أريد هنا أن أكشف عن سر آخر من أسرار إيمبيدوكلي جاليو مؤسس المستشفى الإيطالى بالقاهرة - ربما كان له أبلغ الأثر في حياتي كلها.
فقد ولدت جدتى فى الخامس من نوفمبر من عام 1868، وهو نفس اليوم من نفس الشهر والسنة التى ولد فيها إيمبيدوكلى، فى مصادفة غير عادية لم يكن ممكنًا إلا أن تؤثر على أقدار إيمبيدوكلى.
وحيث إنها تزوجت من أخيه الأكبر كالوجيرو (ولم تكن قد تعدت بعد الستة عشر ربيعًا)، فإنها لم تستطع أن تفلت من مهابة شخصية صهرها الذى قاده القدر إلى تشييد المستشفى الإيطالى فى القاهرة، وإلى علاج جيلين من العائلة الملكية فى مصر: فأرادت أن تذكر تلك الرابطة العاطفية فى وصيتها التى كتبتها فى الليلة الأخيرة قبل وفاتها (فى يوليو 1943)، بأن خصصت مبلغ مليون ليرة من ليرات تلك الحقبة، فى صورة سندات خزانة بنك إيطاليا، وأهدتها إلى المستشفى الذى كان لا يزال إيمبيدوكلى يقوم على إدارته: وبعد انتهاء الحرب، شاء القدر لى أن أقوم بدورى، فذهبت فى عام 1948 إلى مصر حتى أسلم ذلك االإرثب، الذى كان فى ذلك الوقت ذا قيمة كبيرة، إلى يدى صهرها الذى كان لا يزال على قيد الحياة!
وأنا أكشف هنا النقاب عن لغز تلك الرحلة، حتى لو لم يكن من الجائز لى شرعًا أن أرفع الحجب على ذلك االإنجذاب الأفلاطونىب الذى كان يقرّب الفضيلة الجامحة لفتاة صغيرة من صقلية تنتمى إلى القرن التاسع عشر، ونشأت فى بيئة تعيش وتقدس أجواء رواية االكبرياء والهوىب (للكاتبة جاين أوستن - 1813) أو رواية امرتفعات ويذرينجب (للكاتبة إيملى برونت) ويجذبها باتجاه الأحداث الخيالية الرومانسية التى عاشها ذلك الجراح الذى كان بمثابة توأم ولادتها بشكل خلاب معجز... ومازال إلى الآن أحفاد منشأته الطبية وأبناؤهم ينحنون أمام هذا اللغز إلى يومنا هذا!
والآن اسمحوا لى أن أتوقف قليلا، كما هو الحال فى القصص الروائية الحديثة، حيث تبتعد الشخصيات المحورية عن بؤرة الإنتباه، بينما تتسارع الأحداث عبر فصول الرواية، (كما يقولون) من أجل إثارة فضول القارئ والمحافظة على حرارة المتابعة للأحداث التى ستأتى فيما بعد.
على أننى لا أجد نفسى ملزمًا بأى اتسلسل أو توافق زمنىب، ويمكننى أن أسمح لنفسى بسرد االأمرب (وأعنى به حكايتى) بطريقتى الخاصة التى تناسبنى!
وقد حدث فى يوم 5 نوفمبر 2018، أن تم وضع لوحة على جدار المدخل القديم لـبقصر عائلة جاليوب فى مدينة أجريجينتو بصقلية، فى ذكرى مرور 150 عامًا على ميلاد إيمبيدوكلى جاليو، والذى تم الاحتفاء به فى هذه اللوحة التذكارية بالكلمات التالية:
إيمبيدوكلى جاليو
جراح قدير ومفكر إنسانى متميز
رسول الخير
مؤسس مستشفى أمبيرتو الأول
بالقاهرة
مثال عظيم للعلم والإنسانية
تشرف هذا المكان بمولده فى (5 نوفمبر 1868)
ويَسعَد مجتمع مدينة أجريجينتو
بذكر فضائله وأعماله
بمناسبة الإحتفال بمرور 150 عامًا على مولده
أجريجينتو فى 5 نوفمبر 2018
وقد حضر هذا الاحتفال سفير مصر الأسبق فى إيطاليا هشام بدر ولفيف كبير من الشخصيات الممثلة لمدينة أجريجينتو.
