مايسة أحمد
ساهمت فاتن حمامة في صياغة صورة جديرة بالإحترام لدور السيدات في السينما العربية، منذ إحترافها التمثيل عام 1940.. ففي عام 1996، وأثناء احتفال السينما المصرية بمناسبة مرور 100 عام على نشاطها، تم اختيارها كأفضل ممثلة، وتم اختيار 9 من أفلامها ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، وفي عام 1999 تسلمت شهادة الدكتوراة الفخرية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وعام 2000 منحتها منظمة “الكتّاب والنقاد المصريين”، جائزة “نجمة القرن”، كما منحت “وسام الأرز” من لبنان، و”وسام الكفاءة الفكرية” من المغرب، والجائزة الأولى للمرأة العربية عام 2001، وفي عام 2007 اختارت لجنة السينما للمجلس الأعلى للثقافة في القاهرة 8 من الأفلام التي ظهرت فيها فاتن لتكون ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، وأطلق عليها لقب “سيدة الشاشة العربية” لأنها لم تقدم أي مسرحيات طوال حياتها، رغم أن بدايتها الثانية كانت على يد “عميد المسرح العربي”، يوسف بك وهبي.
سر آسيا
إنجازات كثيرة حققتها “سيدة القصر” طوال تاريخها الفني، لكن كيف كانت خطواتها الأولى في عالم الفن؟.. ولدت فاتن في 27 مايو عام 1931 بحي عابدين في القاهرة، وكان والدها - أحمد حمامة - من كبار موظفي وزارة المعارف (التعليم حاليا)، وكان يعمل بمدينة المنصورة، وقام بتسجيلها هناك، حيث يمنع القانون قيد المواليد الجدد إلا بمعرفة الأب.
بدأ ولعها بعالم السينما في سن مبكرة، عندما كانت في السادسة من عمرها، عندما أخذها والدها معه لمشاهدة فيلم في إحدى دور العرض بمدينتها، وكانت اللبنانية آسيا داغر تلعب دور البطولة في الفيلم، وعندما بدأ جميع من في الصالة بالتصفيق لآسيا، قالت فاتن لوالدها إنها تشعر بأن الجميع يصفقون لها، ومنذ ذلك اليوم نشأ رابط خفي بينها وبين السينما.
ممنوعة من التمثيل
عندما فازت بمسابقة أجمل طفلة في مصر بنهاية الثلاثينيات، أرسل والدها صورتها إلى المخرج محمد كريم الذي كان يبحث عن طفلة تقوم بالتمثيل مع الموسيقار محمد عبد الوهاب في فيلم “يوم سعيد” إنتاج عام 1940، وأصبح كريم مقتنعًا بموهبة الطفلة، حيث أعجب بها للغاية وقام بتغيير السيناريو لإعطائها دورا أكبر، وحصلت فيه على أول أجر، وكان 10 جنيهات، بعدها رفض والدها عدة عروض سينمائية حرصًا على مستقبلها الدراسي، حتى أقنعه المخرج محمد كريم، فقام بكتابة عقد مع والدها ليضمن مشاركتها في أعماله السينمائية، ثم استدعاها نفس المخرج مرة ثانية في فيلمه الجديد مع عبد الوهاب “رصاصة في القلب” عام 1944، وارتفع أجرها فيه إلى 50 جنيه، ومع فيلمها الثالث “دنيا” عام 1946، تمكنت من حجز مكانها في السينما، وانتقلت العائلة إلى القاهرة تشجيعًا منها للفنانة الناشئة، ودخلت فاتن المعهد العالي للفنون المسرحية في نفس العام، لتكون ضمن دفعته الأولى، بعد أن أسسها الأكاديمي والفنان الراحل زكي طليمات.
شكل جديد للمرأة
لاحظ يوسف وهبي موهبة الفنانة الناشئة، وطلب منها تمثيل دور أبنته في فيلم “ملاك الرحمة” عام 1946، وبهذا الفيلم دخلت مرحلة جديدة في حياتها، وهي الميلودراما، وكان عمرها 15 عاماً في هذا الوقت، لكنها جذبت أنظار النقاد والمخرجين، واشتركت مرة أخرى في التمثيل إلى جانب يوسف وهبي بفيلمي “القناع الأحمر” و”كرسي الإعتراف” عام 1949، وفي نفس العام قامت بدور البطولة في فيلمين، “اليتيمتين” للمخرج حسن الإمام، و”ست البيت” إخراج أحمد كامل مرسي، وحققت هذه الأفلام نجاحًا كبيرا على صعيد شباك التذاكر.
