الجثث تتكلم| مفاجآت في قضية الطبيب الشرعي المفصول المتهم بالنصب

قضية الطبيب الشرعي المفصول
قضية الطبيب الشرعي المفصول

كتب: حبيبة جمال 

مثلما الميت لا يعود للحياة، أيضًا الجثث لا تتحرك ولا تتكلم ولاتبوح بأسرارها، وإلا لاداعي لعلم الطب الشرعي الذي يتم تدريسه بكليات الطب وفق أسس علمية ثابتة.

 

منذ عامين، رشحت لي إحدى صديقاتي كتابا كي اقرأه تحت عنوان «وللجثث رأي آخر»، من سلسلة «الموتى يتحدثون أيضا»، ونظرا لشغفي وحبي في قراءة تلك النوعية من المؤلفات أسرعت واشتريت الكتاب، وخلال يومين قرأته كاملا، أسلوب المؤلف جذبني بطريقة جعلتني ألا اتخلى عن الكتاب، رغم أن كل قصة منفصلة عن الأخرى، والمؤلف هو طبيب شرعي، يحكي عن قصص على حد زعمه أنها واقعية قابلته أثناء عمله في الطب الشرعي، ولغرابة القصص دفعني فضولي الصحفي للبحث عنها عبر المواقع الإخبارية والأرشيف، ولكني لم أجد أي معلومة عنها نهائيا، كأنها لم تكن، أو لنقل أنها من وحي خيال المؤلف، ولا أخفي عليكم سرا بأن الشك دخل قلبي ولكن لا يمنع أن الأسلوب عجبني وبشدة، فنحن أمام مؤلف بارع، وأجريت حوارا مع هذا الطبيب، تخيلت أن اللقاء سيكون في مكتبه أو بيته، ولكن فوجئت بأن اللقاء في كافيه، وسألت نفسي؛ هل حوار مع طبيب شرعي يكون هذا مكانه؟

 

بالتأكيد تلك النوعية من القصص تنال إعجاب القراء، وبعد بحث عن رقم الطبيب أعطاه زميل لي، ولكن أبلغني أنه يرفض إجراء أي حوارات او لقاءات، هو فقط ظهر في أحد البرامج مجاملة للمذيعة التي يعرفها، ولكني حاولت معه ولم أيأس، ورحب جدا بالحوار، واتفقنا على موعد للمقابلة داخل كافيه بمنطقة التجمع الخامس، كان ملتزما بالميعاد، جاء مرتديا بدلة رمادية اللون وساعة ماركة معروفة، يبدو أنه معتاد الجلوس في هذا الكافيه، في الأول عرف ملخص الأسئلة التي أريد معرفة إجابتها، وبدأت أسأل وهو يجيب، وفي نهاية اللقاء سألته هل هذه قصص حقيقية أم انها من وحي الخيال؟، فأكد أنها حقيقية مع مزجها بأسلوب فكاهي بعض الشيء، وتغيير في موعد حدوثها ومكان حدوثها أحيانا، وسألته أيضا لماذا يرفض إجراء حوارات او لقاءات تلفزيونية، قال انه لا يريد أن يكون مستهلكا، هو فقط في كل مرة يخرج لنا فيها بكتاب جديد يختار برنامج واحد وجريدة واحدة للتحدث معهما. ونشرنا الحوار في العدد رقم ١٥٠٦ بتاريخ يوم الخميس الموافق٤فبراير من عام ٢٠٢١م. 

 

ومرت الأيام والشهور، حتى فوجئت بالمحامية نهاد أبو القمصان، تتقدم ببلاغ للنائب العام ضد طبيب شرعي مفصول، ادعى القدرة على الحديث مع الجثث ومعرفة أسباب وفاتها، واستغلال ذلك في النصب على المواطنين، قالت المحامية في بلاغها: "المبلغ ضده يعمل طبيبا شرعيا وله مؤلفات في الطب الشرعي يقدمها ويناقشها في العديد من وسائل الإعلام والبرامج التلفزيونية، وقد تواصل مع الشاكية عبر الإنترنت طالبا منها التبرع بمبالغ صغيرة لدعم حالات طبية وحينما وجدها شخصية خيرة لا تتردد في التبرع ادعى إقامة مشروع خيري كبير لدعم المرضى يقوم هو بالعمل عليه، وأنه بحاجة إلى أموال لدعم المشروع وقام بالاستيلاء بطرق الاحتيال من الشاكية على مبالغ مالية مملوكة لها علي دفعات تقدر جملتها بمبلغ 92 ألف دولار قامت بتحويلها له من دولة الإمارات العربية المتحدة، عن طريق إحدى شركات تحويل الأموال، لدعم وجود المشروع الخيري والذي سوف يقوم على إدارته."

