أفريقيا عادت للقاهرة ولسنا ضد التنمية فى القارة...

مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية: شمس مصر تعاود الإشراق بالقارة السمراء| حوار

الزميل حسام عبدالعليم برفقة مساعد الوزير للشئون الإفريقية
الزميل حسام عبدالعليم برفقة مساعد الوزير للشئون الإفريقية

 

 

 

- الرئيس السيسى يولى أهمية كبرى لأفريقيا.. والأشقاء يتطلعون لنقل تجرية مصر التنموية -

- مصر تلعب دوراً كبيراً فى دعم عمليات التنمية فى أفريقيا..ونقوم بدور نشط وتنموى كبير مع دول حوض النيل

- القاهرة تمتلك "المفتاح " للمساعدة فى حل الأزمات و "فك" ألغاز أفريقيا

-  نسعى لتوسيع رقعة تواجدنا بالقارة وربط مصالحنا بالمنفعة المتبادلة

- القطاع الخاص المصرى قاطرة مهمة فى عملية التنمية بالقارة

- أفريقيا قارة المستقبل ومصر ليست ضد التنمية أو بناء السدود

- مشروع القاهرة- كيب تاون "الحلم الأفريقي "وسيغير وجه القارة

 

  نجحت مصر منذ عام 2014، فى العودة وبقوة إلى قلب أفريقيا بعد غياب لنحو ثلاثة عقود، واستطاعت استعادة دورها الريادى ومكانتها، كما أصبح لها حضوراً نشطاً وفعالاً على مستوى القارة، وكذا دوراً فاعلاً قوياً فى القضايا الأفريقية كافة. فضلا عن فرص التعاون المشترك وعمليات التنمية القائمة حالياً مع كل الدول الشقيقة من أجل تحقيق تنمية مستدامة حقيقية تعمل على توفير حياة لائقة لشعوبها. كل هذا جاء نتيجة جهود جبارة بذلتها مصر طوال السنوات الماضية، منذ تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى الحكم، والذى أولى أهمية كبيرة لملف العلاقات المصرية الإفريقية كأحد أهم دوائر السياسة الخارجية المصرية، وأعطى توجيهاته لكل مؤسسات الدولة بالعمل على تطوير وتنمية هذا الملف وبدعم منه. وهو ما يؤكد ويرسخ هوية وانتماء مصر الأفريقي.. السفير شريف عيسى مساعد وزير الخارجية للشئون الأفريقية، أكد فى حواره مع " الأخبار" أن مصر تلعب دورا كبيراً فى دعم عمليات التنمية فى الدول الإفريقية الشقيقة على كل المستويات وفى مختلف المجالات. وأضاف أنه فى ظل زيادة حجم التحديات والأزمات التى تواجهها القارة وسط الظروف التى يمر بها العالم حاليا، تمتلك مصر "المفتاح " فى التعامل مع تلك الأزمات، حيث تستطيع فك الكثير من الألغاز فى هذه القارة بخبراتها، لكونها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأفريقيا تاريخياً وجغرافياً.. وإلى نص الحوار: 

 

- كيف ترى العلاقات المصرية الافريقية فى الوقت الحالى؟ 

  العلاقات المصرية الأفريقية من أهم ملفات السياسة الخارجية المصرية، وهو يأتى بلاشك على رأس أولويات الدولة المصرية، باعتبارها الجوار المباشر وغير المباشر لمصر ولاعتبارات التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة لمصر، وكلها اعتبارات مهمة جداَ بلا شك، ولهذه الأسباب مصر مرتبطة ارتباط وثيق بأفريقيا. 

عندما نتعامل مع أفريقيا، فإننا ننظر إلى قارة بها فرص كبيرة للتواجد المصرى، وأن التركيز على مشروعاتنا فيها الهدف منه إرسال رسائل إلى الدول الأفريقية الشقيقة، بأن مصر تقف الي جانبها من اجل تحقيق الاستقرار والتنمية فمصر ليست ضد التنمية بها، بل على العكس كانت دائمة داعمة للتنمية. وإذا كانت فترة أواخر الخمسينيات والستينيات قد شهدت ظهور قيادات التحرير فى أفريقيا الساعية التخلص من الاستعمار والحصول على استقلالها؛ كانت مصر تلعب دوراً رائداً فى هذه المرحلة من خلال دعم حركات التحرر، والكثير من الدول الأفريقية الشقيقة تدين بتحررها إلى مصر، والدليل أن هناك الكثير من شوارعها تحمل اسم مصر او القاهرة او اسم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.  

