سلب ذكورة الصبية.. أبشع جريمة تاريخية لخدمة قصور الأثرياء

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

اختص الله سبحانه وتعالى الإنسان بصفات لم تتواجد في غيره من المخلوقات، فلفظ الإنسانية ذاته شمل كافة معاني العطف والشعور بالغير، الرقي والإحسان، وبانعدام تلك الأمور صار الإنسان كالدواب لا شعور ولا عقل.

 

وأساس خلق الإنسان جاء لعبادة الخالق، فأوجد سبحانه العقائد السماوية التي وضعت جميعها قواعدها من الحلال والحرام وميزان الثواب والعقاب، واتفقت على أشياء عدة أهمها أن يكون الإنسان رحيما عطوفا، شاعرا بآلام غيره، لا فرق بين هذا وذاك سوى بالعمل الصالح.

 

لم يفرق الله بين الأبيض والأسود، الرجل والمرأة، الصغير والكبير، فجميعهم كأسنان المشط وأفضليتهم تكمن في تقواهم ليس إلا، لكن نفس البشر الآمرة بالسوء هي من رسخت التفرقة فجعلت من الأبيض سيدا ومن دونه عبيد، جعلت الرجل كاملا والمرأة مخلوقا ناقصا.

 

حين جاء محمد علي إلى مصر، وجد وطنا غارقا في الجهل، وبطبيعة الحال لا تقم لوطن قائمة بدون العلم، فصار استقدام المعلمين والمهرة من أرباب المهن الأجانب، أمرا مألوفا لنقل مصر من الأمية إلى التقدم.

 

كان أحد أبرز هؤلاء الأجانب هو المعروف باسم كلوت بك، مؤسس قصر العيني قلعة الطب في مصر، وعاش كلوت بك في مصر سنوات طويلة استطاع خلالها معرفة الحياة الاجتماعية للمصريين من كافة المناحي بل وأرخ ذلك في كتاب أطلق عليه اسم «لمحة إلى مصر».

 

حديث كلوت بك كان شاملا الحديث عن العقائد، والأمراض في تلك المرحلة وعادات الزواج، كما أنه تحدث عن الاسترقاق والعبودية والتي كانت شائعة آنذاك بالرغم من حرمانيتها، لكن كانت هناك تفاصيل تخص هذا الأمر ربما لا يعلمها البعض كانت أكثر حرمانية وبشاعة، مورست منذ زمان بعيدة بداية من الأمويون والعباسيون وبلاد فارس وبابل وصولا إلى أوروبا وإفريقيا والدولة العثمانية.

 

يقول كلوت بك، إن الاسترقاق بدأ كوسيلة لكسب الثواب فيقوم المخدوم بجلب العبد من سوق العبيد وهو لا يزال طفلا صغيرا يقف عاريا في هيئة مذرية ليربيه في منزله ويقوم الصغير بمعاونته وأسرته في شؤون المنزل، وكلما ارتفع قدر صاحب الدار ماديا كلما علا قدر عبيده فلا يقتصر الأمر على الخدمة فقط بل يصل الأمر إلى تعيينه قهوجيا أو فراشا ويمكن تزويجه لإحدى الجاريات أو أحيانا لابنة صاحب الدار.

 

إلا أن الأمر تغير بمرور الوقت وأصبح العبيد يعاملون معاملة البيوت الأمريكية لا الإسلامية - على حد قوله، وأمام رغبة المخدوم في السماح للعبيد بطرق أبواب النساء والدخول لغرفهم، لم يكن أمامه سوى حل واحد به قدر عظيم من البشاعة ألا وهو عملية «الجُب».

 

وهذه العمليات كانت تسلب رجولة الصبية باعتبارها الحل الأمثل لهؤلاء، وكانت تمارس تلك العملية المحرمة شرعا وإنسانيا منذ سنوات بعيدة وبكافة المجتمعات، كانت في أوروبا وآسيا خاصة بالأثرياء فقط بينما في مصر وإفريقيا متاحة بكثرة والحصول عليهم ميسرة.

 

ويستطرد كلوت بك في كتابه، ليشير إلى أن الصبية المراد جبهم كان يتم اختيارهم بعناية فأعمارهم بين الست سنوات والتسع سنوات، وأن تلك العملية كانت تتم في مدينتين هما أسيوط وجرجا، وتجرى تلك العملية على حوالي 300 صبي سنويا بقرية تسمى زاوية الدير القريبة من أسيوط، وتتراوح أسعارهم بين 1500 قرش و3000 قرش.


وعن موعد إجراء تلك العملية، فقد تم تحديدها لتكون في الخريف، وتحمل تفاصيل تلك العملية قدرا لا يتحمله بشر من الألم تعجز الكلمات عن وصفه وتمتنع احتراما لمشاعر القارئ، ونظرا لعدم وجود المخدر آنذاك وغياب التقدم الطبي المتواجد حاليا فإن عملية الجب تلك كانت تعقبها عملية صب لسائل ساخن للغاية رغبة في تعقيم الجرح، مما كان يتسبب في ألم مبرح ثم يدفن الصغير في الرمال 24 ساعة ليعقب ذلك وضع الكريمات والمهدئات، لكن نظرا لبشاعة الألم فإن ربع الغلمان الذين يتعرضون لتلك العملية لا يكتب لهم الاستمرار في الحياة، أما البقية الباقية فإنهم يقضون الباقي من عمرهم في عذاب نفسي وشعور بالخزي.

 

وعن وصف من يتعرضون للجب، فيتحدث كلود بك ويصف بعضهم بالصلاح والتقوى رغبة في تعويض ما لاقوه من نقص، البعض سليبي اللحية والشاربين، تميل أجسامهم للسمنة وتتغير أصواتهم، محبين لمجالس النساء، تميل مشاعرهم نحو الغموض والوجوم.

 

واختتم الطبيب الفرنسي حديثه عن الجب، بوصفه كجريمة لا تضاهيها أخرى في البشاعة والفظاعة وعدم الدين، هتك لنواميس الطبيعة، خزى وعار على الإنسانية.