عندما بدأت مشوارها في السينما كان النمط السائد للتعبير عن المرأة إما أن تقضي معظم وقتها في نوادي الطبقات الراقية، وإما تطارد الرجال أو العكس، وأيضًا كانت هناك نزعة إلى تمثيل المرأة كسلعة جسدية لإضافة طابع الإغراء لأفلام ذلك الوقت، وكانت معظم الممثلات في ذلك الوقت يُجدن الغناء أو الرقص، لكن فاتن ظهرت في 30 فيلمًا وكان المخرجون يسندون إليها دور الفتاة المسكينة البريئة، ثم تغير كل هذا مع بداية الخمسينيات، وبدأ التوجه العام نحو الواقعية بتجسيد شخصيات أقرب إلى الواقع، حيث اشتركت فاتن في أول فيلم للمخرج يوسف شاهين “بابا أمين” عام 1950، وفيلم “الأستاذة فاطمة” عام 1952 مثلت دور طالبة في كلية الحقوق من عائلة متوسطة تؤمن إن للنساء دورًا يوازي دور الرجال في المجتمع، كما قامت في نفس العام بتقديم دور البطولة في فيلم “لك يوم يا ظالم”، الذي أعتبر من أوائل الأفلام الواقعية، ومثل الفيلم مصر في المسابقة الرسمية بمهرجان “كان” السينمائي، ثم في فيلم “صراع في الوادي” عام 1954 الذي نافس أيضا في مهرجان “كان”، لكن النقاد يصفون بداية مرحلة النضج لدى فاتن حينما شاركت في فيلم “دعاء الكروان” عام 1959، هذا الفيلم الذي اختير كواحد من أفضل ما أنتجته السينما المصرية.
لكن فاتن تألقت أيضا في الأعمال الرومانسية، وأشهرها “بين الأطلال” عام 1959، الذي كادت أن ترفضه في البداية، لكن أقنعها المخرج عز الدين ذو الفقار والكاتب الكبير يوسف السباعي بقبول الدور، وروَت أنها لا تنسى فضل ذو الفقار في نجاح هذا الفيلم، حيث راهن عليه، ليتم اختياره لاحقا كواحد من أفضل أفلام السينما المصرية على الإطلاق.
عام 1972 قدمت فاتن حمامة دور الأم في فيلم “إمبراطورية ميم” لتبدأ مرحلة جديدة من الأدوار السينمائية التي ركزت فيها على قضايا المرأة، حيث قدمت بعد ذلك فيلم “أريد حلا” عام 1975 الذي غير في قوانين الأحوال الشخصية بمصر في منتصف السبعينيات، وفي عام 1988 قدمت فيلم “يوم حلو ويوم مر” مع المخرج خيري بشارة الذي لعبت فيه دور أم تعاني من إعالة أبنائها في فترة نهاية الثمانينات حيث سطوة الرأسمالية.
عودة بعد غياب
غابت فاتن طوال فترة التسعينيات عن الشاشة، سواء الكبيرة أو الصغيرة، لكنها عادت في عام 2000 لتقدم مسلسل “وجه القمر”، الذي عرض وقتها في 24 قناة فضائية ومحطة تلفزيونية عربية، والذي أنتقدت فيه العديد من سلبيات المجتمع المصري من خلال تجسيدها شخصية مذيعة كبيرة بالتليفزيون، كما تناول العمل أيضا القضايا الفلسطينية، لكن المسلسل صاحبه أيضا ضجة إعلامية تسبب فيها قيام مؤلفة العمل، ماجدة خير الله، برفع دعوى قضائية ضد الشركة المنتجة للمسلسل، تتهمهم بإن المسلسل أصابه التشويه من كثرة الحذف والإضافة في النص من قبل بطلته - والتي وحسب المؤلفة - كانت تتدخل في عمل المخرج سواء بإختيار النجوم أو في عملية المونتاج، لكن رغم هذه الضجة تم اختيار قاتن كأفضل ممثلة، كما اختير العمل كأفضل مسلسل لهذا العام.
في الظل
واجهت فاتن مشكلة في بداية حياتها كادت أن تنهي مسيرتها كممثلة مبكرا، حيث كانت تعاني من “لدغة” في نطق حرف “الراء”، وفشل المتخصصين في التخاطب في علاج الأمر، لكن علاجها جاء على يد الممثل القدير زكي طليمات.
القفص الذهبي
تزوجت فاتن 3 مرات، الأولى كانت عام 1947 من المخرج عز الدين ذو الفقار، حيث تزوجها أثناء تصوير فيلم “أبو زيد الهلالي”، وأسسا معًا شركة إنتاج سينمائية قامت بإنتاج فيلم “موعد مع الحياة” عام 1954، لكن علاقتها بذو الفقار تدهورت لأنها علاقة قامت على إعجاب تلميذة بأستاذها، لتنتهي العلاقة بعد الفيلم مباشرة، ثم تزوجت عام 1955 من الفنان عمر الشريف، بعد أن أشهر إسلامه، وكانت سعيدة معه، لكن الشائعات من جهة، بالإضافة لغيرتها الشديدة – كما وصفت نفسها - أدت إلى استحالة إستمرار الزواج، والذي أنتهى عام 1974، وبعدها بعام واحد تزوجت من طبيب الأشعة د. محمد عبد الوهاب، وظلت معه حتى وفاتها عام 2015، عن عمر يناهز الـ83 عامًا، بعد معاناتها مع المرض لمدة 8 أشهر كاملة.