 وعندما تغيرت الأمور فى القارة الافريقية بعد تحرر دولها وتبدلت قيادات التحرير الى قيادات التنمية، كانت على مصر أن تلعب دور حيوى فى هذا الشأن، ولكن نتيجة لظروف مررنا بها خلال فترات السبعينيات والثمانينيات وصولا للتسعينيات وأوائل الألفية الجديدة؛ وهى مراحل كانت مصر في فترة منها تحارب لاستعادة أرض سيناء المحتلة ، ولما كان لها من تداعيات اقتصادية كبيرة واجهتها مصر إلى أن تغلبت علىها.وما لبثت مصر فى العودة مرة أخرى بأن تلعب دورها فى دعم عمليات التنمية فى هذه الدول الشقيقة، حتى وقعت بعض الاحداث السياسية التى أدت إلى نوع إعادة الحسابات مع أفريقيا فى كثير من ملفاتها. 

-  وكيف ترى العلاقات مع أفريقيا منذ تولى الرئيس السيسى الحكم ؟

   منذ اليوم الأول لتولى الرئيس عبد الفتاح السيسى مسئولية حكم البلاد وقد أولى لأفريقيا أهمية كبرى، وكان هذا توجيهاً رئاسياً لكل مؤسسات الدولة بالعمل على تنمية العلاقات المصرية الأفريقية. حيث أستطاعت مصر انطلاقاً من مشاركة الرئيس فى قمة مالابو العودة مرة أخرى إلى الاتحاد الأفريقى بعد تجميد عضويتها.  نحن دائماً نقول أن أفريقيا عادت إلى مصر، وليس العكس، لأن مصر بالفعل هى مؤسسة هذا الاتحاد، كما أنها من الدول التى كانت لها الفضل فى انشاء هذا التجمع الأفريقى الشامل القارى. وبالتالى بعد عودتنا للعضوية الكاملة فى الاتحاد الأفريقى لم تنقطع زيارات الرئيس السيسى إلى الدول الأفريقية. وحرص فى المشاركة فى جميع القمم الأفريقية، إلا انه لم يمنع استمرار تلك الزيارات فى الفترة الأخيرة سوى جائحة كورونا التى أثرت على حركاتنا الخارجية؟ وأؤكد هنا أن الرئيس السيسى قام بزيارات لدول أفريقية لم يسبق لرئيس مصرى زياراتها من قبل. منها على سبيل المثال، زيارته لجيبوتى فى مايو من العام الماضى، وقد جاءت هذه الزيارة فى أعقاب فوز الرئيس عمر جيلة فى انتخابات الرئاسة، ليكون الرئيس السيسى أول المتقدمين للتهنئة للرئيس الجيبوتى، وكذلك أول زيارات الرئيس عمر جيلة إلى خارج جيبوتى بعد فوزه بمنصب الرئيس مجدداً كانت إلى مصر، وهذه لمحة مهمة جداً.  

  اللمحة الثانية الهامة أيضا ويتوجب الوقوف عندها، هى حرص الرؤساء الأفارقة الذين يتولون رئاسة الاتحاد الأفريقى، على أن تكون مصر هى الوجة الأولى فى زياراتهم قبل تولى رئاسة الاتحاد. ففى عام 2020 تولت جنوب أفريقيا رئاسة الاتحاد، وقد حرص الرئيس رامافوزا حرصا شديداً على أن تكون مصر من أوائل الدول التى يزورها قبل تولى رئاسة الاتحاد، وتلك الزيارة جاءت تأكيداً على أن الرئيس رامافوزا  كان راغباً فى أن يستفيد من خبرة مصر لرئاسة هذا التجمع القارى الهام. أيضا حرص رئيس الكونغو الديموقراطية فيليكس تشيسكيدي على زيارة مصر قبل تولى رئاسة الاتحاد عام 2021، ثم الرئيس السنغالى ماكي سال وهو زعيم كبير فى القارة الإفريقية  قد حرص أيضا على زيارة القاهرة قبل تولى رئاسة الاتحاد. تُعد الزيارات واللقاءات رسائل لتؤكد أن مصر لديها من الخبرات والقدرات فى ادارة ملفات هذا التجمع القارى الهام تسعى الدول الافريقية إلى الاستفادة منها، من خلال نقل الرئيس عبد الفتاح السيسى خبرته إلى هؤلاء الرؤساء فى هذا الشأن. 

