عبدالنبي النديم يكتب: أنا والحكومة ..ومصروف البيت

عبدالنبي النديم
عبدالنبي النديم

سيطرة شبه كاملة.. تمارسها ست الكل ونوارة البيت على العبد الغلبان، «وأحدد شبه كاملة»،  فقد تركت الباب موارب فى بعض الأمور الشخصية التي لن تؤثر سلبا أو إيجابا على النظام والترتيب، الذي وضعت قواعد مجده منذ زمن طويل، فأنا مثلا استطيع بكل حرية انتقاء أى جوز شربات من الدرج بكامل إرادتي وحريتى لأرتديهم، كما يمكنني الخروج من البيت دون تحديد موعد العودة، احتراما لظروف العمل لوقت متأخر من الليل.. كما أنني صاحب القرار في بعض الأمور الهامة والضرورية بالسؤال التقليدي.. هتتغدوا إيه النهاردة؟ 
فأشعر بالزهو وأعدل من ياقة قميصي، وأنظر إليها.. كل حاجة من إيديكي حلوة، بس حاولي إيديكي متلمسش الأكل علشان عندي السكر. 
أشعر بهمهمات غير مفهومة، ولكن أجيد تفسيرها في مثل هذه المواقف، ولا أسمع منها غير كلمة واحدة.. طيب!! 
أما القرارات المصيرية، فلها إجراءات وطقوس مختلفة، وضوابط صارمة تحكمها، حاربت كثيرًا من أجل كسر جمود المفاوضات بنتائجها الدائمة في اتجاه واحد، ولكن ذهبت أدراج الرياح كل محاولاتي، فقد فرضت حكومتي سيطرتها الكاملة على كل مفاصل البيت، وأصحبت رهين القرارات التي أعترف أنها تصب في مصلحتي ومصلحة كل أفراد البيت.
وكأن مؤسستي التى أعمل بها قد قامت بمساعدة الحكومة في البيت، فى الإمعان في فرض كامل السيطرة، وبدلاً من قبض الراتب الشهري من خزينة المؤسسة وأقول لعم سيد كل شهر وأنت طيب، فؤجئت بتسليمي كارت الفيزا، لتحويل الراتب ومستحقاتي الشهرية والقبض من خلاله، لتسقط الفيزا في يد حكومتي، فليس هناك بعد اليوم خنصرة أو فكة أو إتزنقت فى قرشين خدتهم، بفرض سياسة الأمر الواقع عليها.
أتحاشى تلك النظرات التى ترمقني بها، وأشعر بنفير يخرج من أنفها تحاول السيطرة عليه، وأشيح بوجهي بعيدا عنها وأرمى بجسدى متصنعا الإنهاك إلى أقرب كرسي، محاولاً الهروب بما حصلت عليه من فكة من الراتب الشهري، رغم أن الفكة هذه لن تكفي يومين فقط، وأن زادت ثلاثة أيام، شاي وقهوة من البوفية، أما إذا أضطرتك الظروف، وجنحت على القهوة مع أحد الأصدقاء فالعوض على الله.. 
وأنا في قمة نشوتي متمتعا بلذة الإنتصار واقتناص الفكة، يدخل إبني يرسل من بعيد ابتسامة أفهم معناها جيدا، إيه يا حج الأخبار؟ 
أحاول أن أتصنع الجهل بأغراضه التي تفضحها عيونه، ونظرة التحدي التى أعلنها.. 
أخبار إيه؟ قصدك الجرنال اللى بشتغل فيه؟ 
قال لى لا.. الجرنال اللى بتقبض منه.. 
أقوله إسأل الحكومة.. أنا يا دوب وزير مالية، بجيب الفلوس والحكومة هى اللى بتوزعها.. 
ولأني متأكد أنه لا بد من دفع الضريبة لإبني لجاحة في نفسي، غمزت له بعينى، فأرسل ابتسامة صفراء، وتحول إلى الطرف الآخر من الحوار، يا تري فلوس الدروس معمول حسابها في الميزانية يا حكومة؟ ولا هنعمل قروض من عمي وخالتي؟ 
أحاول أن أزرع فتيل الشقاق والفتنة بين الحاجة وإبني المسيطر على كل الأمور، محاولا دق أسفين بين الأثنين، قائلاً: عيب يا ولد من أمتى ماما مش عامله حسابك إنت بالذات،، هو أحنا ورانا غيرك، دا كل فلوسنا ضايعة عليك؟ 
ويبدو أن الأسفين ضل طريقه، وتوجهت الحكومة تلقائي، واتخذت وضع الهجوم، واضعة يدها فى خصرها، ونسيت آلآم العظام التي تشتكي منها، فلوس ؟؟!.. إنت بتسمي دى فلوس!! يآخى دا إحنا ماقضينها مراجيح، دا المرتب بتاعك إتوزع قبل ما يجيى باللى خنصرته، هو إنت مش عارف كليو اللحمة بقى بكام.. كليو الفراخ بقى بكام.. كليو الطماطم والبطاطس والبدنجان وغيره وغيره بقى بكام؟؟!! 
هو إنت بتسمى دى فلوس؟ 
عرفت إن الأمور في طريقها للخروج عن السيطرة، فتقمصت مسرعا دور الواعظ أقاطعها، إن شاء الله بكرة تفرج وتبقى زى الفل، ومصير الدولار ينزل والجنيه يشوفله يومين، وترجع أيام الزهزه، أيام ما كنا بنحوش ونعمل جمعيات من المرتب، وإن شاء الله بكرة شغلانة الصحافة اللى مش عجباكي دي ترجع زى زمان سلطة رابعة ونركب المترو والأتوبيس ببلاش.. 
أحسست أنى أقف أمام فوهة بركان على وشك الإنفجار، ألتفت يمينا ويسارا بعيون زائغة وعقل مشوش، أدرس أرض المعركة، لأجد ساترا قويا فى حالة الهجوم.. 
وجاء الفرج من حيث لا أحتسب، ليربت إبني على كتف الحكومة، قائلا لها.. يا حجة إنت حاطة إيه على البوتاحاز؟ 
لتنسحب مسرعة وصارخة في إتجاة المطبخ تتمتم بكلمات كل ما فهمته منها أنها تعبر عن السخط والضجر والعيشة واللى عايشنها.. 
أتنفس الصعداء وأترك الحرية لدفعة قوية من الشهيق تقتحم صدرى، مخلوطة برائحة المسقعة التى كادت أن تحترق وتضيع علينا وجبة الغذاء.. أفيق من حديثي مع نفسي بصوت إبني.. إحم  ..  إحم
أنظر إليه مبتسما.. أكرمش ورقة بخمسين جنيه، واضعا إيها في يده، فينظر إليها مرسلا نظرة أعرف معناها جيدا، فأقول له دون أن ينطق.. مشي حالك بيها وربنا هيفرجها إن شاء الله.