يوميات الأخبار

قبل التنسيق

علاء عبدالهادى
علاء عبدالهادى

صناعة النشر كلها فى خطر، وأخطر ما فى الأمر أن الدولة نفسها لا تتعامل معها على اعتبار أنها صناعة 

مبروك لكل من حصلوا على شهادة الثانوية العامة، الآن من حق أولياء الأمور أن يلتقطوا الأنفاس بعد عام من حرق الأعصاب والسلف والدين من أجل الدروس الخصوصية العصية على الهزيمة فى مصر حتى تاريخه.

 والسؤال الأهم من النتيجة:  أية كلية تلتحق بها؟

أنا هنا أهمس فى أذن كل حاصل على الثانوية أو الشهادات المعادلة بعدة نصائح، أولاً: لا تلتحق بأى مما تسمى بكليات القمة سواء كانت طب أو هندسة أو اقتصاد وعلوم سياسية أو إعلام، إلا إذا كان بالفعل لديك شغف ورغبة حقيقية فى أن تدرس فى هذه الكلية، لا تلتحق بها من أجل الوجاهة الاجتماعية أو من أجل إرضاء بابا وماما، ثانيا: التحق بأية كلية تحب أن تدرس بها بغض النظر عن ترتيبها فى التنسيق بين الكليات، لأنك بالتأكيد سوف تتميز فيما تحب، لا ما يحبه والداك، إياك أن «تستخسر» مجموعك فى دخول كلية تحبها، وتفضل عليها كلية «قمة» ستعيش عمرك تندم، وتلعن تلك اللحظة التى ارتكبت فيها هذا الخطأ.. صدقنى لا تلتفت للكلام الفارغ من مضمونه الذى يصنف الكليات إلى كليات قمة وكليات قاع، أى كلية تتمنى أن تدرس فيها هى قمة بالنسبة لك، وستتميز فيها بالتأكيد، إذا كنت صاحب موهبة ما لا تجن على نفسك، وتلتحق بكلية من أجل أهلك أو حسب مجموعك والسلام. 
وظائف المستقبل

النصيحة الأهم: انظر لبكرة، وإلى أين تتجه بورصة العمل مستقبلا، هناك وظائف بدأت تتآكل وخلال أعوام لن تكون موجودة، وإذا استمرت فسوف تتغير أدواتها، لذا يجب أن تتأهل من الآن لشكل سوق العمل بعد خمس أو ست سنوات، وإلا ستكتشف أنك حصلت على شهادة لا تساوى قيمة الحبر الذى طبعت به، وسوف تنضم لطابور عاطلين بالملايين يحملون شهادات لا يعملون بها..

العالم شديد التغير وسط ثورة تكنولوجية مرعبة، أطاحت بثوابت كثيرة، ومحت وظائف كانت مستقرة، وأنزلت مهن من فوق عروشها وهبطت بها إلى أسفل سافلين، وحتى المهن التى لا يمكن أن نستغنى عنها تغيرت تماما، طبيب اليوم لا علاقة له بطبيب من عشر سنوات، طبيب اليوم أصبحت التكنولوجيا أداة رئيسية من أدواته، لمتابعة مرضاه ولتشخيص وعلاج الأمراض.

وزير التعليم العالى د.خالد عبد الغفار ضرب مثلا أمام مؤتمر للزميلة «المصرى اليوم» قال فيه إنه عندما كان يحتاج فى بداية حياته العلمية إلى مقالة منشورة فى مجلة علمية دولية كان يذهب إلى مقر «النمرو» فى مصر ويسدد رسوم المقالة ويستلمها بعد شهر، الآن يتابع المتخصص ما ينشر فى مجلة «نيتشر» يوميا عبر شاشة محموله.

هذا دليل على شكل العالم الذى تغير من حولنا ولذلك يجب أن تتغير طرق وأساليب التعليم، حنى نواكب ما حولنا، والصحفى الذى عاش عمره يفتخر بالورقة والقلم، وبمقالته المنشورة عبر صفحات جريدته المطبوعة لن يكون له مكان خلال سنوات قليلة إذا لم يطور من نفسه، ويمتلك أدوات عصره ليصل إلى قرائه.

