جلال عارف يكتب: ترشيد الاستهلاك.. أم تصحيح السياسات؟!

جلال عارف
جلال عارف

قرارات الحكومة الأخيرة بترشيد استهلاك الكهرباء لتوفير ١٥٪ من كميات الغاز الطبيعى المستخدمة، تضيف لميزانية الدولة أكثر من خمسة مليارات دولار وبتصديرها للخارج فى ظل الأسعار العالمية المرتفعة، يستلزم هذا بالطبع أن تراعى الإجراءات كل احتياجات المنشآت السياحية، وأن تحافظ على توفير ما تحتاجه صناعة السياحة، وأن يقتصر الأمر على الاستغناء عن الإضاءة الإضافية دون أن يسود الظلام الشوارع والميادين وهو ما تفرضه احتياجات الأمن والأمان، وما يستوجبه الحفاظ على جمال الليل واستثماره اقتصاديًا وسياحيًا لأقصى حد.

ترشيد استهلاك الكهرباء لا ينبغى أن يكون قرارًا استثنائيا، وإنما ينبغى أن يكون جزءا من سياسة عامة نحتاجها بشدة.. كدولة وكأفراد. ترشيد الإنفاق لابد أن يكون سلوكًا دائمًا وليس فقط فى أوقات الأزمة.

فمنذ أن وقعنا فى فخ النهم الاستهلاكى الذى ابتلانا به الانفتاح السبهللى قبل خمسين عامًا، ونحن نبدد إمكانيات النهوض ونترك سماسرة الاستيراد يضربون الصناعة الوطنية، ويزرعون الفراولة بدل القمح، ويبنون المنتجعات بدل المصانع، ويروجون لسياسات لا تقود إلا لفخ الديون المسموم!!

لا ينبغى أن نقف فقط عند ترشيد استهلاك الغاز والكهرباء رغم فوائده الكبيرة. المطلوب- وبلا تأخير- أن يكون ترشيد الإنفاق سياسة عامة، وأن يكون ذلك جزءًا أساسيًا فى خطة الدولة وفى سلوك كل المواطنين. والمطلوب أكثر أن يرتبط ذلك بهدف أساسى يعيد ترتيب الأولويات، ويضع الصناعة الوطنية فى مركز الصدارة.

ترشيد الإنفاق والحد من الاستهلاك هدف قد تكون الكهرباء والغاز نقطة بداية، لكنه لابد أن يتجاوز ذلك بكثير.. على مستوى الدولة، لابد أن يشمل ذلك إنهاء كل مظاهر الإسراف الحكومي، وأن يمضى فى سياسة الحد من الاستيراد «خاصة من السلع الكمالية» مع ضمان توفير مستلزمات الإنتاج لمصانعنا، وفتح كل الأبواب أمام الاستثمار فى الصناعة بدلاً من المضاربة فى الأراضى والعقارات!!

وترشيد الإنفاق والاستهلاك يعنى- بالنسبة لكل مواطن- أن يتحمل الجميع مسئوليتهم، وأن يدركوا أن الإنتاج «وليس الاستهلاك أو السمسرة»، هو طريق التقدم، وأن السفه فى الاستهلاك ليس دليلاً على ثراء مادى أو أخلاقي، وأن استفزاز البعض للمجتمع الذى صنع ثروتهم ليس تصرف العقلاء، وأن خلق فرصة عمل جديدة أقرب عند الله من أن تؤدى العمرة للمرة العشرين «!!»

نحن لا ننشر الظلام، وإنما نفعل ما يفعله العقلاء فى العالم كله. نحن نسعى لتعظيم الاستفادة مما نملك فى هذه الأوقات الصعبة. لكن الأهم أن يكون توفير المزيد من الغاز للتصدير مجرد بداية لترشيد عام فى الاستهلاك، ولدعم الحد من الاستيراد، ولأن يذهب كل ما نستطيع توفيره إلى التصنيع الذى أهملناه طويلاً!!