الفقيه الأزهرى الدكتور على الحسينى: نشر الفكر الوسطى يقضى على التطرف

الدكتور على الحسينى
الدكتور على الحسينى

حوار: عبدالهادى عباس

النظرة من الخارج تكون الأقرب إلى الإنصاف، كما قد تملك الحلول لكثير من المشكلات التى لا نراها ونحن نعيش فيها، أو تلك التى لا نعدها أمورًا مهمة بينما هى خطر محدق بنا.. فى هذا الحوار تناقش اآخرساعةب واحدًا من أبنائنا النابهين بالخارج، السفراء الحقيقيين لمصر وللأزهر الشريف؛ أستاذ فقه، وأديب، ومؤرخ، إنه الدكتور على زين العابدين الحسيني، أستاذ الفقه الشافعى وأصوله برواق أكاديمية الدراسات الإسلامية بجامعة ملايا بماليزيا.. وفيما يلى نص الحوار:-

< هل أنت راض عن المسار الأكاديمى الذى سلكته حتى الآن خاصة أن تخصصك الفقه وأنت تميل إلى الأدب؟

- أنا راضٍ عن حياتى وأجتهد كثيرا فى البحث العلمى. وأحدثك أولا عن مسارى الأكاديمى. فقد حصلت على دكتوراه الفلسفة فى الدراسات الإسلامية من أكاديمية الدراسات الإسلامية، جامعة ملايا، (تخصص الفقه وأصوله)، وتعد جامعة ملايا أقدم وأفضل جامعة حكومية فى ماليزيا، وتحتل المرتبة 35 عالميا فى التصنيف العالمى للجامعات، وتمتاز بقوة مناهج البحث التعليمية المعتمدة على أفضل ما وصلت إليه المناهج الغربية التعليمية، وماجستير فى الدراسات الإسلامية، أكاديمية الدراسات الإسلامية، جامعة ملايا- ماليزيا، ودرجة الإجازة العالية (الليسانس)- جامعة الأزهر الشريف، ولى عدة مؤلفات مطبوعة، وبحوث أكاديمية محكمة.

الفقيه المتأدب

< ماذا عن كتاباتك المتعمقة فى المجال الأدبى والتأريخ للأدباء.. وكيف وازنت بين المجالين؟ 

- علاقتى بالأدب ممتدة منذ الصغر، وقد أفاد دراستى للفقه كثيرا؛ وقد كتبت عشرات المقالات الأدبية والثقافية والنقدية فى الصحف المحلية والعربية والعالمية، وأستطيع القول إن هناك أربعة أنواع رئيسة تنحصر فيها كتاباتى. المقال بألوانه المختلفة، والقصة ويندرج تحتها: القصة القصيرة جدا، والكتابة التاريخية الأدبية، وفن الرسائل، ومن أهم الأشياء التى حاولت الحفاظ عليها وبقاءها فى الساحة الأدبية شيئان: المقال القصصى. وهو نوع من فنون الأدب المعاصر كاد أن يختفى. وظهر بقوة فى كتابات المنفلوطى والمازنى والزيات، ويعتمد المقال على حكاية يسردها الكاتب فى مقالته، وتستغرق معظم المقالة، ومن خلال المقال يعالج الكاتب فكرة أساسية، وعادة ما تكون حكايته من مخزون الذاكرة أو من الواقع المشاهد، وتأتى أحداث القصة للتدليل على فكرة أساسية من المقال القصصى. والآخر: كتابة التراجم بلغة تاريخية أدبية، وقد ترجمت لكثير من رواد الثقافة الذين أثروا الحياة العلمية والعملية بكثير من الجهود والمؤلفات ترجمة ذاتية ذات طابع تاريخى أدبي؛ ومما أعتز به فى هذا المجال شهادة الأديب المكين الأستاذ وديع فلسطين لبعض كتاباتى. وقد قدم لى كتابى امداد النيلب بمقدمة بديعة.

< ما أبرز كتبك العلمية وكذلك الإصدارات الأدبية؟ 

- أصدرتُ فى المجال الشرعى التخصصى عدة إصدارات وتحقيقات وبحوث علمية محكمة، وأما ما يخص المجال الأدبى فلى عدة إصدارات منها: الوجه الآخر للإنسانية، (مجموعة قصصية) عن دار الرائدية للنشر والطبع والتوزيع، مصر- السعودية (2021)، ومداد النيل (نصوص نثرية) عن دار تويتة للنشر والتوزيع، مصر (2021)، ومملكة كولابيكا (مجموعة قصصية) عن مطبوعات محمد دحروج بمصر، (2022)، والثقافة وأخواتها ارؤية نقديةب، صدر عن دار الحديثة الكتانية (لبنان- المغرب)، وقدم له بمقدمة وافية الأديب المغربى الدكتور جعفر بن الحاج السلمى. عن دار الحديث الكتانية (لبنان-المغرب)، 2022.

