تساؤلات

مضيق بيلوسى

أحمد عباس
أحمد عباس

إلى تايبيه العاصمة تكون الرحلة مختلفة فلن تذهب لسفارة تايوان لتحصل على تأشيرة دخول كما الحال مع دول العالم، لا لان دخول المصريين بلا تأشيرة لكن لأنك ببساطة لن تجد سفارة لتايوان فى مصر ولا فى أى بلد آخر، لا تمثيل دبلوماسيا للدولة ولا بعثات قنصلية ولا شيء، سيتعين عليك فقط ارسال جواز سفرك الى أقرب دولة يقع بها مقر البعثة التجارية والاقتصادية لتايوان، بالنسبة للمسافر المصرى سيسافر جواز السفر أولا الى الأردن ويستغرق أياما ويعود بعدما يكون المسافر قد استوفى شروط الحساب البنكى وغيره من الأوراق المطلوبة.


الدولة وضعها الدبلوماسى حساس جدا يكاد يلامس الهشاشة لكن لا أحد يهتم لهذه المسائل هناك، الرحلة طويلة ولا خطوط طيران مباشرة من القاهرة، حتما ستنزل بمطار عربى فى الطريق وتستبدل الطائرة، ليصل زمن الرحلة بعد الترانزيت نحو ثمانى ساعات متواصلة، أقلعت عقب عودتى عن السفر لبلاد شرق آسيا كليًا -ونفذته- لطول ساعات السفر، لكن بالقطع ضعف زمن الرحلة أقطعه مستسلمًا لأمريكا لاعتبارات كثيرة ولم أتخذ قرارا حتى الآن بالعدول عن الطيران الى هناك، لكن أقرب الأسفار الى روحى وطبيعتى هو الطيران شمالا عبر المتوسط الى قارة توشك على الفناء.. أوروبا.
ولو ان تايبيه العاصمة ليست مسكونة بسلالة بشرية مميزة -هى الآسيوية- ما كنت لتعرف انها خارج أوروبا، فالناس منضبطون جدا جدا يعملون فقط، ساعات الدوام مقدسة، التخصص هناك قيمة كبرى لا يحيد عنها الا جاهل ولا يُسمح له. السكان يهتمون بنظافتهم الشخصية، النساء جميلات والرجال ليسوا قصار القامة بل أحيانًا أطول من المتوقع.


نحو ١٤ كيلو بحريا تفصل الجزيرة عن «صين موحدة» يصلهما مضيق مائى اسمه مضيق تايوان، أما لماذا تهتم لها الولايات المتحدة الأمريكية فلا شيء فى رأيى أكثر من أنها بدأت بنكاية سياسية فى الصين الأم ورغبة فى السيطرة وضمان الوصول من أية نقطة الى أخرى بسهولة وسرعة حول العالم، وهكذا تفكر أمريكا، أما الآن فتايوان هى المصنع الأكبر والأهم والأكثر تأثيرا لأشباه الموصلات بحصة تقدر بنحو ٦٥٪ من اجمالى هذه الصناعة عالميا، زيارتى كانت للاطلاع على ما وصلت اليه الدولة فى هذا القطاع وتفقد مصانعها والكتابة عنها.


لو أن المنطقة يسكنها مجموعات من الجهلاء والمتشددين لصنعت أمريكا هناك ميليشيات مسلحة ودربتها ومولتها ثم شقت بينهم وأخرجت منشقين وصنعت لهم زعيما آخر وهكذا حتى يتناحر الجميع وتكون المنطقة لقمة سهلة لكن هذا السيناريو مستبعد جدا للسيطرة، أو ربما افتعلت شقاقا بين صفوف الجيش واختارت رجلا مواليا ودعمته فيصبح ارهابيا عتيدا يقود تنفيذ سياستها وهذا سيناريو يعرفه الأمريكان ويجيدونه وليس صعبا فأعتى ارهابيى العالم تخرجوا من جيوش منظمة واستمروا بدعم جيوش أخرى..

أما زيارة نانسى بيلوسى رئيسة البرلمان الأمريكى التى شغلت العالم ما بين ستذهب أو ستلغى بالقطع زيارتها، فالمشهد تم إخراجه بامتياز ولست متأكدا اذا كانوا استعانوا بمخرج من لوس انجلوس أم ماذا لكنها لقطة عبقرية رأيتها فى أفلام عديدة حتى صارت «تيمة» محفوظة، أن تظهر فجأة طائرة الرئاسة الأمريكية محلقة وعلى متنها رئيسة برلمان بيضاء ووزير دفاع أسود محفوفة من الجانبين بأسراب من طائرات مقاتلة للتو حررت العالم من الهلاك والبطش ثم ينقشع الضباب وتنزل كلمة النهاية. كذلك بدا المشهد تمامًا.. اعتقدنا فى العشرية القادمة سنشهد أفلاما عليها رمز هوليود تبشر بأن الصين دخلت تايوان وأن البطل التايوانى ضحى من أجل بطلة صينية بعد قصة حب جمعتهما فى مضيق تايوان وفرقت بينهما الحرب لكن أمريكا لم تقف صامته وحررت العالم وسينتهى الفيلم بنفس لقطة الطائرة التى ربما صوروها لهذا الهدف من الأساس وربما يسمون الفيلم «مضيق بيلوسى».

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي