سامح إدور سعدالله يكتب عن: القصر العتيق

القصر العتيق
القصر العتيق

تمر الأوقات سريعة نهارا، بطيئة ليلاً، إعصار كل ليل يضرب هذا القصر العتيق الذى كان يملكه رجل حكيم يحب المعرفة ويرفض الجهل، القابع عند أطراف القرية البائسة، يختفى داخل هذا البيت أشباح كثيرة.

تخرج كل ليلة لترهب أهل القرية البسطاء.. فشلت كل محاولاتهم فى هزيمة هذا الشر داخل هذا القصر العتيق.. من يجرؤ أن يمضى أو يعبر بجوار هذا المنزل ليلا أو نهارًا، صوت الأشباح عال جدًا يصدر صريرًا قوياً والأصعب من ذلك هى ليالى الشتاء الباردة الطويلة، تصرخ الأشباح بقوة فترجف لها الأشجار والنخيل وتفزع لها الدواب والماشية. هكذا كان تفكيرهم بخصوص هذا القصر، وكانت آخر ذكرياتهم لهذا القصر، حين قُتل صاحب القصر وطردت زوجته وابنه الصغير خارج القرية.

استعان أهل القرية بكل الشيوخ ذات الصيت الكبير وفشلت فى إخماد ثورة الأشباح.

أشار البعض أن يهاجموا البيت ويحرقوه بالكامل، حتى ينهار البيت وتحترق الأشباح داخله.

وبالفعل ذهب إلى القرية الأقوياء لحرق البيت حاملين البنزين وأشعلوا النار فى أركان البيت.

وعلت ألسنة النار تلتهم البيت.. فى دقائق معدودة رجع الشباب للخلف ليشاهدوا ماذا يحدث؟ ألسنة النار قوية والشمس حارقة ولم تمر دقائق حتى انطفأت النار بفعل الماء ولكن من أين جاء الماء لا يعرفون رغم أنهم يراقبون الحدث عن قرب، ولا حل مع هذه الأشباح.

وذات يوم مر رجل غريب عن بلدتهم، وأخبرهم عن قصة هذا البيت وعرض عليهم المساعدة فى حرق هذه الأشباح مقابل، أن يسكن فى هذا البيت بعد تطهيره وبالفعل وافق الطرفان على هذا الشرط على أن يكون البيت مقابل السلام والهدوء وراحة البال. وطلب بعض الطلبات من بخور وأقمشة ومال لصنع التمائم والسحر.

وعلى الفور جاءت كل الأغراض، وفى اليوم الثانى طلب خبزا وسمكا ولحوم.

وفى اليوم الثالث والرابع طلب ذهبا وفضة.

وفى اليوم الخامس والسادس طلب زبدا ودقيقا وسكرا وملح.

وأخيرا فى اليوم السابع طلب منهم أن يمكثوا فى بيوتهم ولا يخرج أحد من داره أبدا ليومين كاملين، وبالفعل حدث ما قاله بالحرف الواحد، وفى الموعد المحدد خرج لهم يصيح بأعلى صوته: طردتهم طردتهم، وكان ممزق الثياب مغبر الوجه، نزل إليه الأهالى يستطلعون الأمر بشرهم بطرد الأشباح.

وأخذ الغريب البيت ولم يعد يسمع صراخ الأشباح ولا عواصف ولا خوف بعد الآن.

تمر الأيام طويلة ويحل موسم الربيع من جديد ويأتى شهر أمشير وتهب الرياح شديدة على جميع أنحاء القرية البريئة، ولم تجد الرياح هذه المرة مصدات الرياح القديمة ولا طاحونة الهواء ولا آلات الرصد التى كان يمتلكها الحكيم قديمًا. التى كانت أعلى القصر القديم لتعبر الرياح بهدوء دون إصدار ضجيجها المعهود.