بين حافة الهاوية والاحتواء والحرب بالوكالة.. واشنطن تلعب بالنار

أمريكا تستنزف روسيا وأوروبا فى أوكرانيا
أمريكا تستنزف روسيا وأوروبا فى أوكرانيا

كتب: خالد حمزة

ما الذى تفعله أمريكا بالعالم؟.. إنها تشعل الحرائق الواحدة تلو الأخرى، تحريض لأوكرانيا وتشجيعها لطلب الانضمام للناتو، وفرضها على أوروبا كلها واقعاً ليتعاملوا معه ويدفعوا ثمنه، وهو موقف الصدام مع روسيا بشكل مباشر، والحرب نيابة عنهم، وبتحريض كوريا الجنوبية واليابان وتايوان وإندونيسيا والفلبين وغيرهم لمواجهة الصين ولإشعال شرق الكرة الأرضية بعد أن أشعلت أوروبا، واللعب بورقة تايوان، ناهيك عن حربها مرة بالاحتواء «ومرة أخرى بالوكالة».

 

أمريكا صنعت الأفغان العرب واستخدمتهم فى حربها ضد الإرهاب ثم انقلبت عليهم

بدايــــة مـــــن صنعهــــا للأفغــــان العـــرب، واستخدامهم فـــــــى حـــربها المزعـــــومة ضــد الإرهاب؟ قبل أن تنقلب عليهم وتصفيهم واحدا تلو الآخر، وآخرهم زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى، ومن قبلهما بحافة الهاوية، وهى سياسة أمريكية راسخة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، يصفها البعض باللعب بالنار، التى قد تجر العالم كله لحرب عالمية ثالثة لن يأمن أحد عقباها.  

 

ومنذ عقود تتبع أمريكا فى سياستها الخارجية ما يعرف بسياسة حافة الهاوية، وبرز المصطلح فى الولاية الأولى للرئيس الأسبق دوايت أيزنهاور، بالتزامن مع نضوج صراعات النفوذ فى العلاقات الدولية، ومع بدايات الحرب الباردة، وينسب إلى وزير خارجيته جون فوستر دالاس ترجمة المصطلح بالتزامن مع اندلاع الحرب الكورية.  

 

دالاس أرسى سياسة حافة الهاوية لإشعال الحرائق دون تدخل 

وعرّف دالاس سياسته بأمريكا الجديدة حينها، بامتلاك  القدرة على الوصول إلى حافة الهاوية دون الدخول فى الحرب.  
وجاء التحوّل فى سياسة تصعيد واشنطن مع الرئيس الأسبق رونالد ريجان، الذى أطلق العنان لسباق التسلح بين الطرفين، بإعلانه مبادرة الدفاع الاستراتيجى أو حرب النجوم، وإدخال أسلحة استراتيجية جديدة إلى الترسانة الأمريكية لاستعداء محور الشر كما أسماه، ثم جدد الأمر  الرئيس دونالد ترامب، وتصعيده حدة الأزمة مع كوريا الشمالية مهدداً باستخدام السلاح النووى ضدها، وتميّزت ولايته بإعلاء شعار أمريكا أولاً.  

إقرأ أيضًا

الديهي: «الظواهري» كان يرى بأن تحرير بيت المقدس يبدأ بتدمير مصر وسوريا

أما وجهة الإدارة الحالية فى عهد الرئيس بايدن، كما تقول صحيفة نيويورك تايمز، فهى الحفاظ على النظام القائم على قواعد تشكل الصين تحدياً له، وتهديدا مباشرا لهيبة أمريكا، وتلك القواعد التى أرست بالمقام الأول علاقة عاصمتى العملاقين واشنطن وموسكو، أسهمت فى عدم انجرارهما إلى اشتباكات مباشرة ودخول عصر ما بعد الحرب الباردة، وأقرب مثال لذلك هو الحرب الأوكرانية، فعندما بدأت الحرب اتبعت أمريكا الحرب بالوكالة فى أوكرانيا، وحرص بايدن على الالتزام بتقديم المساعدات المالية والأسلحة غير الثقيلة، ثم أرسلت أسلحة أكثر تقدما مع حصار محكم  لروسيا بسلاح العقوبات، وكانت أغلب الأسلحة التى أرسلتها أمريكا والغرب أسلحة دفاعية، هدفها إطالة أمد الحرب لإضعاف روسيا.  

 

إضعاف روسيا لم يقتصر على الناحية العسكرية فقط، وإنما الناحية الاقتصادية أيضاً بمجموعة من الإجراءات العقابية التى وُصفت بأنها العقوبات الأكبر فى التاريخ، وهنا تقول مجلة الإيكونوميست البريطانية، إن الاستراتيجيين يُعيدون تعلّم دروس الحرب الباردة، وأمريكا تعود لسياسة الاحتواء للتعامل مع روسيا، وهى إبقاء المنافس مشغولًا بتحديات داخل جغرافيته حتى لا يحقق أى هيمنة إقليمية ولضمان بقاء أمريكا القوة الأكبر والأوحد المسيطرة على العالم، وهى سياسة خارجية استراتيجية تتبعها أمريكا لوصف الاحتواء الجيوسياسى للاتحاد السوفيتى فى الأربعينيات من القرن الماضى، ولمنع انتشار الشيوعية بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.  

 

ويمثل الاحتواء موقفًا وسطًا بين الانفراج (الاسترخاء فى العلاقات) والتراجع (استبدال نظام بشكل فعال)، ولاحقا وضعت إدارة الرئيس الأمريكى بيل كلينتون سياسة الاحتواء المزدوج موضع التنفيذ، تجاه العراق وإيران لمنعهما من أى عمل يعرض مصالح أمريكا للخطر، بديلا عن سياسة توازن القوى بينهما التى كانت السياسة الرئيسية للإدارات الأمريكية السابقة.  

