كرم جبر يكتب: فاروق هل كان فاسداً ؟

كرم جبر
كرم جبر

حكم الملك فاروق مصر فى صيف 1938، وظل قرابة 15 عاماً حتى خُلعه من العرش بقيام ثورة يوليو 1952، وشهدت سنوات حكمه المخاض لنهاية الاستعمار البريطانى، وغروب شمس أسرة محمد على، وحفلت البلاد بحركات ثورية وتحررية، تدعو للاستقلال وزوال الملكية.

فاروق الذى وصفه البعض بـ «الفاسد» له إنجازات كبيرة، فهو الذى أبعد جميع العاملين الانجليز من خدمة القصر وألغى امتيازات السفير البريطانى، وأنشأ جامعة الإسكندرية ونقابتى الصحفيين والمحامين والمعهد العالى للفنون المسرحية، وعيد العلم وتكريم الأوائل، والجمعية المصرية للدراسات التاريخية.

فاروق كان يسدد من جيبه الخاص مصروفات الطلبة غير القادرين وأنشأ مصلحة الأرصاد الجوية ومجمع محاكم الجلاء، وسوق روض الفرج ومشروع الإصلاح الزراعى ، وإطلاق أول صاروخ مصرى بمساعدة الألمان وجامعة عين شمس، وأنشأ نادى القضاة ومجمع التحرير والجهاز المركزى للتنظيم والإدارة والمحاسبات، وقرر مجانية التعليم الجامعى  .

الملك فاروق كان حكيماً فى مشهد الوداع الأخير، وهو يهم بركوب المحروسة، بعد قيام حركة الضباط الأحرار، وكان معه الحرس الملكى والقوات الملكية البحرية، ورفض بشدة حدوث مواجهة بينهما وبين الجيش، رغم ضغوط محيطيه بأن يستخدم القوة ضد الضباط الأحرار.

صعد إليه محمد نجيب على اليخت الملكى المحروسة، وأدى التحية العسكرية لملك مصر، وقال له « جلالة الملك، لقد وقفنا بجانبك سنة 1942، عندما حاصرت دبابات الإنجليز القصر لإجبارك للتنازل عن العرش، لأن الشعب كان يريد ذلك، واليوم نطلب منك الرحيل والتنازل عن العرش، لأن الشعب يريد ذلك».

انحنى الملك لإرادة الشعب والجيش ودشن ميثاقاً وعهداً بأن الجيش لا ينحاز إلا للشعب، وقال فاروق جملته التاريخية الشهيرة «نقطة دم مصرية أثمن عندى من كل عروش الدنيا، والرحيل أهون على قلبى من سفك دماء مصرية حفاظاً على منصبى» .
أياً كان الأمر فالإنصاف يقتضى التعامل مع الأحداث التاريخية وسيرة زعماء مصر بموضوعية ومصداقية واحترام، صحيح أن هناك عادة فرعونية لطمس إنجازات السابقين ووضع الجالسين على العروش بدلا منهم، ولكن يجب أن تنكسر دوائر الانتقام.

لم يكن ضرورياً الصعود فوق جثته، والتنكيل به وتشويهه فى الأفلام السينمائية والكتب المدرسية والتاريخية، وإرغام الجميع على أن يسبق اسمه بكلمة «فاسد» ، وأن يكون الحكم عليه وعلى غيره منصفا.
إذا كُتب تاريخ الأمم بالانتقام والافتراء، فلن ينجو أحد من تلك «اللعنة» التى هى أشد عقاباً من لعنة الفراعنة، ويجب ألا تترسخ أبداً مفردات الخيانة والعمالة.