أفضل احتفال به ووفاء له أن نحافظ عليه.. ومازال النيل يفيض ويجرى

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كتبت: علا نافع

«فليحيا الإله الكامل، الذى فى الأمواه، إنه غذاء مصر وطعامها ومئونتها، إنه يسمح لكل امرئ أن يحيا، الوفرة على طريقه، والغذاء على أصابعه، وعندما يعود يفرح البشر، كل البشر».. كانت تلك الترنيمة واحدة من الترانيم التى تغنى بها المصريون القدماء فى حب النيل فقد كان إلههم الكريم «حعبى» الذى لا يبخل عليهم بالخير والجود خاصة فى أيام الفيضان، فتغمر الأرض السوداء وتبذر الحبوب، وتتحول الأرض الجرداء لجنة خصيبة، كما استغلوا مياهه الوفيرة فى صيد الأسماك وأنشأوا القوارب والسفن الضخمة التى جابوا بها البلاد الواسعة قبل أن يعرفها العالم.

كان المصريون القدماء ينتظرون أشهر الفيضان بشغف وترقب حتى أنهم يقدمون له القرابين إن تأخر موعده فانحسار مياهه يعنى انتشار الأوبئة وزيادة الوفيات، ويعم الخراب فى نواحى البلاد، أما بقدومه والذى كانت تتراوح مدته بين تسعين ومئة يوم فتقام الاحتفالات الضخمة والطقوس الدينية سواء قرب كهف «حعبى» بأسوان وبيت «حعبى» بالقاهرة، وتقذف الحيوانات الضخمة وتماثيل الإناث والفاكهة كى تعزِّز قوة الفيضان وعذوبة المياه وهو ما عُرف ولا يزال بـ«عيد وفاء النيل».

الحكومة تقف بالمرصاد للمتعدين على النيل.. والتوعية مهمة

وظل المصريون يحتفلون بذلك العيد فى يوم 15 أغسطس سنويا وهو ذروة الفيضان، فضلًا عن حمايته من التلوث بكافة أشكاله وهو ما حرصوا على توريثه لأبنائهم وأحفادهم، وفى وقتنا الحالى بات الاهتمام بحمايته من التعديات المختلفة من أهم أولويات الحكومة بعد أن طاله الفساد والتعدى عقب ثورة يناير، حتى أن وزارة الرى والموارد المائية خصصت قطاعًا كاملًا لتلك المهمة وهو قطاع حماية النيل وأصدرت توجيهاتها بإحالة مرتكبى التعديات إلى النيابة العسكرية مع اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة للحفاظ على نهر النيل وفرعيه.

كما تضافرت جهود عدة وزارات لوضع خطة طوارئ وطنية لمواجهة التلوث وذلك بالتعاون مع وزارة البيئة وهى الخطة الوطنية للحفاظ على النيل من التلوث التى نالت موافقة الرئيس عبدالفتاح السيسى وأصدر تكليفاته بتطبيقها على الفور.

ولم تتوقف الجهود عند هذا الحد بل آمنت الحكومة بأن تبطين الترع والمصارف يقلل من هدر المياه ويضمن وصولها إلى الأراضى البعيدة دون عوائق، إضافة إلى تحسين البيئة المحيطة بتلك الترع مما يمنح الأراضى خصوبة وقوة، ناهيك عن مظهرها الجمالى الذى يجعلها أشبه بالعروس فى حلتها البيضاء، وبالطبع فإن تلك الجهود واحدة من الحلول لمواجهة انخفاض نصيب الفرد فى مصر من المياه.

فى واحدة من الأراضى الزراعية بالقليوبية وقف محمود بيومى ملقيًا نظرة على أرضه الواسعة بعد ريها، وغمر الماء كافة زواياها وثناياها، فمنذ عدة أعوام لم تكن مياه الرى تصل إليها بسهولة بسبب بعدها عن مرمى الترعة، لكن بعد تبطين وتغطية الترعة قلت نسبة ترشح وتبخر الماء ناهيك عن تنظيفها من الملوثات المتراكمة.

مشروع قومى يوفر المياه المهدرة ويقلل من تراكم الحشائش

يقول بيومى: منذ تنفيذ المشروع القومى لتبطين الترع كأحد أوجه تحقيق عدالة التوزيع بين الأراضى الزراعية حتى لاحظنا آثاره الإيجابية، فالمياه باتت تصل للأراضى البعيدة دون عوائق كما قل نمو ورد النيل على أسطح الترعة بالإضافة لعودة أنشطة الصيد مرة أخرى فى الترع الكبرى إذ زادت الثروة السمكية ونمت الزريعة الصغيرة بأمان.

كما أن التبطين أضفى على الترع مظهرًا جماليًا، ما جعلها وجهة للباحثين عن الراحة والاستجمام خاصة فى أوقات العصارى، فيلتفون حولها ويتبادلون الأحاديث، مؤكدًا أن حوادث نفوق الحيوانات ووقوعها داخل الترع قل بنسبة كبيرة.

ويتفق معه محسن السقا: ساعد تبطين الترع على حمايتنا من غزو الحشرات والقوارض خاصة أننا نقطن بجانبها، كما رفع كفاءة الرى فى الحقول البعيدة والتى كان الفلاحون يستخدمون المياه الجوفية لريها مما وفر عليهم أموالًا عديدة، مشيرًا إلى أن هذا المشروع ساهم فى تقليل إلقاء المخلفات والنفايات وهى من أسباب انتشار الناموس والبلهارسيا.