   كل ذلك ليس وليد الصدفة، إنما هو نتاج جهود بذلتها مصر على مدى سنوات ماضية، لتبنى هذه الثقة لدى الدول الافريقية، لتكون حاضنة لهذه القيادات قبل توليها رئاسة الاتحاد. وهى رسالة مهمة جدا يجب على الجميع إدراكها،هى ان مصر دولة رائدة فى القارة الافريقية، واذا كنا نسعى لأن يكون لنا دور فى تنمية هذه القارة، فمن المؤكد أن البعد السياسى فى التعامل مع أزمات القارة مفتاحها لدى مصر، ونستطيع أن نساعد الأشقاء الأفارقة فى فك الكثير جداً من الألغاز بهذه القارة من خلال خبراتنا فى التعامل مع القضايا الأفريقية خاصة مع زيادة التحديات. 

-  هل تشرح لى ماهى الملفات التى تمتلك مصر مفتاحها وتستطيع بخبراتها وقدراتها فى التعامل معها؟ 

  هناك العديد من الملفات، منها السياسية والاقتصادية والأمنية، وشهدت الأوضاع السياسية فى عدد من دول القارة الأفريقية خلال الفترة السابقة، لاسيما العاميين الماضيين، مايسمى بـ"الحركات العسكرية" أدت إلى قلب نظام الحكم، ليس بعيد منها دولة غينيا كوناكرى، ومالى، وبوركينا فاسو. إذن الحراك على الساحة السياسية فى أفريقيا هو حراك عنيف، ويسعى إلى تغيير نمط موجود فى القارة، تحتاج إلى تغييره إلى نمط أخر من الحكم يساعد فى التنمية. مصر وهى تواجه هذه التغييرات فى القارة لديها الكثير جداً من الحكمة فى التعامل مع هذا الأمر، ومن أدل هذه الأمثلة ماحدث فى دولة تشاد، بعد اغتيال رئيسها أدريس ديبى وتولى نجله محمد ديبى زمام الحكم. هذا الوضع لا أصنفه كحركة تغيير داخلى، ولكن وقع نتيجة تحركات قام الرئيس إدريس ديبى لمواجهة الجماعات الإرهابية التى تسللت إلى بلاده قادمة من ليبيا وتعاونت من الجماعات المسلحة الموجودة فى تشاد، أدت إلى إغتياله. وقد سعت مصر إلى تحقيق الاستقرار بتشاد بكل ماتمتلك من قوة ودعم النظام فيها ومنع هذه الجماعات من تحقيق أهدافها " الدنيئة".، حتى لا تُفقد السيطرة على هذه الدولة المحورية فى وسط أفريقيا. ونحن نشجع الاَن الحوار السياسى الداخلى ما بين الفصائل المختلفة للوصول إلى توافقات يتم من خلالها تهدئة الأوضاع بها. حيث زار رئيس المجلس الانتقالى فى تشاد مصر، ونجد من التعاون الكثير جدا مع تشاد. 

   ماتتطلع إليه مصر مع  هذه الدول التى شهدت انقلابات فى نظام الحكم، هو تحقيق الإستقرار بها والعودة إلى النظام الدستورى بها فى أسرع وقت ممكن. بحيث تكون تلك الدول نفسها ساعية الى تحقيق الاستقرار بهدف الوصول الى التنمية التى تسعى لها والتى تعد الدافع  من وراء هذا التغير الذى تشهده. وتحرص مصر ألا تكون العقوبات المفروضة مؤثرة على شعوب هذه الدول، كونها لا تحقق الهدف منها، وليس دائما العقوبات هى الحل الأمثل، لكن قد يكون فتح الحوار السياسي الداخلى هو الحل الأمثل. 

 - وماذا عن قضايا الارهاب والتطرف فى القارة السمراء؟ 

   ملف الإرهاب والتطرف فى أفريقيا، هو ملف فى غاية الأهمية وخطير جداً. ومصر تنظر إلى الحركات الإرهابية الموجودة ليس فقط فى القارة الأفريقية لكن فى محيطنا كله، بأنها مهددة بشكل جدى وخطير للاستقرارها بشكل خاص وأفريقيا بشكل عام. فعندما ننظر إلى الخريطة الأفريقية حالياً، نجد فى شرق القارة جماعة الشباب موجودة فى دولة الصومال، وفى وسط وغرب افريقيا نجد أيضا الكثير من مجموعات الارهاب على رأسهم جماعة بوكو حرام، وإذا نظرنا إلى جنوب القارة نجد جماعة الشباب الموزنبيقية موجودة هناك. وإذا اختلفت الإيديولوجيات ما بين هذه الجماعات، إلا أن الجامع بينهاهو فكر الجهاد والتطرف، حيث تسعى إلى استغلال الأوضاع الاقتصادية فى هذه الدول لاجتذاب الكثير من العملاء وزعزعة الاستقرار بها، وبالتالى إقامة النظم الإرهابية التى ينشدونها. 