ولكن من هو إيمبيدوكلى جاليو؟ ... وهل هو جدى المباشر؟
ولأى سبب رحل من صقلية وتوجه الى مصر؟ وما هو الإنجاز الذى أدى إلى تكريم ذكراه كمثال عظيم للعلم والإنسانية؟ إن مقبرته الكائنة فى حديقة المستشفى الإيطالى بالقاهرة تتمتع بتقدير وإلهام حقيقيين، وقد قمنا، نحن أحفاده، بوضع إكليل برونزى من الزهور فى الذكرى 150 لميلاده.
واسمحوا لى، أيها القراء الأعزاء، أن أدعوكم لإعادة القراءة فى اذكرىب هذا الجد الرائع، قبل أن أسترسل فى سرد بعضاً من أسرار العائلة! وإننى أود وببالغ الفخر أن أؤكد لكم أن كل ما سأرويه لكم هو حقيقة تامة ومؤكدة.
فاسمحوا لى الآن أن أرفع حجبًا (يكسوها الإحترام البالغ) عن بعض االكواليس الخلفيةب التى تدعم روايتى فى كل أحداثها.
كنت قد عدت للتو إلى القاهرة، من رحلتى إلى جنوب مصر، وكان إيمبيدوكلى قد دعا المجتمع الراقى المصرى، منتشيًا بمشاعر الفخر لأنه يقدم (أخيرًا) اسليل دمهب ممثلاً لعائلة لطالما سمع بها الجميع!
لذلك فإننى كنت موضع فضول عام، ولا يمكننى أن أنكر ذلك... فقد كنت أشعر بأهميتى:
وعلى الرغم من أننى لم أكن أبدًا شخصًا خجولًا، إلا أننى فى تلك الأمسية كنت أشعر كما لو كنت ا أواجه المجتمع لأول مرة:
لا أستطيع أن أنسى لفتة إيمبيدوكلى عندما اأظهر مزهوًاب أمام أعين جميع ضيوفه ... ما أحضرته له ، آخر رسالة من جدتى (زوجة شقيقه) إوجينيا: مظروفًا يحتوى على مليون ليرة من أذون خزانة ثلاثينية صادرة من بنك إيطاليا: كما ذكرنا آنفًا، مدرجة فى وصية قانونية لجدتى، تم تسجيلها قبل وفاتها بفترة وجيزة (يوليو 1943)... وفى زمن كان المليون فيه لا يزال مليونًا!
ففى عام 1948، وقت زيارتى الأولى (والأخيرة!) لإيمبيدوكلى، كانت الليرة الإيطالية لاتزال تحتفظ بقيمة كبيرة، على الرغم من الكارثة التى حدثت بعد الحرب... لكن لم يكن هذا ما يثير شغف الضيوف المصريين فى تلك الليلة! فما كان يثير إهتمامهم بالفعل هو تلك اللفتة من سيدة إيطاليا العظيمة، وإن كانت بعد وفاتها، والتى تلقاها إيمبيدوكلى بخشوع، دون أن يخفى عبرات تخنق صوته المنتحب وهو يروى قصتها أمام الجميع، وهى القصة التى أود أن أسترجع أحداثها هنا بشكل محدد ونهائى!
ولنبدأ بوصول إيمبيدوكلى إلى مصر، عندما فاز بمسابقة (أعلنت عنها جامعة روما) للتعيين ك اجراح مقيم فى القاهرةب: على أن مهام وظيفته لم تكن قد تحددت! ولم يكن معروفًا ما هى طبيعة تلك المهام؟
ولماذا تم إعلان تلك المسابقة... والتى بدت وكأنها تستند إلى لا شيء؟ الأمر يستحق حقًا أن ننبش فى تفاصيل حياة فؤاد، لنكتشف أن ذلك الأمير (ملك المستقبل) كان قد أتم دراسته فى إيطاليا، حيث عاش فيها لفترة طويلة، وحصل أثناءها على ما يلى:
أقرأ أيضا: درس قاس من قضاة مصر لـ«الملك فاروق».. ماذا حدث؟
- فى روما، تخرج فى الجامعة وحصل على إجازة محاسب قانونى؛
- فى نابولى، حصل على دبلومة عقيد من مدرسة المدفعية، والأهم من ذلك، درجة أستاذ فى جماعة ذات تاريخ لا ينقطع والتى كانت تهتم بالطقوس المصرية التقليدية وتأسست فى نابولى وكانت تمارس أنشطتها منذ عام ١٧٢٨.