هناك وظائف ستختفى وأخرى ستظهر، المستقبل سوف يكون بالتأكيد لكل ما له علاقة بالتكنولوجيا، و»السوفت وير والهارد وير»، وتطوير البرمجيات والواقع الإفتراضى والـ «سمارت هوم»، والواقع الإفتراضى المعزز، والتسويق الرقمى، وصناعة المحتوى أونلاين.. من يدرس هذه التخصصات ستكون له فرص أكبر فى سوق العمل بعكس الذى يفكر بنفس تفكير والديه الذى كان ملائما لزمانهم.

لأول مرة أصبح التعليم على رأس أولويات الدولة المصرية، بفضل حرص وإصرار الرئيس عبد الفتاح السيسى.. د.خالد عبد الغفار يكشف أننا أنفقنا قرابة 180 مليار جنيه على 902 مشروع تعليمى، خلال الأعوام القليلة الماضية، ووصلنا بالتعليم الجامعى لأماكن غير نمطية فى الجلالة والعلمين وشرم الشيخ والطور وسيناء.

مستقبل صناعة النشر

لن أمل من كثرة الحديث عن ضرورات الحفاظ على صناعة النشر، ولكن لا حياة لمن تنادى، وكأننى أنا وغيرى ننادى فى البرية لا أحد يريد أن يسمعنا، خطورة الأمر أنه يتعلق بصناعة تمثل أحد أهم مرتكزات قوة مصر الناعمة، معالم سوق النشر بدأت تتغير فى العقد الأخير تغيراً يكاد يكون جذرياً وجاءت كورونا لتسرع وتيرة ما اعتقدنا أنه سيحدث خلال عقود لنجده حدث فى سنوات معدودة، ولكن ما نحن مقدمون عليه، من ارتفاع خرافى فى سعر الورق عالميا، يجعل الأمر يحتاج إلى وقفة لنسأل فيها أنفسنا: إلى أين نحن ذاهبون؟

زمان كانت شهادة ميلاد أى روائى تُكتب مع نشر ناقد أو أديب أو كاتب صحفى كبير مقالة نقدية عن إبداعه فى إحدى الصحف أو المجلات، فى عصر «السوشيال ميديا» اختلف الأمر، وأصبحت هناك صورة جديدة للناقد غير الصورة التقليدية التى تستلزم أن يكون الناقد دارساً وقارئاً يمتلك أدوات تؤهله لأن يقول رأياً له قيمته، ينتظره المبدع والقراء على السواء ظاهرة.. الناقد الجديد له متابعون بالآلاف أو الملايين على منصات التواصل الاجتماعى، ليس مهما أن يكون دارسا، كثير من المشاهير الحاليين هم قراء شباب، شاركوا متابعيهم انطباعاتهم حول ما يقرأون، وبالتدريج تحولوا إلى نقاد تسعى إليهم دور النشر، وتهديهم أحدث إصداراتها، بل وتعطى بعضهم مقابلا ماديا مجزيا نظير التطرق لإصداراتها.

ظاهرة استخدام «الأنفلونسر» ليست جديدة فى حقيقة الأمر، بل كان صناع الأفلام يلجأون إليهم طوال الوقت، وكان المجىء بلاعب كرة قدم مشهور مثل إكرامى من الملعب لكى يمثل فى فيلم، شهادة ضمان مؤكدة بتحقيق الفيلم عوائد مالية كبيرة لأن عشاق ومشجعى نجم الكورة سيذهبون وراءه إلى السينما، وتطور الأمر وجعلوا النجم يأكل فى مطعم معين أو يستخدم نوعاً معيناً من المنتجات وهكذا.

وكما تختار المطاعم كبار «الإنفلونسر» ومشاهير الـ «يوتيوبر» للحديث عن قائمة طعامهم المميزة، وأطباقهم الشهية، أصبح حديث أحد هؤلاء «الإنفلونسر» عن كتاب ما بمثابة شهادة ميلاد لهذا الكاتب، بغض النظر عن محتواه أو اسم الكاتب، خذ عندك مثلا محمد صلاح تسببت صورة له وفى يده كتاب له بعنوان «فن اللامبالاة» لمارك مانسون فى تحقيق هذا الكتاب مبيعات خرافية، ولجأ البعض لتزويره وطباعته، لمقابلة الطلب المتزايد على هذا الكتاب من عشاق النجم «مو»، نفس الأمر تكرر هذه المرة مع دار نشر مصرية ظهرت بعض عناوينها فى أطراف كادر صورة للفرعون المصرى محمد صلاح، كانت هذه الصورة غير المكتملة كفيلة بتحقيق مبيعات قياسية للدار، وارتفاع أرقام البحث عنها عبر محركات البحث.