< تكاد أن توقف كتاباتك فى السوشيال ميديا على المؤرخ الدكتور محمد رجب البيومى. فما العلاقة التى ربطت بينكما؟ 

- تتلمذتُ فى مجال الأدب والكتابة على جمعٍ من علماء الأزهر وأساتذة دار العلوم، أجلهم عندى الدكتور محمد رجب البيومى أديب الأزهر ومؤرخه، وقد أطلقتُ عليه لقب االأستاذ الأكبرب، وفى الحقيقة مما حبب إليّ كتابات أستاذى امحمد رجب البيوميب قبل أن أعرفه معرفة شخصية وأتتلمذ له أنّها تعالج قضايا المجتمع وأخلاق الناس بروحانية الدين البعيدة عن الشطط والتطرف، وتدفع إلى الهمم والمعالى بتراجم العلماء وذكر مواقفهم، وتدعو إلى الوفاء الكامل بإشاداته المستمرة بأساتذته، وتنادى بالسماحة وسموّ الأعمال بالتنويه على أفضال مَن يخالفونه فكريا، وهذه الأمور قلّ أن تجتمع فى عالمٍ واحد.

ولعلى هنا أعترف أننى مدين لهذا الرجل بكلّ فضل، حيث شملتنى رعايته التامة وأبوته الصادقة، فامتشقتُ قلم الإنشاء والكتابة عن طريقه، وله عليّ فضل الإرشاد والتوجيه فى الكتابة والقراءة الجادة المثمرة، وبفضل توجيهاته ومتابعته كتبت.

المدرسة البيومية

< لم تكتف بالفقه والأدب بل اتجهت إلى الكتابة التاريخية الأدبية ولك عدة كتب فى تراجم المشاهير.. كيف استهواك هذا المجال التاريخى الصعب؟

- من المناسب هنا الاعتراف بشيء مهم، وهو أن مظاهر العزم فى أحاديث أستاذى المؤرخ محمد رجب البيومى معى كانت توسع فى أنظارى قوة التفكير فى الكتابة الأدبية، وفكرة الأمل فى جمع تراجم الأعيان والمشاهير، كما كانت لكتبه أثرها الظاهر علي؛ خصوصا كتابه امن أعلام العصر كيف تعرفت على هؤلاءب فقد قرأته أكثر من خمس مرات، ولذا فأنا أعد كتاباتى ومقالاتى التاريخية- المتخصصة فى تراجم الصفوة من أدباء وعلماء ومثقفين عرفتهم عن قرب، امتدادا لمدرسة أستاذى البيومى التى أطلقت عليها االمدرسة البيوميةب، وأرى أنها مدرسة أدبية معاصرة مكتملة الأركان، فعملت على تتمة ما قطعته من أشواط فى سبيل بقاء هذه المدرسة من خلال مقالاتى. وما وضعه من لبنات فى ذلك الصرح التاريخى الذى انفردت به تلك المدرسة، وهى الكتابة االأدبية التاريخيةب، ومن ثمار هذا الغرس كان كتابى احديث الأموات.. تراجم ناطقة عن شخصيات سابقةب، وسيصدر منه عدة أجزاء متوالية.

البيومى وشكرى

< أعرف أنه كانت هناك علاقة للدكتور البيومى بالشاعر عبدالرحمن شكرى.. كيف كانت وجوه هذه العلاقة؟

- كان البيومى شغوفا بتراث الشاعر الكبير عبدالرحمن شكرى الأدبى وهو أحد أساطين الأدب الحديث بشقيه النثر والشعر كما يقرأه، فكتب مقالة عنه فى مجلة االعالم العربيب مبينًا أثره التجديدى البارز، مما أثلج صدر شكرى. وقد أخبر الأستاذ نقولا يوسف البيوميَّ ارتياح شكرى لمقاله؛ لأن جميع من كتبوا عن شكرى فى هذه الفترة تناولوه من الناحية الشعرية فقط، وما امتاز به مقال البيومى أنه لفت أنظار الناس إلى كون شكرى ناقدا ذا اجتهاد، ففرح شكري؛ لأن مِن أبناء الجيل مَن يعترف به شاعرا وناقدا على السواء، وبواسطة هذا المقال تمت زيارة أستاذنا البيومى للشاعر عبدالرحمن شكرى فى بيته بالإسكندرية، وكان حلما يراوده منذ زمن، وتحقق عن طريق صديقه العزيز نقولا يوسف، ثم كان ما بينهما من رسائل خطية، ومنها رسالة بخط الشاعر عبدالرحمن شكرى. وفيها تفويض لأستاذنا رجب البيومى بطبع كتبه وتنقيحها.

