يوميات الأخبار

الأزهر … «قيمة جامع» و«قامة شيخ»

أسامة عجاج
أسامة عجاج

عندما ينتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسم عنوانه (يسقط حكم الأزهر)، فنحن أمام منحنى خطر، يعبر عن جهل بالتاريخ، وتزييف للحقائق، واستهداف لواحد من أهم قوى مصر الناعمة.

بداية المسلسل الأخير –وليس الآخر– للهجوم على الأزهر وشيخه، وكانت سببا فى هذا الهاشتاج، بدأت بعدما نشر مركز الأزهر العالمى للفتوى الالكترونية، عددا من محظورات الاحتفال بعيد الأضحى المبارك، وحددها فى ستة، هى تناول المحرمات ليلة العيد، عدم الالتزام بالضوابط الشرعية فى خروج الشباب والفتيات الى المنتزهات العامة، وخروج المرأة متزينة وغير ملتزمة بالحجاب، ومواصلة قطيعة الأقارب أو الأصدقاء، عدم جواز صلاة النساء بجوار الرجال فى صلاة العيد، كراهية زيارة القبور، باعتبارها أيام عيد وفرح، لم يكتف الأمر على الهاشتاج، فقد خرجت الأفاعى من جحورها تنفث سما زاعفا، كما جرت العادة، وأتوقف عند نموذج واحد – لشخص لن أكتب اسمه فهو أصلا لا يستحقه– وصف البيان، بأنه نسخة طالبان، يضرب عنق مدنية الدولة، وأضاف هذا بيان فاحش الخطأ – أى والله هذا وصفه - عظيم التعدى على الدستور والحريات والدولة، واعتبره فضيحة كاملة متكاملة، وكارثة يجب المحاسبة والمسألة عليها من الدولة المصرية – لاحظ الجملة الأخيرة، التى تحاول استعداء الدولة على الأزهر، وكاتبة أخرى تقتات على الهجوم على الأزهر، وتتخذ نفس المسار، تقول ( شيخ الأزهر ليس وصيا على المجتمع، والحجاب ليس فرضا، هذا تغول على سلطات الدولة).

ملاحظات أولية

ولعل القراءة المنصفة والمجردة، نستطيع من خلالها التوقف عند بعض الملاحظات، أولاها أنها نصائح وفقا للسنة النبوية الشريفة، توصى بها أبناء الأسر من كل الطبقات أبناءهم، ولكن الاستهداف ركز على فكرة عدم خروج المرأة متبرجة، وعدم التزامها بالحجاب، باعتبارها الباب الملكى الذى يجمع حوله ذباب دعاة حرية المرأة وحقوقها، ثانيها مضمون الهاشتاج (يسقط حكم الأزهر)، لنتساءل هل لدى الأزهر أى سلطة، حتى تسقط؟ هل يملك مثلا جماعات الأمر بالمعروف، تجوب الشوارع، وساحات الاحتفالات بالعيد، لتعاقب المخالفين، أم الأمر كله رصد لتعليمات السنة النبوية وآدابها، فى مثل هذه المناسبات، يلتزم بها من يشاء وهم –والحمد لله- كثر، ويخالفها من يشاء، دون عقاب أو رادع سوى الرادع الأخلاقى فقط، ولعل من حسن الطالع – وهذا ثالثا- أن الوسم او الهاشتاج المسيء، كان فرصة لاستنفار النفوس الخيرة فى الرد، وبكثافة تتجازوه بكثير، بوسم مضاد تحت عنوان (الأزهر هو حصن الإسلام)، ويكتب أحد المشاركين فيه (لا ولن يسقط الأزهر، فهو شرف مصر والعروبة ومنارة العلم والعلماء).