عدد مستخدمى الإنترنت فى مصر فى حدود 70 مليونا، دخل منهم 10 ملايين خلال العام الماضى فقط، دخلوا بسلوكياتهم وأخلاقياتهم ومبادئهم، وأصبح لهم محتوى يعبر عن تطلعاتهم، لذلك أصبحنا نرى ما نرى من أغنيات شيماء ومثيلاتها، أغنية «التريند» التى تنتشر كانتشار النار فى الهشيم لعدة أيام، محققة ملايين المشاهدات، ومعها ملايين الجنيهات، ثم تختفى لتظهر فقاعة جديدة.. الإنترنت بالتأكيد أفاد الإبداع والثقافة، ومنذ عقد بدأت ظاهرة الدخول الواسع على عالم «الإنترنت» الذى منح فرصة أوسع لمبدعين كانت فرصهم شبه منعدمه فى دخول عالم الإبداع ثم تطور الأمر مع انفجار عالم السوشيال ميديا، المتغير الجديد هو دخول كبار السن على الخط، ولم يعد هناك أحد منهم إلا وله حساب مفعل، وله اهتمامات يتابعها ويشارك بها.

نفس الضرر لحق بالمحتوى المحسوب على الثقافة والفكر تماما كما لحق بالأغنية، ووصلت ثقافة «التريند» إلى الكتب، وأصبحت هناك كتب تباع من عنوانها فقط..

وأصبحنا نرى ظاهرة طوابير فى معرض الكتاب من أجل الحصول على توقيع وصورة «سيلفى» مع أحد هؤلاء النجوم الذين بنوا نجوميتهم فى عالم السوشيال ميديا، وليس فى عالم الكتابة والإبداع الحقيقى. 

صناعة النشر كلها فى خطر، وأخطر ما فى الأمر أن الدولة نفسها لا تتعامل معها على اعتبار أنها صناعة، كما تراجع صناعها التقليديون إلى الخلف، وتقدم الصفوف جيل جديد من الناشرين، جيل يستطيع استخدام أدوات العصر، ومع احترامنا لأية تحفظات عليهم، لابد أن تستمع أجهزة الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة لأصواتهم وتتعرف على تجاربهم، لأنهم ببساطة نجحوا فيما فشلت فيه دور نشر عريقة، لاتقانهم للغة العصر، وهو ما مكنهم ببساطة من فهم عقلية القارىء، واهتماماته، وذائقتهم، فانتجوا ما يلبى ذلك.

استمعت لرموزهم فى ندوة مهمة للجنة الكتاب والنشر بالمجلس الأعلى للثقافة يتحدثون مثلا عن ضرورة أن تطلق الدولة مشروعاً قومياً يشجع على القراءة، وأن يعاد النظر فى موعد معرض القاهرة الدولى للكتاب لكى يتواكب مع إجازة نصف العام، ولابد أن تهتم الدولة أكثر بصناعة النشر، وتتخذ من الإجراءات، وسريعا ما يرفع عن مصر تهمة أنها للأسف أصبحت من أكثر دول العالم تزويراً للكتاب، تخيلوا أن الأعمال العالمية تترجم وتصدر من مصر مزورة بدون حقوق ملكية فكرية.

وقبل هذا وذاك.. يجب علينا ألا نضع المواطن فى خيار صعب: يشترى كتاب أم ساندوتش؟

أحمد مرسى

الموت هو سنة الله فى خلقه، لم يكتب الخلد على أحد، ومؤخرا فقدت مصر رمزا من رموز قوتها الناعمة الدكتور أحمد مرسى الأمين على تراث مصر الشعبى، وأحد خبراء مصر والعالم العربى القلائل فى هذا المجال، وخاض رحمه الله العشرات من المعارك داخل وخارج مصر وعبر منظمة اليونيسكو للحفاظ على تراث مصر المادى وغير المادى وتوثيقه، وتسجيله، عرفته منذ سنوات طويلة، واقتربت منه إنسانيا، ووجدت فيه كل صفات العالم الذى يوقف حياته من أجل رسالته، رحم الله د.أحمد مرسى، وعوض مصر عنه خيراً.