فى الصميم

رعب الثانوية.. هل انتهى؟!

جلال عارف
جلال عارف

عودة العقل إلى (المجاميع) فى الثانوية العامة أمر إيجابى بلا شك. كان الخلل واضحاً مع مجاميع تفوق الـ ١٠٠٪ يعرف الجميع أنها لا تدلل على تفوق حقيقى ولا على عملية تعليمية تنمى القدرات وترعى التفكير وتؤهل للنجاح فى الحياة.


كان المحزن حقاً أن ظاهرة رفع المجاميع لم تكن إلا نوعاً من الاحتيال لاخفاء التردى الهائل الذى كان قد أصاب العملية التعليمية بمجملها، ومع اختفاء الدور الحقيقى للمدرسة وظهور «السناتر» والدروس الخصوصية، وتراجع اهتمام الدولة بالتعليم كمحرك أساسى للنهضة كما تراجعت فى هذه المرحلة كل عوامل التقدم الحقيقى وفى مقدمتها الصناعة والزراعة لصالح قيم الاستهلاك والسمسرة التى تخاصم العلم والتعليم.. كان الزمن هو زمن الانفتاح السبهللى، وكانت الفهلوة تحاول أن تجمل الصورة القبيحة برفع المجاميع بدلاً من إصلاح التعليم!!


مازلت اتذكر كيف تلقينا قبل سنوات التراجع والانفتاح السبهللى على تعليم جيد ومجانى تماماً. كيف كان المدرس قمة فى العطاء، والمدرسة تعلم وتربى وتفتح أمامنا كل طاقات الابداع والتفوق. كنا فقراء أو من الطبقة المتوسطة ننعم بخير ثورة يوليو ونعرف ان التفوق هو طريق النجاح، وأن العلم - وليس الفهلوة - هو ما سيفتح امامنا كل الأبواب التى كانت قبل ذلك مغلقة!


كنت من بين الأوائل فى الثانوية العامة بمجموع ٧٥٪، لكن الأهم إنه لم تكن هناك معاناة فى تحقيق ذلك. لا دروس خصوصية ولا حالة طوارئ فى المنزل، ولا انقطاع عن ممارسة الرياضة أو خصومة مع الانشطة الثقافية والفنية التى كانت المدرسة جزءاً أساسيا فيها.


جاءت العاصفة السوداء تحمل راية زائفة لانفتاح كارثى. دمرت التعليم كما حاربت الصناعة والزراعة، وحاصرت الثقافة، طريق الاصلاح صعب وطويل، ولكن لا بديل عنه. حديث المجاميع فى الثانوية العامة يثير الذكريات وأيضاً الامل فى الإصلاح. حكاية «المجموع فى الثانوية» تبقى مجرد تفصيل فى قضية أكبر عنوانها: أن تعود المدرسة وتختفى «السناتر»، وأن يعود «المعلم» ويختفى «بلدوزر الفلسفة» و«أسطورة الكيمياء»، وأن يعود التعليم الأساسى موحداً ومتاحاً للجميع بلا تفرقة من أى نوع.


مبروك لأبنائنا وبناتنا الذين عبروا سباق «الثانوية» الذى مازال مرهقاً، وحظاً أفضل للقادمين للسباق فى السنوات القادمة. النجاح جميل حين يكون مستحقاً، والناجح يرفع إيده!