فى الصميم

سبعون يوليو.. والمعركة مستمرة!

جـلال عـارف
جـلال عـارف

بعد سبعين عاماً من ثورة يوليو، مازال الأصدقاء والأعداء كما هم، ومازالت الثورة تحتل مكانها فى تاريخ مصر والعرب، ومازالت الحرب عليها مستمرة ومحاولات تزوير التاريخ لا تتوقف، والحديث الوقح عن الجنة التى كانت مصر تعيش فيها قبل ثورة يوليو يبدو كالحديث عن الديمقراطية فى ظل حكم الإخوان الإرهابى الذى أسقطه شعب مصر فى 30 يونيو.

كانت مصر قبل ثورة يوليو جنة موعودة للأفاقين من كل أنحاء العالم ولبضع عشرات من عائلات الباشاوات يتقاسمون معاً ثروات مصر التى يعيش شعبها فى «جحيم حقيقى» يعانى فيه 90٪ من المصريين الفقر المدقع ويحرمون من التعليم والعلاج ويعانون مهازل احتلال يحكم ويسيطر، وقصر ملكى استسلم للفساد والفضائح، وحكومات يتم تشكيلها على موائد القمار.

هذا ما ورثته ثورة يوليو وما جعل قيامها أمراً حتمياً، وهذا ما جعل الشعب بكل طوائفه يلتف حول تحرك الجيش فجر 23 يوليو لتبدأ المسيرة الصعبة والعظيمة فى تاريخنا الحديث وفى أقل من أربع سنوات كانت مصر قد طردت آخر جندى من جنود الاحتلال واستردت قناة السويس، وبدأت نهضة حقيقية فى كل المجالات من أجل بناء الدولة الحديثة.. وكان طبيعياً بعد نهاية الاحتلال وضرب الفساد وبدء التنمية الحقيقية أن تصطدم الثورة بإرهاب الإخوان الذى حاول اغتيال عبدالناصر ودبر لنشر الدمار فى البلاد ولقى جزاء خيانة الوطن وتبنيه للإرهاب طريقاً للسلطة ولو بنشر الدمار وتكفير البشر أجمعين.

ولم تتوقف الحروب يوماً ضد ثورة يوليو.. ورغم ذلك لم يتوقف البناء ولا وهن العزم.. وفى ظل أقسى الظروف بنت مصر 1200 قلعة صناعية كانت آخر دفعة منها فى ظل حرب الاستنزاف ومنها قلعة الألومنيوم.. وضاعفت مصر الدخل القومى من خلال أنجح خطة تنمية باعتراف المنظمات الدولية وكانت العدالة الاجتماعية هى الجناح الثانى للتنمية وكانت الملايين تتصدى للمؤامرات التى لم تتوقف دفاعاً عن الوطن وحمايته لما استردته من حقوق فى ظل الثورة حتى فى لحظات الانكسار «كما حدث فى يونيو 67» كان الشعب هو الحامى وهو الذى وقف وراء عبدالناصر رافضاً الهزيمة وعازماً على الثأر.

كانت يوليو ثورة الشعب التى التف حولها الشعب العربى فى كل الأقطار العربية.. وكانت القاهرة مركزاً لكل الثوار العرب والأفارقة المطالبين بحرية أوطانهم فكانت فى نفس الوقت تقدم للعالم النامى درساً فى التنمية الحقيقية وبناء الدولة وبقدر ما كان الدرس مصدر إعزاز وفخر لكل الشعوب الراغبة فى التقدم كان مصدر إزعاج للأعداء والطامعين فى استمرار نهب الشعوب، ولهذا لم يتوقف عداؤهم ليوليو أبداً.. ولن يتوقف!.

قبل أيام كان الرئيس الأمريكى بايدن فى المنطقة جاء ومعه مشروع من أجل دمج إسرائيل فى المنطقة دون حل القضية الفلسطينية، بإقامة حلف يضم إسرائيل ودولا عربية بحجة محاربة إيران التى تسعى أمريكا بكل الوسائل للتوافق معها(!!).. ذكرنا بايدن دون أن يدرى بمعركة ثورة يوليو ضد الأحلاف الأمريكية المشبوهة فى المنطقة التى قادها عبدالناصر حتى أسقطها.. كان حلف بغداد هو البداية وعندما أرسلت أمريكا مبعوثيها للمنطقة لإنهاء ترتيبات إقامة الحلف، فوجئت بالمظاهرات الحاشدة تجتاح العواصم العربية وتستقبل المبعوثين بهتاف شهير: إيزنهاور لم ناسك..

فتش ع الفراغ براسك!!.. وسقط الحلف وسقط نورى السعيد فى العراق، وانهارت نظرية «الفراغ» الذى تقول أمريكا أنه يحتاجها لتملؤه، وكان عبدالناصر يصر على أن الشعوب العربية هى القادرة على حماية أوطانها، وأن حكاية «الفراغ» ليست إلا وسيلة استعمار جديد يريد أن يرث استعماراً تخلصنا منه بشق الأنفس وبأغلى التضحيات!.

أظن أن بايدن سمع نفس الحديث الذى سمعه يوماً ايزنهاور..

وأظن أن الأهم هو أن ندرك نحن أن المعركة مستمرة وان اختلفت الوسائل وسيظل نهج يوليو فى التنمية والاستقلال والوحدة العربية فى مواجهة نهج الأعداء وتحالفاتهم المشبوهة. بعد سبعين يوليو سيظل الأعداء كما هم، والأنصار كما هم، سيظل الأعداء فى الداخل يكرهون كل ما يذكرهم بالعدل الاجتماعى والكرامة الوطنية وسيظل أعداء الخارج يبشرون بالأحلاف ويدعمون العملاء..

وستظل المعركة مستمرة!