-  الخريطة الإرهابية في القارة تشبه الحزام الذى يحيط بدولها كيف يمكن لمصر أن تكسر هذا الحزام؟

  مصر لاعب مهم جداً فى محاربة ومكافحة الحركات الإرهابية، وتسعى إلى كسر هذا الحزام من خلال تكثيف علاقاتنا مع الصومال وتدريب الكوادر الصومالية فى مجال مكافحة الارهاب، نفس الشئ يتم من خلال بناء القدرات فى دول غرب أفريقيا وعلى رأسها نيجيريا، والحقيقة أن التعاون الأمنى بين مصر ونيجيريا فى أوجه. أيضا نفس الأمر تقدمه مصر لدول جنوب القارة، وإن كنا نترك المجال للتجمع الجنوبى" سادك" للقيام بدوره فى هذا الأمر، مع استعداد مصر فى تقديم أى يد للمعاونة. كما تسعى مصر فى هذا الملف إلى تبادل المعلومات، وتجفيف منابع التمويل، وكسر حلقات الاتصال بين هذه الجماعات الارهابية. 

- هل مساعدة ودعم مصر للدول الأفريقية التى تعانى من توترات واضطرابات سياسية وأمنية تأتى كمبادرات منها أم بناءعلى طلب من تلك الدول أم تحت مظلة دولية أو إقليمية معينة؟ 

 هناك أمور تقع تحت مظلة أممية أو أفريقية، وأخرى تقع فى اطار العلاقات الثنائية. والمثال على الدعم المصرى فى إطار جمعى، هو ما حدث فى الصومال، حيث كان لمصر الفضل الأكبر فى أن تحل قوات حفظ سلام جديدة أفريقية (أتميس) العاملة تحت مظلة الاتحاد الأفريقى، محل قوات البعثة المعروفة باسم(أميصوم)، لكون طبيعة القوات الجديدة ستعمل على تحقيق الاستقرار الكامل، بما في ذلك إعادة البناء الأمني والإنساني والسياسي للبلاد، بينما كانت "أميصوم" قوة قتالية فقط. حيث استضافت مصر فى فبراير الماضى الخلوة التى استطاعت من خلالها جمع الفرقاء حول هذا الموضوع. فكانت مصر أحد العوامل التى أدت إلى نجاح تغيير هذا النمط من القوات، واستمرار التمويل الأوروبى للقوات الأفريقية، للوصول بالصومال إلى تحقيق أجندتها فى الاستقرار الداخلى. ونقل مسئوليات الأمن من القوات الأفريقية الى القوات الصومالية عندما تكون مستعدة من خلال بناء القدرات، ولدينا خبراء يعملون هناك مع الأمم المتحدة ويقدمون دعماً كبيراً جدا.  

    وهنا أحب الإشارة إلى أن زيارة الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود لمصر خلال الأيام الماضية، واستقبال الرئيس السيسى له، جاءت عرفان لدور مصر الكبير وجهودها فى تحقيق الاستقرار ببلاده، ليس فقط الاستقرار الأمنى الداخلى بها، لكن أيضا الاستقرار الاقتصادى. كما جاءت الزيارة لطلب المساعدة من مصر فى التنمية خلال المرة القادمة. وهنا أؤكد أن اتساع رقعة التواجد المصرى فى الصومال سوف يضيق على بعض الدول الأجنبية المتواجدة هناك والتى تسعى لتحقيق مصالحهاوأجنداتها الخاصة. وهو عكس الدول التى تقوم به مصر التى لا تسعى فقط سوى لتحقيق التنمية والاستقرار والرفاهية للشعب الصومالى بدون السعى لتحقيق أى مصالح أخرى، والتاريخ يؤكد ذلك. 

   أيضا من الأمثلة المتعلقة بالدعم المصرى فى الإطار الجمعى، وجود قوات مصرية فى دولة مالى هى أكبر عدد قوات هناك يقدر عددها حوالى 1400 يعملون بكتيبة النقل واللوجيستيات تحت مظلة الأمم المتحدة. وقد قدمت مصر تضحيات كبيرة جداً لهذه الدول، ولكن هذه التضحيات هى ثمن ندفعه لإثبات التواجد الفعلى لنا والسعى إلى تحقيق السلام والاستقرار بهذه الدول. 

   أما فى الدعم والمساعدة من جانب مصر للدول الافريقية فى الإطار الثنائى، فهناك تواصل دائم من خلال بعثاتنا الدبلوماسية فى افريقيا وعددها 36 بعثة، وهى على اتصال دائم مع كل المستويات، بداية من رئيس الجمهورية إلى كبار المسئولين فى هذه الدول. ولا تتوانى مصر فى تقديم وتلبية أى طلبات تطلبها الدول الشقيقة منها، ولو النذر اليسير منها.        