< كيف كان رأيه فى أدب نجيب محفوظ؟

- توجه البيومى فى كثير من مقالاته إلى أدب نجيب محفوظ بالتحليل والدراسة، وخصه ببعض المقالات النقدية، وكان يرى أن أدب محفوظ نفيس ومتميز، ويحتاج تحليله لكتب مستقلة، ووصفه فى بعض كتاباته بـبالفنان المبدعب، وبـبصاحب الفكر الحى المنيرب، ويرى أن إحاطة نجيب محفوظ الفكرية بدروب الفلسفة أهلته ليكشف مسار التيار الاجتماعى فى عالمه؛ لأنه يرى العالم بمنظار مكبر، ويقرّ أستاذنا البيومى فى كتابه احديث القلمب أن محفوظ صار فى الجانب الأدبى امثالا نادرا للموهبة الأصيلة ذات الاطلاع الثقافى المثمر، وقد اهتدى إلى طريقه الجاد فى أولى خطواته الفكرية، فلم يتعثر فى الشعاب المترامية مضطربا هنا أو هناك، لا يتبين مشرق الضوء، بل عمد إلى الهدف المنشود متئد السير، نشيط الأمل؛ لأنّ صاحب الفكرة المحددة يشعر بشتى الحوافز الدافعة مهما قامت الصعابب، وفى بعض مقالاته وجه نصيحة عزيزة لكُتّاب الرواية والقصة المعاصرين بضرورة الاستفادة منه، فقال: اهؤلاء جميعا فى حاجة إلى أن يأخذوا دروس الجدية الهادفة، والكفاح الجاد عن عملاق سبّاق هو الأستاذ نجيب محفوظب.

تلميذ العقاد

< ماذا عن علاقة البيومى بعملاق الأدب العربى عباس محمود العقاد؟

- كان شديد الحفاوة بأدب العقاد وكتبه، حاثا تلامذته على ضرورة الاعتناء بمؤلفاته والتشبع بأفكاره، وقد اجتمع به وتتلمذ عليه لسنوات، وفى كتاباته ومجالسه الخاصة يصفه بأجلّ الأوصاف، فلا أنسى وصفه للعقاد بأنّه: ارجل عظيم متشامخب، وقد أشاع البعض عن العقاد أنه كاتب متكبر، وهذا ما رفضه البيومى بشدة؛ لأن العقاد- كما عرفه- لا يكون متعاظما إلا مع الكبراء، وأما مع عامة الناس فهو متواضع جدا، فهو يصاحب الناشئة إلّا أنه يأنف من مسايرة المرموقين.

ارتباط دينى

< لك علاقة ممتدة بدولة ماليزيا بعدما حصلت على الدكتوراه منها وتدرس فيها.. من خلال وجودك هناك كيف رأيت التعاون المصرى الماليزى وما أثر المنهج الأزهرى فيها؟

- تعود علاقة ماليزيا بمصر إلى ثلاثينيات القرن الماضى من خلال توافد كثير من طلاب ماليزيا للدراسة فى الأزهر الشريف إلى جانب بعض التخصصات العلمية الأخرى كالطب والهندسة فى بعض الجامعات الأخرى كجامعة المنصورة وجامعة الإسكندرية وجامعة طنطا وغيرها، فارتباط ماليزيا ومصر ارتباط دينى وثقافى وعلمى. ويوجد الآن أكثر من 15 ألف طالب ماليزى يدرسون فى الأزهر الشريف وفى غيره من الجامعات، وهؤلاء الطلاب يكونون عقلية الشعب الماليزى. وبالنسبة للشئون الدينية فلا يكاد الشعب الماليزى يختلف فى الأمور الدينية عن المصريين؛ لأن الدولة تتخذ من الأزهر مرجعية دينية لها؛ كغالب دول العالم الإسلامى. وأغلب القائمين على المؤسسات الدينية الحكومية فى ماليزيا هم من رجال الأزهر الذين درسوا فى مصر، أو من الذين يتخذون مناهج الأزهر مرجعية لهم، كما أن المواسم الدينية فيها لا تختلف عنها فى مصر، فتقام مجالس الذكر الجماعى. وتنشد فيها الأناشيد الدينية المعروفة لدينا، ومن خلال التعامل مع الشعب الماليزى يظهر تقديرهم لمصر وللقيادة المصرية وللأزهر الشريف، ولحبهم فى الأزهر ينتشر بينهم أسماء كثيرة معروفة فى مصر مثل اأزهريب وبسيوطيب وبشافعيب ونحوها، كما أنهم شعب محب لآل البيت، ويوجد كذلك تبادل ثقافى حضارى بين البلدين، فالجامعات الماليزية تحتضن الكثير من الطلاب المصريين الدارسين فى بعض التخصصات العلمية الدقيقة، حتى فى مجال العلوم الشرعية يلتحق بعض الطلبة فى مراحل الماجستير والدكتوراه ببعض الجامعات الماليزية كجامعة ملايا والجامعة الإسلامية العالمية من أجل التزود من المناهج البحثية الحديثة المطروحة؛ لأن أغلب هذه الجامعات تعتمد فى مناهجها البحثية على المناهج الغربية الحديثة، وربما تفوق جامعاتنا العربية فى جوانب متعددة.