 

ويأتى توسيع شبكة التحالفات، كتطوير لسياسة الاحتواء من أجل تشتيت الصين، وبالمقابل تخشى الصين تجنيد أمريكا لحلفائها فى الإقليم، وكما تشير الإيكونوميست، هناك فريقان فى السياسة الأمريكية فى التعامل مع الصين، الفريق الأول مع سياسة التحرر الاقتصادى مع الصين، والفريق الآخر ضد هذه السياسة، ويسعى كلا الفريقين فى الإدارة الأمريكية إلى احتواء الصين بطرق مختلفة.

حروب الوكالة الأمريكية بدأت بأفغانستان ومستمرة فى أوكرانيا وتهدد تايوان  

واستخدمت أمريكا بجدارة الحرب بالوكالة، وهى حرب تنشأ عــندما تستخــدم القــوى المتحاربة أطرافا أخرى للقتال بدلا عنها بشكل مباشر، أطرافا أخرى دون اللجوء إلى حرب شاملة، وقد بدأتها فى تجنيد الأفغان العرب ضد الغزو الروسى لأفغانستان فى ثمانينيات القرن الماضى، الذين استخدمتهم بعد ذلك، كذريعة فى حربها ضد الإرهاب حول العالم، وتعتبر الحرب الأهلية فى أفغانستان فى فترة الثمانينيات خير مثال على بشاعة الحرب بالوكالة، إذ سلحت أمريكا ودربت ودعمت ما أسمتهم بـ«المجاهدين» لقتال حلفاء الاتحاد السوفيتى على الأراضى الأفغانية، وأمدتهم بأحدث أنواع المضادات الأرضية ستينجر، مما أدى إلى تكبد الجيش الروسى خسائر بالآلاف وهزيمته، ومن ثم انسحابه من أفغانستان.

 

واسـتخدمت أمريكا العامل الدينى فى تنشيط وكلائها المتحاربين فى أفغانستان، فقد أطلقت عليهم لقب «المجاهدون»، وساعدت  على انتشار المصطلح بشكل واسع فى وسائلها الدعائية، بما يحمله من رمزية دينية، مما حول الصراع السياسى بين الاتحاد السوفيتى وبينها هناك إلى صراع دينى ضد الاتحاد السوفيتى، وجذب الصراع الأفغانى الآلاف من المواطنين العرب، وجرى تسفيرهم بتنسيق المخابرات الأمريكية إلى أفغانستان، ليحسموا الحرب بين السوفييت وأمريكا لصالح الأخيرة.

 

وبعد الانتصار الأمريكى على السوفييت، وإعلان جورباتشوف سحب قوات بلاده من أفغانستان، قررت أمريكا مغادرة المنطقة، تاركة الحلفاء المجاهدين الإسلاميين يتصارعون ويقتتلون، وتحولت أفغانستان إلى دولة فاشلة، وأصبحت مستنقعا للتنظيمات الإرهابية مثل: القاعدة وطالبان؛ ثم عادت لتقصف وكلاءها «المجاهدين»، بعد عشر سنوات من الدعم ، وتحتل أفغانستان وتنصّب فيها حكومة جديدة.   

 

ولكن القصة لم تنته عند ذلك الحد.. فقد استغلت أمريكا القاعدة وأخواتها وزعماءهم، بداية من بن لادن وحتى أيمن الظواهرى فى حربها ضد الإرهاب، وكما تقول صحيفة الإندبندنت البريطانية، بدأت أمريكا فى تصفية زعماء القاعدة واحدا تلو الآخر، وبدأت بأسامة بن لادن وحتى الظواهرى، وبينهما البغدادى والزرقاوى زعيما داعش، واستغلت تلك العمليات قبل الانتخابات لزيادة شعبية الرؤساء الأمريكيين، وأبرزهم ترامب وبايدن، ونفس الشىء استخدمته أمريكا فى تجنيد الأكراد فى سوريا والعراق، للحرب بالوكالة ضد الإيرانيين والروس هناك ، ثم فى حرب الوكالة فى أوكرانيا، والآن كما يتوقع بشكل أو بآخر فى تايوان.  

أمريكا تستنزف روسيا وأوروبا فى الحرب الأوكرانية

ورغم كل تلك الأساليب الأمريكية باللعب بالنار، كما تصفه صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، وتصاعد الأزمات حول أوكرانيا وتايوان وغيرهما فإن ذلك مهد الطريق لعلاقة غير مسبوقة بين الرئيس الروسى ونظيره الصينى كأكبر خصمين لأمريكا، وحسب مجلة نيوزويك الأمريكية، فإن أمريكا غير مستعدة لشن حرب من أجل أوكرانيا، ولا من أجل تايوان، وبالتالى فإن أى تحالف جديد بين الصين وروسيا سيمثل استنزافًا حقيقيا لواشنطن، وبدلاً من عرقلة صعود الصين، ساعد بوتين فى الدفع به بقوة للأمام، من خلال تعزيز التجارة وبيع الأسلحة والنفط والغاز، ومنذ وصول الرئيس الصينى للسلطة ارتفعت الاستثمارات الصينية فى روسيا بصورة متسارعة، وحسب الإيكونوميست، فإن تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين الصين وروسيا،  فرصة لعرقلة محاولة واشنطن أن تظل القطب الأوحد للعالم.