   والأهم بالنسبة لمصر هو عملية بناء القدرات بالدول الأفريقية، خاصة فى مجال التدريب الأمنى ومكافحة الإرهاب، فهناك دورات تدريبية تقدمها الكليات العسكرية وكلية الشرطة للكوادر والقيادات الأفريقية، ودورات اعداد القادة تنظمها أكاديمية ناصر العسكرية. فلدينا العديد من المنظومات الأمنية والمؤسسات - كوزارة الدفاع ووزارة الداخلية -  نستطيع من خلالها أن نبنى قدرات هذه الدول الشقيقية. أيضا لدينا الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية التابعة لوزارة الخارجية وهى تقدم وتدعم العديد من الدورات التدريبية وبناء القدرات فى مختلف المجالات. 

-  يرى البعض أن هناك تكالب من قبل دول صناعية كبرى على أفريقيا بهدف عدم تعافيها وإبقائها على النزاعات والمشاكل التى تعانى منها، ما رأيك فى ذلك؟  

 

  أفريقياه ى قارة المستقبل، سواء لكون غالبية سكانها من الشباب، أو لتمعتها بموارد طبيعية هائلة. من المؤكد أن الدول الكبرى تنظر إلى هذه الثروات الطبيعية باعتبارها أحد وسائل التقدم واستمراره لديها. حيث تختلف أهداف تلك الدول الكبرى ولانستطيع أن نتهم هذه الدول بأنها تسعى لإستغلال موارد القاره بشكل غير شرعى أومحاولاتها بإشعال الفتن لاستمرار النزاعات والاضطرابات بها. لكن من المؤكد أن أفريقيا أصبحت منذ فترة طويلة جاذبة بشكل كبير للدول الأجنبية. خلال حقبة الاستعمار الأجنبى بالقارة كان الهدف هو استغلال ثرواتها الطبيعية. وبعد تلك الحقبة الاستعمارية لايزال هناك اهتمام بالقارة كمورد للموارد الطبيعية، فيما دخلت قوى جديدة على الخط بينها الصين ودول أخرى، تسعي الي تحقيق التنمية في دول القارة وفي نفس الوقت الاستفادة من ثرواتها الطبيعية.

البعض يقول أن تواجد القوى الكبرى فى أفريقيا يُضعف من الدور المصرى بها، ولكن ما أراه فى هذا الشأن من وجهة نظرى، أنه كلما استطاعت مصر أن توسع من مساحة تواجدها فى الدول الأفريقية الشقيقة، كلما استطاعت فى نفس الوقت أن تضيق على الدول الأخرى فى وجودها بالقارة. مصر لا تستطيع مواجهة هذه الدول الأجنبية فى حرب مباشرة، لكن ما تستطيع القيام به هو توسيع مساحة تواجدها وأن تُوجد لنفسها موضع قدم فى كل دولة أفريقية تستطيع التواجد فيها.وهذا ما تسعى إليه مصر. فحينما تستطيع ان تُوجد مصر للدول الأفريقية مصالح تربطها بها، فسوف تسعى الدول الافريقية الشقيقة إلينا بدورها، لأننا الأقرب إليها. وهذا ما ألمسه فى كثير من اللقاءات مع المسئولين الأفارقة، حيث يرغبون بشدة فى التعاون والاستعانة بقدرات وخبرات مصر بدلاً من دولة أجنبية معينة، لأنهم كما يقولون على لسانهم: "مصر فهمانا، وتعرف لغاتنا وطباعنا وتقاليدنا". بجانب أيضا الثقة الموروثة عن الإرث التاريخى لمصر داخل القارة، كل هذا يدفع الدول الافريقية إلى البحث عن مصر. 

 مصر تحتاج أن تُوجد لنفسها دائماً مصالح تربطها بالدول الأفريقية. أحد النماذج الأبرز على هذا الترابط، هو مشروع سد جوليوس نيريري الضخم الذى تقوم مصر بانشائه فى دولة تنزانيا. حيث أثبتت مصر من خلال هذا المشروع أنها ليست ضد التنمية فى أى دولة أفريقية أو ضد بناء السدود على وادى النيل على الإطلاق على عكس ما يدعيه البعض.  لكن نقف ضد بناء أى مشروعات يمس بحقنا فى المياه، وبالتالى حينما وجدت مصر فرصة لبناء هذا السد فى دولة شقيقة ومهمة لها لم تتأخر واثبتت أنها جديرة بتنفيذ هذا المشروع الذى تقدر تكلفته 3 مليار دولار وسيوفر لتنزانيا حاجتها الكاملة من الكهرباء وتصدير الفائض إلى دول الجوار. 