التهيئة المجتمعية

< ربما يكون المغترب ذا نظرة أشمل.. لذا ما رأيك فى الثقافة المصرية الآن ومحاولات تطوير التعليم؟

- يعدّ التثقيف عملية مستمرة باستمرار الحياة، إلا أنه يتطلب تنظيما وتخطيطا من خلال النظر فى كيفية إنتاج التثقيف العام الذى يقارن مراحل التعليم، وكيفية توزيعه على جميع فئات المجتمع، كلٌّ على حسب طاقته المعرفية، الأمر الذى يساعد أو يؤدى إلى تطوير التعليم؛ لأنّ كلّ تجارب الدول المتقدمة فى مجال التعليم تثبت أنّ التهيئة المجتمعية لاستقبال المعرفة وإحياء بواعث الثقافة تسبق العمل على تطويره، على أنّ المجتمعات قد باتت فى حاجةٍ ماسةٍ للثقافة؛ لأنها تزيد من إدراك الوعى بأهمية المحافظة على الأوطان من التطرف والأفكار الدخيلة، وتساعد فى ضبط السلوك المجتمعيّ، وتحرك الطاقة البناءة لدى الشباب، وتفجر ينابيع الحب والتراحم.

ومما يخدم هذه النظرة إقامة المشروعات المعرفية العامة؛ كالمشروع الثقافى الذى أطلقته الهيئة المصرية العامة للكتاب قبل سنوات بعنوان اماب، وأصدروا من خلاله عدة كتب تعدّ مداخل أساسية للثقافة فى مختلف المجالات، ومثل هذه المشاريع تزيد من الثقافة، وهى من أقوى أسباب تطوير التعليم الذى له قيمةٌ حضارية، فهو أساس بناء الوطن، وبدونه تقف حضارته، ويستحيل تقدمه، وينعدم تفوقه على غيره.

عالمية اللغة

< اللغة العربية متشابكة مع الدين.. كيف نسهم فى دعم عالمية اللغة العربية لتعريف العالم أكثر بها؟

- لكى تحيا الثقافة العربية وحضارتها فلا بد من انتشار اللغة العربية، ولن يكون ذلك إلا بكثرة استعمالها، وتعدد ثروتها المتنوعة من المعارف العالمية من خلال كثرة التراجم للأعمالِ العلمية والأدبية مما يترتب عليه أن تكون لغتنا واسعة الاستعمال متنوعة الثقافة، ولهذا يجب ألا تتوقف العلوم التى تكتب باللغة العربية على علومنا، بل تتجاوزها إلى ثقافات الأمم الأخرى؛ بحيث لا تكون لغتنا مقصورة على بلد دون آخر، وسيلحظ الناظر للعلوم الحديثة فقر اللغة العربية فيها بخلاف غيرها، وهذا ما يمنع الوصول إلى عالميتها؛ لأن الدارسين من أبنائها يشعرون بالعجز أمام ما يستجد من مصطلحات وعلوم.

فى الغرب يعتزون بكلّ ما ينقل إلى لغتهم من تراث غيرهم؛ كالعرب، إذ يعتبرون هذا النقل دليلاً على عالمية لغتهم، ونحن فى أمس حاجةٍ إلى ترجمة ما وقف تحت أيدينا من تراث غيرنا، أو على الأقل نقل ثقافات وعادات الشعوب الأخرى، وكتابة الرحلات الأدبية، ويوميات الرحل.

تطوير التراث!

