خاطر عبادة يكتب .. الهجرة.. وفلسفة التغيير

خاطر عبادة
خاطر عبادة

عادة ما يتطلب التغيير عدة مراحل تدريجية تتقن خلالها النفس فنون الصبر.. والصبر هو ليس فقط التكيف والتعايش مع الأزمات وإنما هو ضبط السلوك وحسن التصرف ومهارة التخطيط حتى تصل للتغيير المأمول؛ ليكون استراتيجية حياة وعقيدة.. أما التغيير السريع والعنيف فغالبا ما يترتب عليه خسائر وأضرار  أو هزات عنيفة أو فوضى مدمرة.

وقد لا تجدى الوسائل الدنيوية وحدها فى أحيان؛ فعلينا أن نفهم حينها ضرورة اللجوء للسماء طول الوقت دون تذمر أو تعالى..  والاستعانة بقول (لا حول ولا قوة إلا بالله) كوسيلة فعالة لمواجهة الأزمات؛ فالإنسان لا يمكنه مواجهة العالم بمفرده دون الاستعانة بقوة الله عز وجل.. وها هو الرسول الكريم وأشرف الناس لجأ إلى الله بالدعاء حين اشتد أذى الكفار.. فقال ( اللهم أشكو إليك ضعف قوتى وقلة حيلتى) وناجى ربه أيضا  (إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالى، غير أن رحمتك هى أوسع لى).

.. هكذا نتعلم من هجرة رسول الله من مكة إلى المدينة المنورة دروس حياتية لتجاوز الصعاب فلم يكن الطريق ممهدا دون عراقيل أو مكر من أعداء الرسالة ولكنه كان مشمولا برعاية الله وحفظه فى كل خطوة لإتمام نعمة الدين.. وليدرك الناس معانى الدين خطوة بخطوة؛ وليكون ذلك سنة كونية ليعلم المؤمنون أن النصر مع الصبر هو فلسفة الناجحين ولا يقدر على تحقيقها إلا الرجال المخلصين الملتزمين بأصول النجاح.. ويتيقن الناس أن الذين أصابهم التوفيق فى الدنيا والآخرة جميعهم انطبقت عليهم تلك الشروط.. وأولها الاستعانة بالله فقط وعدم الاتكال على أحد غيره؛ وعدم الكسل والسعى والأخذ بالأسباب والالتزام بطاعة الله وحب رسوله والاتسام بالحنكة والبصيرة؛ فأولئك هم أولياء الله ورسوله.

كانت غاية الروح الإسلامية الطاهرة والمستنيرة هى الدين والتوحيد ورفعت شعار الطهر والنور بكل وضوح لا يمكن أن تنكره الأعين ولا القلوب.. وقد وجدت طريقها للقلوب والعقول فى عالم كان مليءا بالظلم والقهر ضل الطريق الحقيقى لمعرفة الله وانتشرت عبادة الاوثان والحكام من دون الله- عالم  لا يؤمن بحرية العقيدة والدين ولا يعرف معنى الأخوة الإنسانية والمساواة.. فحمل المسلمون شعلة النور والحب والرحمة والهداية لتضيء ظلمات العالم.. وانهارت أمام تلك الجيوش الصغيرة عددا أعتى امبراطوريات العالم وهى الروم وفارس.. هكذا كانت معجزة الإسلام الحديثة وأثرها على قوة إيمان الصحابى وسط ذهول الناس لما رأوا من فئة صغيرة تهزم جيوش تعدادها أضعاف عدد المسلمين.. هنا تكمن قوة المسلمون.. هكذا التزم الصحابة ومن تبعهم بإحسان- بالأمانة التى حملهم إياها رسول الله.. وهى الدين .. لم يسعوا لبناء دولة لهم ولا ملك؛ فهم جماعة دينية وليست سياسية- رفعوا لواء التوحيد والأخلاق وإنكار الذات وبذلها فى سبيل الدين.. وهذا ما يسمى بالجهاد الحقيقى.. أما من يبذل روحه فى سبيل الإنسانية فهو مناضل.. وكل هذه المعانى النبيلة تندر فى هذا الزمان.