- فى تورينو، حل ضيفًا بشكل اعتيادى ومتكرر على جلالة الملك أمبرتو الأول وأصبح عضوًا فخريًا فى أكاديمية سافوى العسكرية؛
- مرة أخرى فى روما، تم تعيينه قائدًا للفوج 13 مدفعية؛ وفى الوقت نفسه ، تم منحه كذلك قلادة صليب فارس سافوى العسكرى.
ولذا فإننا لا يساورنا أى شك فى حبه لإيطاليا التى كان يتحدث لغتها بإتقان كامل، وقد دفع هذا الحب فؤاد إلى تأسيس الجامعة الإيطالية فى القاهرة، واستدعى اليها العديد من المحاضرين الإيطاليين ذوى الأسماء اللامعة مثل الأساتذة جويدى وميلونى ونيلّينو وسانتيلّى وغيرهم.
من الواضح أن فؤاد كان يهدف إلى أن ينشئ فى القاهرة مجموعة من اأهل الثقة الإيطاليينب الخاصة به شخصيًا، يستطيع الاعتماد عليهم بعيدًا عن القنوات الدبلوماسية: فهل يمكننا بذلك افتراض وجود صلة ما بـ اأجهزة مخابرات سريةب؟ إن هذا أكثر من محتمل، ويبرر ذلك أيضًا المهمة التى كلف بها إيمبيدوكلى بأن عيّنه كبطبيب القصر الملكىب، وقد تم ذلك بالفعل فى نهاية التسعينيات من القرن التاسع عشر.
وطبقًا لهذا االمنظورب، فإن الملك فؤاد كان ينوى أن يكون بجانبه أخصائيًا خبيرًا فى الطب: وعليه فقد تم تعيين إيمبيدوكلى تحت مسمى اطبيب العائلة المالكةب، مع الإقامة فى قصر عابدين: وحتى ذلك الحين لم يكن المستشفى فى الحسبان! فهل كان الأمر يتعلق بحدس داخلى شعر به فؤاد؟ فسوف يقوم إيمبيدوكلى بالفعل بإنقاذ حياته، بعد أن تدخل فى الوقت المناسب فى ذلك اليوم الذى شاء القدر أن يتعرض فيه للقتل.
ففى تلك الفترة، كان فؤاد يصارع فى ازواجه... الكارثىب ضد الأميرة شويكار هانم، وهى امرأة ورثت ثروة طائلة وكانت ذات دم ملكى، وسوف تقودها مغامراتها إلى ثلاث حالات طلاق مع أربعة أزواج متتاليين : وقد دفع الانفصال المحتوم شقيق شويكار، الأمير أحمد سيف الدين إبراهيم، لأن يحمل السلاح ويحاول قتل فؤاد بإطلاق رصاصة فى وجهه.
ويعتبر هذا الحادث، الذى كان من الممكن أن يكون قاتلاً بالنسبة له، هو امفتاح الثقةب التى شعر بها الملك تجاه إيمبيدوكلى، الذى قام بإجراء عملية جراحية له، واستخرج الرصاصة العالقة فى حلقه: وقد ظلت الندبة المتبقية فى وجه فؤاد تذكره بامتنانه له طوال حياته.
كل هذه الأحداث كانت قد وقعت قبل بناء المستشفى بوقت طويل. فهل كانت الصدفة (أى الكارما) هى التى نسجت خيوط تلك الحكاية بأكملها.