ما سبق جزء يسير، والأمر فى النهاية جزء من حملة منظمة تستهدف مؤسسة الأزهر، وشيخها الجليل فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الشيخ أحمد الطيب، لم تكن وليدة اليوم، ولكنها عرض مستمر، مع كلمة ينطق بها الرجل الجليل، ومن ذلك استحضار أحد الإعلاميين لفتوى قديمة، حول تأديب المرأة، وإجازة ضربها فى حالة النشوز والتكبر، ورفضه كما قيل المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، رغم أن شيخ الأزهر أوضح موقفه صراحة معبرا عن تقديره واحترامه للمرأة، والحض على حسن معاشرتها والإحسان لها، امتثالا لأوامر رسولنا الكريم، ولم يهتم أى من الذين تخصصوا فى الهجوم على الإمام، بدعوته إلى ضرورة إحياء فتوى (حق الكد والسعي) من تراثنا الإسلامى لحفظ حقوق المرأة العاملة، والتى بذلت جهدا فى تنمية ثروة زوجها، فى ظل المستجدات العصرية التى نعيشها، التى أوجبت النزول إلى سوق العمل، ومشاركة زوجها فى أعباء الحياة، لم يتوقف أحد على رد فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب على ما أثير عن تعدد الزوجات، فى مقاله بعنوان (زوجة واحدة تكفي)، حيث أنكر فيه، فكرة أن الأصل فى الإسلام التعدد، واعتبر من يقولون بذلك مخطئون، وتمثل ظلما للمرأة والأبناء، وأكد أن الرخصة تحتاج إلى سبب، واذا انتفى السبب، انتهت الرخصة، فالتعدد مشروط بالعدل، وإذا لم يوجد، فهو محرم، وإذا كانت شئون المرأة وأحوال الأسرة فى الإسلام هى القضية المفضلة للعلمانيين فى مصر، فهل سمعت أحدهم يشير إلى قضية تحريم الطلاق فى بعض المذاهب المسيحية؟

جهل تاريخى

دعونا نتفق أن هناك عدم إدراك متعمد، لقيمة الجامع الأزهر تاريخيا، ولا حاضره، فهو مؤسسة تعليمية إسلامية عريقة، يعود تاريخها إلى أكثر من ألف عام، هو أحد قوى مصر الناعمة، التى لم يتم استغلالها كما ينبغي، وللأسف إدراك دول العالم بقيمته أكثر منا، فهو يحمل أمانة نشر رسالة الإسلام، والدفاع عنه على كافة المستويات، بانتهاجه منهج الوسطية، فى نشر المفاهيم الإسلامية الصحيحة، يناهض سوء الفهم والتفاسير الخاطئة لها، والأباطيل التى تشوه وجه الإسلام الصحيح، صحيح أنه الثالث فى الترتيب من حيث الأقدمية، بعد جامعتى الزيتونة فى تونس، والقرويين فى المغرب، وتم بالفعل اعتماده الجامع الرسمى للدولة، ومقرا لنشر الدين والعلم فى حلقات الدروس، وتعدى دور الجامع العلمي، مع تحوله إلى ملاذ للمصريين فى مواجهة الغزوات، التى استهدفت مصر أيام الحملة الفرنسية، حيث قاد ثورة القاهرة الأولى والثانية، وعندما دفعت ثورات المصريين الاحتلال الفرنسى إلى المغادرة، كان لشيوخ الجامع الأزهر الفضل فى الدفع بمحمد على باشا واليا على مصر، ومع الاحتلال الإنجليزي، وفى ثورة ١٩١٩ كان الأزهر وطلابه فى طليعة الحشود الشعبية للمقاومة والمطالبة بالجلاء، الزعيم الراحل جمال عبدالناصر اختار منبر الجامع الأزهر، باعتباره المكان الأفضل والمناسب، لتحفيز الشعب المصرى على مقاومة الاحتلال الثلاثى بصيحاته الشهيرة، (سنحارب، سنحارب)، الأزهر هو من شهد وأد أول محاولة لخلق فتنة طائفية فى مصر أثناء ثورة ١٩١٩، عندما صعد القمص سيرجيوس منبر الجامع، الأزهر كان مصدرا لتأجيج المشاعر الوطنية فى يونيو ١٩٦٧، وكذلك دور الإمام الأكبر الشيخ عبدالحليم محمود فى انتصار العاشر من رمضان – أكتوبر ١٩٧٣، لا ينكره سوى جاحد.