 - هناك من يزعم أن مصر تهتم فقط بتقوية علاقاتها مع دول حوض النيل..فما حقيقة ذلك؟ وما الأهمية التى تحملها أفريقيا بالنسبة لمصر على وجه التحديد؟ 

يحرص الوزير سامح شكري دائما علي نفي هذه المزاعم في لقاءاته مع نظراء سيادته من القارة أو خارج القارة، فهذه ادعاءات غير صحيح على الاطلاق، لكن من المهم عندما ننظر لأفريقيا، نضع فى اعتبارنا دوائر الأمن القومى المصرى، ولاشك أن الدائرة الأولى لأمننا القومى هى دائرة حوض النيل التى تعد أهم دائرة فى دوائر علاقاتنا الخارجية، وهذا يرجع لارتباطها بعنصر حيوى يتعلق بحياة ملايين المصريين الذين يعيشون على وادى النيل الذى يبعث إلينا برسائل الحياة كلها. وبالتالى مصر متواجدة فى كل هذه الدول ولديها نشاط ودور تنموى كبير بها، لما تقضيه أوضاعها وظروفها  بأن نقدم لها يد المعونة فى كثير من المجالات. منها على سبيل المثال المجال الصحى، فقد قامت مصر بناء على طلب من دولة أوغندا فى انشاء وحدة صحية بأحد المناطق الواقعة على بحيرة فيكتوريا لخدمة أهالى مدينة جينجا، وتقوم بدور كبير وناجح جدا هناك. أيضا انشاء وحدة صحية بدولة جنوب السودان، ومركز مجدى يعقوب لجراحات القلب المفتوح فى دولة رواندا. تلك المراكز الطبية المصرية هى عنوان كبير لمصر فى أنها تقدم الخدمات الطبية لدول هذه الدائرة من دوائر اهتمامنا الاستراتيجى فى أفريقيا. 

 الدائرة الثانية من دوائر اهتمامنا الاستراتيجي، هى منطقة القرن الأفريقى الصومال وجيبوتى، لكونها دول تتصل اتصالاً مباشراً بأمن مصر القومى، سواء لارتباطها بالملاحة فى البحر الأحمر ومضيق باب المندب، أو لوجود جماعات ارهابية فى هذه المنطقة تقتضى وجود دور وتواجد مصر داخل هذه الدائرة. وأعتقد أن علاقتنا مع  الصومال وجيبوتى والزيارات الرئاسية، إلى جانب المشروعات الكبيرة التى تقوم بها مصر هناك، خير دليل على ذلك. 

أما الدائرة الاستراتيجية الثالثة لمصر، هى دائرة وسط أفريقيا وتشمل تشاد، والمثلث الذى يشهد حركات ارهابية كثيرة وهى مالى وبوركينا فاسو والنيجر، وهذا يجعل مصر تركز بشكل كبير لبناء القدرات لهذه الدول والتعاون على مكافحة الارهاب بها. 

  كما يحظى الغرب الأفريقى باهتمام كبير، والجولة التى قام بها الرئيس السيسى فى غرب افريقيا قبل 3 اعوام، شملت دول غينيا، وكوت ديفوار، والسنغال، كان لها أثر كبير جداً لدى هذه الدول، فضلا عن بناء علاقات قوية مع رؤسائها، فضلا عن تبادل الزيارات معها. وبالتالى عندما نظر الرئيس السيسى إلى غرب أفريقيا، فهو يؤكد على أن مصر لا تقتصر نظرتها واهتمامها فقط على الدوائر الأولى (دول الجوار المباشر) من دوائر الاهتمام الاستراتيجى لمصر، لكن أيضا الاهتمام بالدوائر المتسعة والمتشعبة على امتداد القارة. ومن يزعم أن مصر تهتم فقط بدول حوض النيل.. فهل يوجد النيل فى غرب أفريقيا؟ لكن الغرب الأفريقى هو منطقة رئيسية فى القارة الافريقية تستدعى التركيز المصرى لدعم التعاون مع الدول الواقعة بها. وأحب أن أوضح لك أننا نستقبل على مدار العام الواحد ما يقرب من 7 أو 8 وفود كبيرة من دولة نيجيريا، وهناك لجنة مشاورات سياسية معها، وأخرى مع دولة ساحل العاج وغانا. فهناك حوار مفتوح دائما بهدف ربط المصالح، حيث تعظم مصر من ذلك لدى تلك الدول لكى يصبح لديها نوع من العلاقات والروابط يسمح لها أن تحصل على الدعم السياسى منها فى أى وقت من الأوقات.  