وبذلك فإن الكارما قد قدرت سلفًا عملية إنقاذ فؤاد الدراماتيكية، ومن ثم مشاعرالامتنان ، وأخيرًا مشروع المستشفى، تحت رعايته الشخصية! ... وهو ما يفسر كل شيء حدث بالفعل بما فى ذلك اسم المستشفى (أمبرتو الأول كان ما زال على قيد الحياة، وسيموت فى 19 يوليو 1900، فى مدينة مونزا: ولكن كل من فؤاد وإمبيدوكلى إتخذا قرار إنشاء المستشفى وبهو مازال حيًاب)... وهذا يفسر كذلك كيف أن التصميم المعمارى للمستشفى كان ابعيدًا كل البعد عن أى رؤية تنتمى للقرن التاسع عشرب: وقد أدرك الأصدقاء الذين قاموا بزيارة المستشفى بمناسبة عيد ميلادى التسعين (15/11/2019) أهمية المبنى الذى يتحدى إلى الآن عمره البالغ 120عامًا لاتساع مساحته وروعة أبعاده!
وقد شهد عام 1899 ميلاد مؤسسة اسيبب (الجمعية الخيرية الإيطالية)، وهى مؤسسة غير هادفة للربح، وجمعت تحت لوائها 50.000 إيطالى كانوا يعيشون فى مصر فى ذلك الوقت: يكونون جالية ثرية للغاية تتكون من ملاك المزارع والتجار، وطبقًا للائحة فإن الجمعية كانت تهدف فقط إلى القيام بالأعمال الخيرية الاجتماعية.
وهكذا بدأت ملحمة إيمبيدوكلى، الذى عهد إليه الملك بمشروع المستشفى ابمباركة سياديةب: وقد تبدو هذه الحكاية وكأنها قصة خيالية، ولكنها لم تكن أبدًا كذلك، حيث إن فؤاد كان قد وعده بأنه سيتدخل شخصيًا لتعويض أى اعجز مالىب محتمل من أجل تحقيق الأهداف المحددة بالكامل لإنجاز المشروع.
أما عن جمع التبرعات فقد كانت بحق عملية مثيرة للإعجاب، وتخطت جميع التوقعات، وكانت بمثابة امعجزةب ... فقد تم بناء المستشفى بالفعل فى أقل من عام واحد، على أرض تبلغ مساحتها 15 ألف متر مربع، تبرع بها القصر الملكى فى حى العباسية الأمر الذى مازال يشهد إلى اليوم على أهميته.
أما الدليل (والتأكيد الرسمى) على هذه االعلاقة المتميزةب التى ربطت حياة الملك فؤاد بأكملها بالملك أمبرتو الأول، فقد ظهرت بشكل رسمى كذلك فى (ديسمبر 1902) مع إطلاق اسم ملك إيطاليا (الذى كان قد وافاه الأجل) على المستشفى. وكما ذكرنا سابقًا، على الرغم من وفاته قبل عامين ونصف العام (يوليو 1900)، فقد أرادوا تكريم ذكراه، وجعلها غير قابلة للزوال فى مصر: وكان إيمبيدوكلى، الذى تم تعيينه مديرًا للمستشفى، هو المروج للمشروع (والمحرك، كما وصفته الصحف فى ذلك الوقت).
وقد قام فؤاد ومن بعده فاروق بحماية إيمبيدوكلى طوال حياته، ووصل الأمر إلى أن تم إعفاؤه من الاعتقال (العسكرى) أثناء الحرب: وليس ذلك فقط: بل إنه كان الإيطالى الوحيد فى مصر الذى كان يتجول بحرية بسيارته (وكانت سيارة بوجاتّى عتيقة!)...
ولم يكن هذا التمييز خاصا فقط بحظر التجول... بل تمكن أيضًا من تبرير إدخال الأسرى الإيطاليين فى المستشفى، فكانت تتم استضافتهم، تحت مسئوليته وبناء على مجرد توصية بسيطة منه، ليتم اترحيلهم من معسكرات الاعتقال العسكرية البريطانيةب.