لم تكن الفتنة الكبرى بعد مقتل عثمان بن عفان رضى الله عنه على يد الخوارج.. اختلافا وتنافسا على الدنيا.. ولكن خلاف سياسى شديد فى الرأى.. بين من يفضل حفظ دماء المسلمين والاكتفاء بعزل الخوارج.. ومن يريد الثأر من جماعة مسلحة خارجة عن الدين.. فكان الاختلاف السياسى بعدها بين المسلمين إلى أن يشاء الله 

إن العالم اليوم فى أمس الحاجة إلى تعاليم الإسلام وليس الشعارات التى تطلقها جماعات تلصق نفسها بإسم الدين ليختلط على الناس المفاهيم أو شعارات تطلقها منظمات فى المحافل الدولية فى كل مناسبة.. فى ظل قيادة غير رشيدة للقوى الكبرى التى تسببت فى واقع مليء بالازمات والصراعات والحروب و الأوبءة وتغير المناخ وأزمات غذاء وطاقة وغلاء.. لا يصلح معها سوى التكيف والتعايش واللجوء للحلول البديلة؛ فهذه الأزمات لم تكن وليدة الأمس ويحتاج علاجها لسنوات.. كما لن تهدأ الصراعات طالما أن هدف تلك القوى هو السيطرة.

الدين المعاملة.. وهناك من الناس من يوهم البعض أن الدين هو مجرد هوية وخلفية لحزبه أو تراث قديم أو شعارات تتاجر بها على غرار أحزاب اليمين فى الدول الغربية لتبرر وصولها للسلطة وتكسب أصوات المحافظين أو الرافضين للهجرة.. ولكن ما حدث فى بلادنا العربية المسلمة من تخريب إبان ثورات ما يسمى بالربيع العربى تحت غطاء سياسى وفرته قوى دولية ومنظمات الصقت نفسها بالدين.. جعلت الجميع ينتبه إلى حرمة الدولة والتشديد على قداسة الوطن فى الإسلام.. الفهم الصحيح للدين يجعلنا نفرق بسهولة ووضوح بين أن أطبق الدين على سلوكى وإنكار الذات وبذل النفس من أجل الدين والوطن وبين فكر جماعة سياسية قاءم على الوصاية الدينية و جذب المتعاطفين من أجل الهوية.. مستغلا اندفاع البسطاء للسياسة بحكم العاطفة الدينية.. لا وصاية فى الإسلام.. وخطأ تلك الجماعة وقع فيه رجال الكنيسة فى أوروبا فى العصور الوسطى.. فكانوا يستغلون الناس بإسم الدين ويأخذون منهم صك الغفران فظهرت طبقة الاقطاعيين من رجال الدين ثم يحذرون الناس من خطورة الثورة على الكنيسة والدين.. لكن ثار الناس ضد هذا الفكر فى النهاية .. يجب أن يتعلم الناس من أخطاء الأمم السابقة.. هناك من يوهم الناس بإسم الخلافة ويزعم أنه أفنى عمره فى النضال من أجل ذلك.. ونسى أن الدين المعاملة وأن العبرة بالحكم الرشيد وليس فى الصراع على الدنيا أو فى طريقة الحكم.. فشتان الفارق..الإسلام أكثر تحضرا وحداثة ورحمة ونور وهدى عن هؤلاء..  

يجب أن ننتبه أيضا إلى خطورة الجهل بالدين أو الإساءة لكل ما هو دينى مستغلا خطأ الجماعات السياسية التى ترفع شعار الدين.. ثم تسيء بسوء نية للأزهر أو رجل الدين بشكل عام أو تجادل فى الدين بغير علم.. يجب أن ننتبه، ونوقر رجال الدين والمؤسسة الدينية الرسمية التى تنظم ومسؤولة عن تنظيم الفتوى حتى لا يحدث فوضى فى الحديث عن الدين بغير علم.. فكما كان من واجبها مواجهة التطرف فإنها إذن  الجهة المتخصصة والعالمة بأمور الدين  وليست وصاية على أحد بل مسؤولية وتنظيم فى ظل انتشار الجهل والتسيب والفساد.