  لا ننسى أيضا جنوب القارة، فهناك دولة كبير جداً وهى جنوب أفريقيا، حيث تجمعنا معها روابط تاريخية، منذ أن استقبل الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الرئيس نيلسون مانديلا وقت قيادته لحركات التحرر فى بلاده، ودعمت مصر دولة جنوب افريقيا إلى أن حصلت على استقلالها، وتشهد العلاقات بين البلدين فى الوقت الحالى تطورا كبيرا. وليس أن دل على هذا، بأن أول لجنة مشتركة تعقد مع أى دولة أفريقية بعد جائحة كورونا، كانت اللجنة المصرية- الجنوب افريقية المشتركة وتم الخروج بنتائج كبيرة. وأعتقد أنها سوف تؤثر على العلاقات المستقبلية بين البلدين خلال الفترة القادمة. 

 - متى يتم الانتهاء من مشروع القاهرة- كيب تاون"؟ وماهو موقف المشروعات الكبرى الاخرى فى القاهرة مثل الممر الملاحى النهرى ؟ 

   مشروع القاهرة- كيب تاون هو أبرز مشروعات القارة الأفريقية الاَن، ونطلق عليه الحلم الأفريقى، حيث سيقوم بربط الشمال بالجنوب بطول 10اَلاف و300 كيلومتر، وكل دولة افريقية تقع على هذا الطريق مُلزمة ببناء الجزء الداخلى الخاص بها فى ربط هذا الطريق. مصر كدولة عملاقة فى الشمال وجنوب افريقيا كدولة عملاقة فى الجنوب هما قاطرتى الانشاء فى هذا المشروع، وبالفعل اقترب المشروع من الاكتمال، فقط يتبقى قطاعات قليلة جدا لم تكتمل بعد. وعند الانتهاء منها سيبدأ محور التنمية، ببناء مشروعات تنموية على جانبى هذا الطريق الحيوى. وهو ما سوف يغير وجه القارة تماما، خاصة مع بدء تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة والكوميسا والنيباد، بالتوازى مع مشروع النقل النهرى عن طريق ربط بحيرة فيكتوريا بالبحر المتوسط، وهو أيضا يمثل حلم كبير، ومصر هى الرائدة فى هذا المشروع. حيث سيسمح للدول الحبيسة مثل بوروندى وأوغندا ورواندا بأن تخرج تجارتها وبضائعها إلى العالم من خلال هذا الممر الملاحى النهرى. هناك أيضا مشروعات أخرى تتقاطع ما بين الشرق والغرب، هذه المشروعات اذا استطاعت الدول الأفريقية تحقيقها، بالتالى سيقرب المسافات بين الدول البعيدة بالقريبة، وسينقل القارة الافريقية إلى دول مترابطة تحقق تبادل المصالح والمنفعة بينها البعض. 

 

- ماذا عن الربط الجوى بين خطوط الطيران الإفريقية، وفتح خطوط جوية جديدة بين القاهرة وافريقيا؟ 

   تسعى مصر فى الوقت الحالى إلى أن تتوسع من حركة النقل الجوى. فى يناير الماضى تم فتح خط جوى مع العاصمة كينشاسا، وهو خط حيوى حيث تعد الكونغو الديموقراطية دولة كبيرة  وعملاقة داخل القارة، وتستطيع أن توفر لمصر الكثير من المواد الخام، كذا تستطيع مصر أن توفر لها الكثير من احتياجاتها الغذائية والصناعية والأسمدة وغير ذلك من منتجات. 

 كما أعادنا فتح خط جوى جديد مع جيبوتى بعد توقف لأكثر 8 سنوات. والصومال أيضا من الدول المرشحة لفتح خط جوى معها إذا ماشهدت الاستقرار، لأن الصوماليين بالفعل لديهم رغبة فى أن تكون مصر مقصد رئيسى لهم. إلى جانب أن الشعب الصومالى " شاطر" فى مجال التجارة. لهذا نجحت مصر فى فتح فرع لبنك مصر وهو البنك الأجنبى الأول الذى يعمل هناك، والذى بمقتضاه سيكون أداة مهمة وقناة شرعية لتقنين عمليات التجارة من خلال التحويلات المالية والنقدية. 

    فى الوقت الحالى، تكثف مصر جهودها لفتح خط جوى مع دولة السنغال ودول أخرى بغرب أفريقيا. أيضا لدينا رغبة فى فتح خط جوى مع بوركينا فاسو، حيث نلمس من الأشقاء الأفارقة الرغبة القوية فى القدوم إلى مصر لأهداف عدة. وهناك مفاوضات تجريها مصر مع 8 دولة افريقية، من أجل فتح خطوط جوية معها خلال الفترة المقبلة، وأعتقد أننا سنستطيع الوصول إلى فتح خطوط جوية مع 5 دول افريقية بغرب وجنوب القارة على أقل تقدير خلال عام 2023. وبذلك تكون مصر قد استطاعت أن تغطى معظم أجزاء القارة الافريقية بخطوط طيران منتظمة. 