فى تلك الأمسية من عام 1948، والتى كانت بمثابة نقطة تحول لى فى مرحلة شبابى، دعا إيمبيدوكلى اأهم شخصيات المجتمع الراقى فى القاهرةب إلى فيلته الخاصة، وأراد اتقديمب اابن أخيه الأسطورىب ويظهر لجميع أصدقائه الإنسان الذى يُخلِّد بفخر اسم ازوجة أخيه المفضلةب إوجينياب... وقد تلألأت الدموع فى عينيه وهو يقدم هديتها، اكنزها الصغيرب الذى يربو على مليون ليرة (من ليرات فترة ما قبل الحرب) فى صورة سندات الخزانة ... والتى كانت لا تزال فى ذلك الوقت تحتفظ بقيمتها الشرائية! ولكن القيمة الحقيقية كانت تكمن بالأحرى فى هذا االمشهد العظيمب الذى أثار شجون إيمبيدوكلى وجعله فخوراً أمام هذا الحضور المتميز من ازهرةب المجتمع الراقى فى القاهرة.
ويكفى أن نذكر منهم، بادئ ذى بدء، نيلسون موربورجو (1899-1978)، وكان زعيم مجموعة من الكتاب الإيطاليين (شعراء وسياسيين وفنانين) الذين أسسوا فى عام 1921 االحركة المستقبلية الإيطاليةب فى مصر، وفى تلك الأمسية، أهدى إلىّ أشهر كتاب قام بتأليفه: انار الأهراماتب.
ويُعتبر موربورجو بحق مؤسس الحركة المستقبلية الإيطالية، ووريث فيليبو تومّازو مارينيتى (المولود فى الإسكندرية عام 1877) الذى يحتل مجلده اسحر مصرب مكانة مرموقة فى مكتبتى ويعتبر حجر الزاوية فى فن وأدب الحركة المستقبلية.
كانت هذه هى حقبة السنوات الذهبية لتلك المجموعة من الفنانين اللامعين، الذين عبروا عن نشوتهم بمبادئهم الأدبية فى ابيان المرأة المستقبليةب ، الذى وقّعته فالنتينا فيرتشيلّى... وكانت هى أيضًا حاضرة فى ذلك المساء، وقد اعتنقت فالنتينا المسكينة الديانة الإسلامية تحت اسم روحية نور الدين (أى النور الروحى للدين)، وكانت بصحبة حبيبها العاشق ريتشوتّى كانوتو... (وعاشت فى القاهرة من عام 1924 وحتى وافتها المنية فى عام 1953)،... ودفنت فى فقر مدقع فى امقبرةب فى قرافة القاهرة!).
وقد قرأت لنا مقطعًا مؤثراً من البيان آنف الذكر أريد أن اقتبس منه ما يلى:
...االنساء ... هن إيرينيس، هن الأمازونيات، هن سميراميس وجان دارك وجوديث، هن شارلوت كورداى، هن كليوباترا وميسالينا، هن المحاربات اللائى يقاتلن بشراسة أكثر من الذكور، هن العاشقات المغريات، هن المدمرات اللاتى يعصفن بالضعفاء وييسرن الانتقاء من خلال الكبرياء واليأس، فاليأس هوالذى يمنح القلب أقصى طاقة ممكنة!ب...
وقد رد إيمبيدوكلى أمام جميع الضيوف بتقديم فقرة من مقدمة كتابها اصيرنوصب، الذى ناقشت فيه االاندماج بين الشرق والغرب، فهما الحضارتان العدوتان فيما بينهما أو غير المباليتين ببعضهما البعض، ولكن مصيرهما هو التلاقى والاندماجب... ويا لها من نبوءة!
لكن نجم تلك الاحتفالية اللامع كان صديق إيمبيدوكلى العظيم، محمد محمود خليل بك، وكان راعيًا للفنون ومن هواة جمع القطع الفنية وداعمًا للفنون الحديثة فى مصر، وكان أصغر منه فى السن بسنوات قليلة طبقًا لتاريخ الميلاد (1877 مقابل 1868).. وقد ساهم فى تأسيس بنك مصر.
