جلال عارف يكتب: شحنة قمح.. وطيف أمل!

جلال عارف
جلال عارف

وسط ارتياح عالمى كبير، خرجت سفينة شحن صغيرة تحمل علم «سيراليون»، من ميناء «أوديسا» تحمل أول شحنة من الحبوب الأوكرانية منذ بداية الحرب متوجهة إلى لبنان.

حتى اللحظات الأخيرة كانت الشكوك تحيط بتنفيذ الاتفاق الذى تم تحت رعاية الأمم المتحدة، وكانت آخر وأخطر محاولات العرقلة مع هجوم طائرة مسيرة على قيادة الأسطول الروسى فى البحر الأسود فى يوم الاحتفال بيوم البحرية الروسية وفى حضور بوتين.

وقد سارعت أوكرانيا بنفى مسئوليتها عن الهجوم. ويبدو من تجاوز روسيا للأمر أنها اعتمدت النفى الأوكرانى، وإن بقيت الاسئلة حول من أراد التصعيد فى هذا التوقيت بالذات!

ولاشك أن الإفراج عن أكثر من ٢٠ مليون طن من الحبوب المحتجزة يمثل انفراجة فى أزمة الغذاء العالمية.

لكن الأهم هو أنه يفتح الأبواب الموصدة فى حرب أوكرانيا. وعلينا أن نتوقف هنا عند ملاحظة أن أول اتصال بين وزيرى خارجية روسيا وأمريكا منذ الحرب لم يتم إلا بعد توقيع الاتفاق الذى أزال ألغاما فى البحر الأسود أعاقت تصدير الحبوب، وأزال أيضا ألغاما أوقفت القنوات السياسية بين الطرفين الأساسيين فى الحرب.. لتعود الاتصالات بين واشنطون وموسكو.

ويبقى التأثير فى سوق الغذاء العالمى أكبر من العشرين مليون طن المحتجزة من الحبوب. فمن جانب ينهى الاتفاق ورطة أوكرانيا مع بداية موسم جديد بينما المخازن مملوءة بمحصول العام الماضي. ومن جانب آخر فإن روسيا وهى المصدر الأساسى للقمح فى العالم ربطت تنفيذ الاتفاق بإلغاء بعض العقوبات التى تعوق السفن من شحن الحبوب الروسية رغم أن هذه الحبوب كانت خارج العقوبات.

تحقيق ذلك يعنى إتاحة القمح الأوكرانى المحتجز، ومعه خمسون مليون طن من الحبوب قالت روسيا أنها جاهزة لتصديرها، ومعه أيضا إنهاء القلق حول المحصول القادم من البلدين اللذين يعتمد عليهما العالم فى توفير احتياجاته من الحبوب والأسمدة.

مدة الاتفاق أربعة أشهر، والبعض يرى أنها مجرد هدنة بين المتحاربين. لكن العالم لن يسمح باستثئاف حرب التجويع ضده، وأطراف النزاع كلهم- وبلا استثناء قاسوا بما يكفى لأن يدركوا أن الكل فى هذه الحرب خاسر، وأن باب التفاوض الذى انفتح بصفقة القمح لابد أن ينتهى باسكات المدافع  قبل أن تصبح مأساة أوكرانيا مجرد بداية لمأساة الصدام المباشر بين القوى النووية الأكبر  فى عالم لا يتحمل هذا الجنون!!