذلك ان لي عقلاً يبدع ويبتدع ولا يرضى الاتباع دون منطق وإقناع!

وحيث انه لا توجد "ست الحاجة" في مجتمعي بهذا الوصف إلا من رحم ربك، فأنا عندهم شاذة فإذا هذبوا الوصف قالوا مختلفة!

ان تعيش في مجتمع يعتبر الاختلاف تميزاً فهذا شيء راقي وعظيم، اما ان تعيش في مجتمع ينظر للاختلاف على انه شذوذ فهذا شيء مرهق مربك مؤلم لا يتحمله الا من باع الجميع واشترى نفسه، من باع الونس واشترى وحدته، من باع الحديث واشترى الصمت، لا يتحمله الا من استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير!

انا فعلتُ ذلك، ليس تحدياً للمجتمع ولكن بحساب منطقي بسيط إذا كنتُ سأحاسب على حياتي كاملة، وحدي، فكيف اسمح لآخرين ان يضعوا لي الحدود ومفارق الطرق ومخارج الطوارئ والانفاق!!

أنا فقط من يحق له وضع الحدود، وانا فقط من يحدد أي مفرق يسلك، وانا فقط من يقرر متى يهرع لمخرج الطوارئ، وانا من يصنع الانفاق ويقرر متى يلجأ اليها، اليس هذا هو العدل؟!

أنا لا أبحث عن عدل يكيل بمكيالين، يعدل معي ويظلم غيري، انا اريده عدلاً مطلقاً

لا ظلم فيه، لا لنفسي ولا لغيري.

لكنني في المقابل لا اريد حباً مطلقاً، ان رُوقت لك كما انا شكلاً وروحاً وفكراً فأحبني، فإن لم ارُق لك فلا تكرهني كوني لم أُخلق على هواك فهذا ليس ذنبي!

أنا كلٌ متسق لا اتجزأ فلا تحب شكلاً وتكره روحاً وفكراً ولا تفعل العكس.

نعم، أنا على مشارف الخمسين من العمر لكني لم اوّدع المرح والجمال والتفاؤل

والطموح والرقص والغناء والحب والغنج والدلال، لم اودّع ذلك وليس في نيتي، بل على العكس اريده ان يكون خاتمتي والتي ارها حسن الختام!