تواجد دولى

ولعل التاريخ سيسجل بأحرف من نور، أن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، برؤيته الاستراتيجية، أنه أول من استثمر الأزهر كأحد أهم قوى مصر الناعمة، بإرسال خريجى الأزهر إلى بلاد العالم، ليعلموهم صحيح الدين، وتأسيس أكبر مدينة للبعوث الإسلامية للوافدين من كل دول العالم، خاصة وأفريقيا وآسيا، لتلقى العلم، بمنح مجانية، ليعودوا إلى بلادهم، سفراء لمصر، وهى الفكرة التى تطورت عبر إنشاء الرابطة العالمية لخريجى الأزهر فى عام ٢٠٠٧، لخلق حالة تواصل مستمر مع هؤلاء الخريجين، حيث وصل عددهم فى دولة مثل أندونيسيا أكثر من ٣٠ ألف خريج، والهدف منها إحياء الدور العالمى له، ومنهجيته الوسطية، مع تقديم منح دراسية لطلاب آخرين، وأصبح للرابطة مكاتب وفروع فى ١٧ دولة، إضافة إلى ثمانية تحت التأسيس، وهم يتولون مناصب رفيعة فى القضاء، والشئون الدينية وفى الجامعات المختلفة.

الشيخ الجليل

ما سبق جزء قليل من تاريخ وقيمة هذا المسجد، فماذا عن شيخه الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، والذى يتعرض منذ سنوات ليست بالقليلة، إلى حملة ممنهجة، من جهات عديدة تستهدفه تحاول النيل منه، من المتشددين من جهة، والعلمانيين من جهة أخري، يضاف عليهم الطامعون فى منصب دنيوى زائل، من داخل المؤسسة الدينية، والرجل صامد يدرك قيمة منصبه، يحتسب عمله لله، يلتزم بالحديث النبوى (لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق)، هو حلقة فى سلسلة طويلة من عظماء، عدد حلقاتها سبع وأربعون، تولوا المهمة على مدى تاريخه، تناوبوا على مهمة الحفاظ على الدين الوسط، وسماحة الإسلام، ولكنه قد يكون الأكثر عرضا للهجوم منذ تعيينه فى مارس ٢٠١٠، وتاريخه يكشف عن نبوغ مبكر بالتفوق فى كل مراحل تعليمه، حتى التحق بكلية أصول الدين، وبعدها الماجستير والدكتوراه، وقد يكون الوحيد من بين سلسلة العظماء، الذى درس فى جامعة السربون فى فرنسا، حيث أجاد اللغة الفرنسية وقبلها الإنجليزية، الرجل نموذج يسير على قدمين للزهد، فهو يعيش فى شقته فى القاهرة، رغم وجود استراحة رسمية لشيخ الأزهر، يخدم نفسه بنفسه، لا يتقاضى راتبا عن منصبه، بعد أن تنازل عنه، لم تشغله مهامه عن الحرص على التواجد فى قريته، القرنة بمحافظة الأقصر ثلاثة أيام كل أسبوعين، للمشاركة فى أعمال الخدمة فى الساحة المملوكة لأسرته، التى تستقبل الزوار من المحتاجين وأصحاب الحاجات، ويشارك بالرأى فى حل الخلافات والنزاعات بين أهالى القرى المحيطة، وفى القرنة، كما أن الإمام حريص على مكانة الأزهر داخليا وخارجيا، حيث يتم تعامله فى زياراته بروتوكوليا كرؤساء دول، ويقال إن أحد الوزراء الأجانب تأخر عن موعده، فغادر المكتب ليضطر الضيف إلى زيارته فى منزله معتذرا.

الإسلام هو الهدف

لعل الحملة المستعرة، التى تخبو حينا وتتأجج حيانا آخر، أبعد من فكرة استهداف الأزهر كمسجد أو شيخه، إلى الإسلام نفسه، من خلال الهجوم على الثوابت الدينية، مثل فريضة الصوم، كما قال أحد الذين يدعون إلى دين جديد على مقاس محركيهم، وقال عنها (مجرد تعب للصحة وليس له حكمة تذكر)، مشككا فى قصة الإسراء والمعراج، معتبرا أننا (أمام قصة وهمية) مع رفض السنة والأحكام الشرعية، وهاجم الإمام البخارى -ويال السخرية- وحمله مسئولية هزيمة مصر أمام الاحتلال الفرنسى وفشل الثورة العرابية أمام الإنجليز وتجرأ دون علم شرعى أو دراسة معلنا أنه سيقوم بتفسير القرآن، وسيبدأ بسورة الكهف، 
حفظ الله على مصر إسلامها، وأزهرها وشيخها.