أما عبد الله نوح مستثمر زراعى فيرى أن الحكومة تسير بخطوات ثابتة نحو حماية النيل والحفاظ عليه وذلك من خلال محاسبة المعتدين عليه أو تنظيفه من الحشائش وورد النيل وأخيرًا مشروع التبطين الذى أتى بثماره علينا فباتت المياه تصل لنهايات الترع بسهولة وزاد المحصول المنتج خاصة فى المساحات الواسعة المعتمدة على الصوب الزراعية.

ومن ناحية أخرى استمرت حملات إزالة التعديات على النيل وترعه الكبرى فى كافة المحافظات سواء الكافيهات وقاعات الأفراح أو حتى المبانى تحت الإنشاء بالإضافة إلى رفع الوعى البيئى لدى المواطنين من خلال تنظيم الندوات التوعوية لطلاب المدارس والجامعات لتقديس نهر النيل باعتباره شريان الحياة.

يقول المهندس علاء خالد رئيس قطاع تطوير وحماية نهر النيل: تقف الدولة حاليًا ممثلة فى وزارة الرى على قدم وساق لتنفيذ العديد من المشروعات التى تأتى فى إطار الحفاظ على النيل وحماية جوانبه من التآكل والنحر مع مواجهة كافة التعديات على المجرى المائى للنهر وجسوره بدءًا من أسوان حتى البحر المتوسط.

إقرأ أيضًا

أحمد موسى: أراضي جزيرة الوراق مملوكة للدولة وطرح عدد من البدائل على الأهالي

ويضيف: ولا تتوقف الجهود عند هذا الحد بل قامت الوزارة أيضًا بعملية تطهير النيل من الحشائش وورد النيل بميزانية وصلت إلى 28 مليون جنيه فضلًا عن تطوير وتجميل واجهات النيل والمعروفة بعملية تطوير كورنيش النيل مؤكدًا أن القطاع نجح فى إزالة أكثر من 50 ألف حالة تعدٍ منذ انطلاق الحملة فى يناير 2015 حتى الآن وذلك بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والوزارات المختلفة.

أما المهندس محمود السعدى مستشار وزير الرى والمشرف على مشروع تأهيل الترع فيقول: هناك خطة قومية وضعتها الحكومة لحماية النيل والحفاظ عليه من التلوث وقد بدأت فى عام 2015 تحت شعار» عام إنقاذ النيل» والتى شاركت فى تنفيذها 34 وزارة إضافة إلى إنقاذه من التعديات التى زادت عقب ثورة يناير، مؤكدًا تغليظ عقوبات التعدى والتى تصل إلى الحبس عدة أعوام ناهيك عن عمليات تطوير كورنيش النيل والتى بدأت فى معظم المحافظات.

وعن تبطين الترع يتابع قائلًا: بدأ المشروع القومى لتبطين الترع بعد توجيهات الرئيس فى 2020 كأحد محاور ترشيد استخدام الموارد المائية التابعة للخطة القومية للموارد المائية 2037 وبهدف تقليل فاقد المياه بنسبة 40%، ويهدف المشروع إلى وصول المياه لنهايات الترع لزيادة إنتاجية الفدان الواحد مع تقليل تكلفة الصيانة وإزالة الحشائش الضارة مشيرًا إلى أنه أحد نظم الرى الحديث لترشيد المياه فى ظل الشح المائى الذى تعانى منه مصر.

ويرى السعدى أن خير احتفال بعيد الفيضان أو وفاء النيل يكون من خلال المحافظة عليه من التلوث وإلقاء المخلفات بكافة أنواعها مع توعية الأجيال والنشء بأهمية ذلك وهو ما تقوم به الوزارة بالتعاون مع وزارة التعليم والأوقاف، ناهيك عن التعديات المختلفة والتى تقلل من مساحته وتزيد من احتمالية تآكل ونحر جوانبه.

وفى نفس السياق، أوضح الدكتور محمد عبد العاطى وزير الموارد المائية والري، أن أجهزة الوزارة تقوم بالمتابعة اللحظية لمعدلات سقوط الأمطار بمنابع النيل، والحالة الهيدرولوجية للنهر، وتحديد كميات المياه الواصلة لبحيرة السد العالي، وقد تبين أن الأمطار أعلى من المعدل على حوضى نهر عطبرة والنيل الأزرق فى بداية مبشرة لشهر أغسطس، وأوضح عبد العاطى أن الوزارة لا تألو جهداً فى اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتوفير كافة الاحتياجات المائية للمنتفعين، مشيراً إلى أن كافة المشروعات التى تقوم بها الوزارة تهدف لخدمة المزارعين فى المقام الأول، وأن الوزارة تعمل على إدارة فترة أقصى الاحتياجات الحالية بأعلى درجة من الكفاءة، وبما يسمح لمنظومة الموارد المائية بتلبية الاحتياجات المائية للموسم الزراعى الحالى ولكافة الاستخدامات الأخرى، واستعرض الوزير الموقف المائى بمختلف المحافظات، وجاهزية إدارات الرى والصرف والميكانيكا بالمحافظات المختلفة، لضمان قدرة شبكة المجارى المائية على توفير الاحتياجات المائية لكافة المنتفعين، وجاهزية محطات الرفع بمختلف المحافظات لضمان المناسيب الآمنة للترع والمصارف.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي

 
 

 
 
 

ترشيحاتنا