 - ماهى أخر تطورات قضية سد الإثيوبى لاسيما مع بدء أديس أبابا الملئ الثالث للسد هذه الأيام؟ 

 المفاوضات حول السد الإثيوبى تشهد فى الوقت الحالى بعض التوقف على مختلف المسارات، هناك مسار أفريقى مُكلف به الاتحاد الأفريقى من مجلس الأمن الدولى لمتابعة هذا الملف. ولم يشهد المسار الأفريقى تحرك منذ فترة فى هذا الإطار. كما أن اثيوبيا ابلغتنا موخرا ببدء الملء الثالث. مصر ضد أى تصرف أحادى دون التشاور مع الدول الشريكة فى هذا الشريان الحياتى والحيوى المهم. ونرى أن أثيوبيا إذا ما اتخذت خطوة أحادية أخرى فهذا يؤكد هذا التوجه الاثيوبى المتعنت تجاه المفاوضات، وبالتالى مصر تسعى دائماً بإرسال رسائل فى كل لقاءاتها الخارجية وفى مختلف دول العالم سواء كانت متفقة معنا فى مبادئنا المائية أو غير متفقة، وهى أهمية التوصل إلى اتفاق قانونى مُلزم شامل حول ملئ وتشغيل السد الأثيوبى فى أقرب وقت ممكن، وهو ما تضمنه قرار مجلس الأمن، لأنه كلما مضى الوقت كلما زادت المخاطر.  

  حل القضية لن يتحقق سوى بالمفاوضات، وقد أظهرت مصر الكثير من الإصرار والتمسك والعزيمة على التوصل الى اتفاق من خلال المفاوضات كونها الحل الأنسب، والأداة الأولى من وسائل تسوية الخلافات والنزاعات الدولية بالطرق السلمية. بعدها تأتى "الوساطة" التى تعد الأداة الثانية. فنحن منفتحين للمفاوضات وأيضا للوساطة، بحيث تستطيع أى من هاتين الأداتين تنفيذ الإعلان الرئاسى الصادر عن مجلس الأمن 2020-2021. وهذا هو الأساس الذى تعمل عليه مصر. 

 - الصين وهى دولة صديقة لمصر لديها شركات تعمل فى عمليات انشاء السد الإثيوبى، لما لديها من استثمارات ومصالح اقتصادية كبيرة فى أديس أبابا .. ماهو الموقف المصرى من ذلك؟  

   دعنى أؤكد، أن القيادة الصينية أكدت للقيادة المصرية فى أكثر من مناسبة، أنه لا يوجد شركات صينية تعمل فى انشاء السد الاثيوبى، وهذا التأكيد من جانب القيادة الصينية نأخذه على محمل الجد والصدق. ونؤمن أن الصين إذا كان لديها استثمارات ومصالح اقتصادية كبيرة مع اثيوبيا، فلا ننسى أن الصين لها الكثير جدا جدا من المصالح الاقتصادية والسياسية داخل مصر، إلى جانب أن العلاقة بين قيادتى البلدين علاقة قوية جداً.  حيث لاتغيب مصر أبدا عن أى قمة تُعقد فى الصين. كما أن بكين موجودة دائماً فى أولوية الاهتمام المصرى والعلاقات بين البلدين قوية ومتينة.  

 - ما الذى تتطلبه الدول الافريقية خاصة فى ظل الظروف الاقتصادية الحالية الصعبة لكى تستطيع أن تضع قدمها على مسار التنمية المنشود وفق أجندة 2063؟ 

   من المؤكد أن العالم فى الوقت الحالى، متأثر بأزمتين، بمعنى أدق، أزمة تولت عنها أزمة أخرى، فإذا كنا شارفنا التغلب على أزمة وباء كورونا، ظهرت فى الأزمة الروسية الاوكرانية التى أدت إلى أزمة كبرى فى سلسلة الأمداد وخاصة الغذاء. أفريقيا ليست بعيدة عن هذه الأزمة، ولكنها من أكثر القارات فى العالم قدرة إذا ما أحسنت فى استغلال مواردها وامكانياتها لمواجهة تلك الأزمة. لكونها قارة  تتمتع بالكثير من الموارد المائية وقدرتها على بناء وتحقيق طفرة فى مجال الزراعة يمكن من خلالها تلبية احتياجاتنا. حيث هناك دول أفريقية لديها القدرة على أن تكون سلة الغذاء ليس للقارة الأفريقية فقط، وإنما للعالم كله.