< يبدو التراث الآن مدخلا للطعن فى التاريخ والثقافة الدينية العربية.. ما الذى نحتاجه لنفهم التراث بعقلانية ونعمل على تطويره؟

- لا يشك أحدٌ فى قيمة كتب التراث وأهميتها، وينادى بعض المعاصرين بتطوير مادتها بما يناسب روح العصر، ولا غرو فى ذلك، فكما أن السلامة فى الرجوع إلى هذه الكتب عند المهتمين بها، فكذلك من تمام السلامة وكمالها عند آخرين إعادة صياغتها وشرحها بما يناسب الزمن الحالى.

ويتفق هذا التطويرُ مع قاعدةٍ مهمة، وهى أنّ سبيلَ الصلاح فى المحافظة على القديم الصالح، والأخذ بالجديد الأصلح، فإذا كانت هذه الكتب صالحة لأناسٍ فيما مضى فينبغى علينا أن نجعلها أصلح لأوقات قادمة، حيث تقتضى العقلانيةُ الإضافة والتنقيح وملاءمة الواقع، فقد تحتوى بعض هذه الكتب على مسائل ووقائع فى حاجة إلى النقد، وهذا بطبيعته لا يمنع الاستفادة منها، ولا يستلزم أن تكون محصنة عن الردود أو التعقيب، فمراجعة الأفكار ونقدها أولى وأجدى من تركها بالكلية، أو تسفيه كاتبيها، أو الطعن فى قائليها، أو الحكم عليها بأشنع العبارات، وإنّما الفكر ينقد بالفكر.

عقول متجددة

< الإعلان عن جوائز الدولة فرصة سنوية لمهاجمة المؤسسات الثقافية المصرية.. ما رأيك فى ذلك وكيف نحافظ على الكيانات الثقافية الراسخة؟

- فى ظنى يجب الاعتناء والحفاظ أولاً على الكيانات الأدبية القديمة التى كانت لها السبق المعلى فى بثّ روح الثقافة فى مصر فى القرن الماضى. والعمل على إحياء كيانات ثقافية جديدة بعقول شبابية متجددة؛ لأنّ هذه الكيانات تعكس هوية مصر الخالصة التى يجب أن يحافظ عليها، ويستمر دعمها على أعلى مستوى من أجل إكمال مسيرة المعرفة ودور المثقفين، والذى لا يُنتبه إليه أنّ إشغال الشباب بمثل هذه الكيانات والمؤسسات الثقافية المعتمدة من الدولة هو فى أصله حفاظٌ على عقولهم من أن تتخطفها أيدى المتشددين، وبمقارنةٍ سريعة سنلاحظ أنه من المحال أن يكون حاملو الفكر المتطرف من ذوات هذه الملتقيات؛ إذ الأدب والثقافة بوجه عامٍ فى معزلٍ عن هؤلاء، فدعمها من سبل محاربة الأفكار المتطرفة فى الأصل، وهو فى الأساس يخدم الأمن الوطنى.

< إذن.. ما رؤيتك للاستفادة من الثقافة والمثقفين فى دعم وسائل القضاء على التطرف؟

- الثقافة هى الشجرة التى يستظلّ تحتها السلام المجتمعى. فهى التى تحيى الإنسان والمجتمع، وفى إحيائها والنهوض بها إحياء للإبداع فى شتى جوانب الحياة، وفى القضاء عليها إحياء لحالة من الفقر الفكرى والإبداعى عند جميع فئات المجتمع، ينتج عنه كثير من المشكلات الفكرية والأخلاقية، أهمها الغلو والتطرف وضياع منظومة الآداب بأكملها كما هو مشاهد، ذلك لأنّ الثقافة فكرٌ يُعرف، ورأيٌ يُنقل، ولسانٌ يرشد، وحصنٌ من الأفكار الدخيلة على مجتمعاتنا يحمى. وصوتٌ يُسمع، وقدوةٌ حية يُقتدى بها، وكتبٌ يُنتفع بها، ومقالاتٌ تسطر، وأفكارٌ فى الخير تَنتشر، وتربيةٌ تؤثر، وسلوكٌ يُعدل، وأملٌ يتجدد، وشباب يتثقفون، وتعصبٌ يُقضى عليه، وانحرافاتٌ فكرية تموت، وفراغٌ واسعٌ مجتمعيّ لن يستطيع أى أحد ملئه، وإذا ما أردت القضاء على الأفكار المتطرفة التى تهدد المجتمع فانشر بين الناس فكرًا وسطيا من خلال إقامة الندوات والأمسيات الثقافية.