وقام بتنظيم أول دورة من معرض الفن الدولى فى عام 1937 وكان مخصصًا لمصر بصفتها اأم الفنون والتقنيات التطبيقيةب وفى نفس العام وبصفته وزيرا للزراعة تم منحه وسام افارس الصليب الأكبر سان ماوريتسيو - إيطالياب.
وفى تلك الفترة، أنشأ محمود خليل الحركة الفرعونية القومية، وأطلق عليها اسم انهضة مصرب تيمنًا بـ(عصر النهضة) ومزج فى متحفه اموماكب (متحف الفن الحديث والآلات الحديثة) قطعًا من الفن المعاصر وآلات ذات تقنية حديثة وتطبيقية وخاصة اللوحات الفنية التى تنتمى إلى مذهب الانطباعية الفرنسية:
وقد تعددت فيه أسماء الفنانين امن مونيه إلى جوجان، ومن تولوز لوتريك إلى فان جوخ، ومن هنرى روسو إلى كوروتب وقد قام محمد محمود بإهدائه، عند وفاته، إلى زوجته الجميلة إميليان لوس، المغنية والراقصة الفرنسية، التى بعد أن فازت فى معركة قضائية طويلة، تمكنت من نقل ممتلكاته بالكامل فى متحف موماك الذى أنشأه فى القاهرة، فى القصر الذى عاشا فيه معا فى سعادة، ولا يزال يعتبر إلى اليوم أحد أجمل الأماكن فى القاهرة.
وعند الحديث عن لقائى مع محمود خليل، لا يسعنى إلا أن أذكر تلك الليلة الحاسمة فى 4 فبراير 1942 عندما دعاه الملك فاروق (وكان فى ذلك الوقت رئيسًا لمجلس الشيوخ) إلى تشكيل حكومة معارضة للإمبراطورية البريطانية ولحزب الوفد الذى يمثله حسين سرى باشا.
ولكن تدخل الدبابات البريطانية التى حاصرت بقيادة الجنرال روبرت ستون القصر الملكى فى عابدين لمدة ثلاثة عشر ساعة ابالتواطؤب مع السفير البريطانى مايلز لامبسون (الذى وصل به الأمر إلى أن هدد بإجبار فاروق على الاستقالة!)، أجهض ذلك المشروع الشجاع الذى كان من الممكن أن يغير مصير الحرب ... فى الوقت الذى كان فيه الجيش الإيطالى - الألمانى يبدو اعالقًا فى صحراءب العلمين ... وتلك هى أحداث التاريخ!
ولست أدرى ما إذا كانت اجمعية أصدقاء الجمالب التى أسسها خليل عام 1924 مازالت قائمة، ولكن على أى حال فإن حلم خليل فى االنهضة العربيةب مازال باقيًا بالتأكيد.. فمصر سوف تظل أبد الدهر قبل كل شىء وفوق الجميع ... سوف تظل باقية، لأنه، كما تقول قصيدة عربية من القرن الثالث عشر:
اكل الأشياء تخشى الزمن ولكن الزمن يخشى الأهرامات.. هل يمكن لهذه العبارة أن تكون اختامب كتابى؟
لا أعلم، ولا أعتقد ذلك، وآمل حقًا ألا يحدث ذلك، لأنه لا توجد نهاية فى االكارماب الخاصة بى... أنا أتمنى فقط أن هذا الفصل الخاص بى
لا يبدو كنهاية ولكن اكختامب لإنجاز لا يمكن أن تغرب شمسه: هذا الإنجاز هو المؤسسة الخيرية اسيبب، (بالاتحاد مع جمعيتنا التى تحمل نفس الاسم) التى توجت حياة إيمبيدوكلى وتحت هذا الاسم نمارس رسميًا أنشطتنا الخيرية فى مختلف البلدان.
ومن أجلها ومعها، اتحدت عائلتا بينيديتّى - جاليو، ومازالت تواصل المعركة التى بدأها جدنا فينشينزو جاليو فى القرن الثامن عشر، نحو أهداف جديدة ودائمًا وأبدًا نحو أهداف أعظم.