سمر ياقوت
البهجة كل البهجة في البحر، والفرحة كل الفرحة في زيارته، كلنا نعى ذلك، لكن مع البهجة والفرحة صورة أخرى قاتمة، سوداوية، إطارها الحزن، وفيهما ما فيهما من الدموع والآهات والحسرة، هذه الصورة هي صورة أهالي الغرقى، الأهالي الذين خرج أولادهم ليقضوا إجازة سعيدة، لتتحول هذه الإجازة إلى موعد لانقضاء الأجل، وموعد لبداية الأحزان.. أكثر من واقعة مؤلمة شهدتها أكثر من محافظة ساحلية منذ بداية عيد الأضحى وحتى الآن نسردها في السطور التالية.
شباب أتوا من محافظات مصر إلى عروس البحر البيض المتوسط لقضاء العطلة والاستجمام، أصغرهم 17 عامًا واكبرهم 22 عامًا، تركوا خلفهم أعباء الحياة ليلقوا بأجسادهم النحيلة إلى شواطئ الإسكندرية أملاً في الراحة والاستمتاع بمياه البحر، إلا انهم لم يدركوا أن نزهتهم هذه هي الفصل الأخير لحياتهم، وأن عودتهم لمحافظاتهم ستكون عبر الأكفان المحمولة على الأعناق، مما حول فرحة عيد الأضحى لعدد من الأسر والعائلات إلى ذكرى حزينة ومؤلمة، بسبب فقد أبنائهم وأصدقائهم وأحبائهم بعد أن ابتلعتهم أمواج شواطئ الإسكندرية.
شباب في مقتبل العمر لا يعرفون بعضهم البعض، إلا أن القدر جمع بين لحظة موتهم في وقت متقارب، على الرغم من غرق كل واحد منهم في شاطئ مختلف إلا أن المصير كان واحدًا.
البداية كانت من أول أيام عيد الأضحى المبارك عندما هرب «يونس مستور هيبه» البالغ من العمر 17 عامًا من حرارة الشمس إلى قرية فينوس بأبو صير التابعة لبرج العرب غرب محافظة الإسكندرية لقضاء العطلة والاستجمام ولكنه غرق وقاده القدر إلى النهاية، وابتلعته أمواج الغدر وتحول العيد من فرحة إلى صراخ وعويل.
كما شهدت قرية سلسبيل بالكيلو 61 غرق الشاب «محمد سيد عبد الحميد» البالغ من العمر 20 عامًا بعد إلحاح منه على والدته حتى تسمح له بالذهاب إلى قرية سلسبيل بالساحل الشمالي الكيلو 61، لقضاء عطلة العيد للاستجمام، وبالفعل وافقت والدته وسمحت له، وذهب مع أصدقائه والفرحة تملأ قلبه، لكن ما أن رأى البحر، وخلع ملابسه ونزل يعوم فيه، حتى شاهده الناس بعد نزول المياه يلوح بيده مستغيثًا حتى اختفى تماما، واستعانوا بوحدة الإنقاذ النهري والغواصين لانتشال الجثمان الذي ظل قرابة ثلاثة أيام حتى ظهر جثمانه على سطح المياه في مشهد مؤثر ابكى عيون رواد القرية.
كل حوادث الغرق كوم وحوادث الغرق التي تحدث في شاطئ النخيل كوم آخر، والسبب في ذلك كثرتها، وأن الذين يدخلون الشاطئ يدخلون خلسة لأنه مغلق بأمر المحافظة نتيجة لسوء الشط والموجة التي فيه، والتي يعد من أكثر الشواطئ خطورة ويسمونه الكثير بـ شاطئ الموت.
في هذا الشاطئ، ابتلعت أمواجه أمام شارع 63 غرب، الشاب محمد أحمد القاضي البالغ من العمر 17 عامًا؛ الشاب الذي أتى من الجيزة إلى الإسكندرية لقضاء وقت ممتع والاستجمام برفقة أصدقاء العمر، ولكن تبدلت الأحوال وتحول الفرح إلى حزن حين سحبته أمواج الغدر إلى الداخل واخذ الشاب الغريق يلوح بيده للاستغاثة، ولكنه لفظ أنفاسه الأخيرة وظل فريق الإنقاذ النهري في رحلة البحث عنه لأكثر من أسبوع حتى تم انتشال جثمانه.
حتى الآن، ارتفعت حصيلة الغرقى في محافظة الاسكندرية وحدها لأكثر من ٢٠ غريقًا. وقد سجلت شواطئ الإسكندرية في إجازة عيد الأضحى وحدها ٦ غرقى، بسبب ارتفاع الأمواج وعدم التزام رواد الشواطئ بتعليمات المنقذين ورفع الرايه الحمراء، والنزول في ساعات الصباح الباكر قبل مواعيد العمل الرسمية
أبو تلات
في الساحل الشمالي، لم يكن الوضع مغايرًا عن غيره من الشواطئ، فقد شهدت قرية «سيلفر بيتش» بالساحل الشمالي حالة غرق أخرى لشاب يدعى «محمد سيد» البالغ من العمر 22 عامًا، حيث جاء الشاب إلى الاستجمام واستقبل البحر بالابتسامة العريضة، ولكنه لم يعرف أنه سوف يعيده القدر جثة هامدة وسط حالة من الحزن بين أصدقائه؛ ليكتب النهاية وتطيح به الأمواج إلى الأعماق حتى اختفى بشكل كامل ليلقى مصيره غرقا، وتكون النهاية مصرعه داخل غياهب الأمواج والبحر، وبعد ما يقرب من يومين عاش فيه أهله وذويه ساعات مريرة تم انتشال جثمانه من فرق الغواصين والجهات المعنية، وتم تسليمه لأهليته بعد استخراج تصريح الدفن.
وعلى شاطئ «أبو تلات»، ذلك الشاطئ الذي تموج أمواجه غضبًا وخطرًا وسحبت الكثير من الغرقى، والذي نصحت الأجهزة الأمنية بعدم دخوله، فقد شهد هذا الشاطئ غرق الشاب «محمد مرضي إسماعيل» من سكان محافظة القاهرة ، ذلك الشاب الذي أحضر حقائبه واغراضه لقضاء وقت ممتع برفقة أصدقائه، وعندما أدار وجهه لأعباء الحياة وأسرع للاستجمام بمياه البحر، قضى داخل المياه عدة ساعات وهو لا يدري أنها تسحبه الى الداخل، حتى ابتلعته الأمواج، واخذ يلوح بيده فأسرع إليه المتواجدون لإنقاذه إلا ان محاولاتهم باءت بالفشل، واخرجه فريق «غواصين الخير» المتواجدين بالشاطئ حينها ميتًا ليعود إلى محافظته وسط حالة من الحسرة والحزن أصابت أسرته.
حذرت هيئة الأرصاد الجوية من ارتفاع الأمواج في البحر المتوسط في هذه القترة تزامنًا مع العطلة الصيفية وعيد الأضحى وذلك حرصًا على سلامة المواطنين كما اكد الغواصون؛ أن عدد حالات الغرق العام الحالي اقل من العام الماضي وذلك بسبب انتشار الغواصين واتباع تعليمات السلامة على كل الشواطئ؛ وتقرر غلق شاطئ النخيل من قبل النيابة العامة، كما اكد الكابتن إيهاب الملحي ان على الشباب توخي الحذر وعدم نزول المياه من الساعة السابعة مساء إلى السابعة صباحا وعدم الاستحمام بالبحر اثناء رفع الرايا الحمراء التي تدل على ارتفاع الأمواج والسحب العالي.