فى الصميم

أمريكا تتخبط.. وهذا هو الخطر

جـلال عـارف
جـلال عـارف

رغم المشهد المسرحى الذى سبق الزيارة الخطيرة لرئيسة مجلس النواب الأمريكى «بيلوسي» إلى تايوان، والتحفظات التى أبداها الرئيس بايدن وأركان إدارته على الزيارة وتوقيتها..

فإن الزيارة قد تمت فى موعدها، والسيدة بيلوسى ذهبت بطائرة عسكرية توفر لها التأمين الكامل، والقوات الأمريكية فى المنطقة كانت فى حالة تأهب، وكذلك جيوش الحلفاء فى هذه المنطقة بالغة الحساسية. والعالم كله راقب «ولا يزال» رد الفعل الصينى على هذا الحدث الذى لن يمر مرور الكرام.

لا أحد يصدق أن رئيسة مجلس النواب كانت ستمضى فى رحلتها المثيرة للجدل والرئيس الأمريكى يعترض، والجيش يطلب تأجيلها كما قال بايدن بنفسه. السيدة «بيلوسي» هى رقم ٣ فى حكم أمريكا، والزيارة لم تكن إلى سويسرا أو إيطاليا، بل إلى خط التماس فى الصراع مع الصين، ووسط تهديدات برد عسكرى ومخاوف من أن تكون الزيارة هى الشرارة التى تشعل حربا سوف تصل نيرانها لكل مكان فى العالم.

لا المشهد المسرحى للخلافات فى الإدارة الأمريكية حول الزيارة، ولا تكرار التصريحات بأن سياسة أمريكا لم تتغير تجاه تايوان واعترافها بالصين الواحدة.. لا هذا ولا ذاك يغير من حقيقة أننا أمام خطوة محسوبة لاستفزاز الصين فى توقيت بالغ الحساسية للجانبين..

حيث الإدارة الأمريكية تبحث عن أى انجاز داخلى أو خارجى قبل الانتخابات التشريعية، حيث الصين تستعد لمؤتمر الحزب الشيوعى الحاكم الذى سيجدد للرئيس الصينى لولاية ثالثة.. والموعد للاثنين فى نوفمبر.

والمثير هنا أن أمريكا لا يمكن أن تكون مستعدة للحرب مع الصين وهى تخوض حربا فى أوكرانيا، وتواجه أزمة اقتصادية طاحنة، وأنها تعرف أن الصين لا تريد حربا عسكرية الآن وأنها ترى أن الزمن فى صالحها. سواء بالنسبة لضم تايوان، أو حتى بالنسبة للمنافسة مع أمريكا المتراجعة.. فلماذا يأتى الاستفزاز الآن؟ وماذا وراء زيارة «جر الشكل»، وما مثلته من تصعيد  أوصل الموقف بين الصين وأمريكا إلى حافة الصدام؟!

تخبط السياسة الأمريكية يجعل الاجابة صعبة.. ربما تكون هناك مخاوف من أوكرانيا ثانية فى تايوان على يد الصين.. لكن أمريكا تعرف جيدا أن الصين تتقن لعبة الصبر، ولا تريد أن يشغلها شيء عن استكمال رحلة الصعود الاقتصادى لقمة العالم.. ولعل هذا ما يخيف واشنطون أكثر!!

وربما يكون الهدف هو الضغط على الصين لتخفيف تعاونها مع روسيا الذى يفسد الكثير من سلاح العقوبات بعد حرب أوكرانيا.. لكن النتيجة هى اندفاع الصين للمزيد من مساندة روسيا، وكأن واشنطون تساعد بسياساتها على خلق التحالف الصيني- الروسى الذى حذرها كل المفكرين الاستراتيجيين «وآخرهم كيسنجر» من أنها لن تكون قادرة على مواجهته!!

 الصين سترد فى الحدود التى تراها، لكنها لن تذهب للحرب الآن. التحدى أو الاستفزاز الأمريكى سيؤدى حتما إلى تصعيد المواجهة مع الصين، بعد أن كان الحديث عن «تنظيم التنافس. ما سيبقى بعد زيارة «جر الشكل»، من السيدة بيلوسى هو أن الصراع على قمة العالم أصبح أكثر خطرا، وأن أداء أمريكا «وهى القوة الأعظم حتى الآن»، يثير القلق، ويزيد الشكوك فى قدرتها على قيادة العالم إلى بر الأمان!