 

وأضافت الشاكية: "ومما أدخل الطمأنينة والثقة في نفسها أنه يروج لهذا المشروع بطرق متعددة منها البرامج التليفزيونية التي اعتقدت خطأ أنها تراجع ما يقدم من محتوى، وأيضا عن طريق الإنترنت من مجموعة له على فيسبوك يسمى جروب أهل الخير ينشر عليه حالات مرضية تحتاج للعلاج ولإجراء جراحات يقوم المبلغ ضده باستغلالها ليبعث في نفوس ضحاياه ومنهم الشاكية من المتبرعين المصداقية لأكاذيبه ويجمع من خلاله تبرعات مالية لمساعدة هذه الحالات".

 

وأشارت إلى أن الطبيب المذكور "يظهر على إحدى القنوات الفضائية ليروي أمورا خارقة للطبيعة تحدث له أثناء تواجده بعمله في مشرحة زينهم، إلا أنها مع المتابعة طلبت لأكثر من مرة ما يدل على إقامة المشروع الوهمي، فكان يقدم العديد من الحجج بأنه مريض أو أنه احتاج للأموال لنفسه وسوف يردها لها".

 

وذكرت أنه "اختلق قصصا وهمية بأسلوب خاص أوحى بصحة ما يدعيه من أكاذيب، وإيهام الشاكية وحثها على تسليمه المبالغ المالية المذكورة سلفا، وكلما طلبت تقديم ما يفيد استخدام الأموال في أعمال الخير ادعى حججا متعددة منها أنه مريض وطريح الفراش ومحجوز بالمستشفى لإجراء جراحة عاجلة له ويلزمه مبلغ من المال ليسدد فواتير المستشفى، الأمر الذي جعل الشك يتسلل إليها وأصرت على معرفة اتجاه أموالها فقدم لها وعودا بسداد كل المبالغ جملة فور بيعه لعقار يملكه يقدر ثمنه بملايين الجنيهات دون جدوى".

 

وأوضحت أنها "عندما طالبته برد هذه المبالغ ماطل في ردها بحجج واهية ثم امتنع عن الرد عليها نهائيا، مشيرةً إلى أنها علمت بفصل المذكور من وظيفته كطبيب شرعي بمشرحة زينهم التابعة لمصلحة الطب الشرعي وذلك على أثر قيامه بوقائع نصب واحتيال أخرى".

الطبيب يظهر على صفحته

بعدما عرفت تلك التفاصيل لم يأت في عقلي سوى هذا الطبيب، لأنه الوحيد الذي شرح ما يحدث له وما تعطيه الجثث من إشارات تساعده كيف ماتت ومن قتلها، فتصفحت صفحته عبر الفيس بوك لعل أجد منه ردا على هذا البلاغ لم أجد شيئا، فاتجهت للجروب الذي أسسه، وأيضا لم ينشر عليه شيئا، حتى انهالت تعليقات الناس وسؤالهم عن القصة، فاكتفى بكتابة منشور قال فيه: "طيب ننهي الحوار لحد الرد القانوني صباح باكر بإذن الله.. أقسم بالله العظيم رب العرش العظيم – ثلاثا- قسما غير حانث فيه لم يحدث في حياتي بالكامل أن تحدثت أو تواصلت بأي صورة من الصور أيا كانت أو التقيت أو هاتفت أو قبلت جنيه واحد" أو دولار واحد" تبرع من المدعوة نهاد أبو القمصان في عمري كله ولا حتى رأيتها أو حدثتها مرة واحدة في عمري كله بشكل عارض".

 

في قبضة الأمن

وانهالت التعليقات المجهولة تساند الطبيب، لكن كانت المفاجأة بعد يومين من البلاغ وكتابة رده، أن الأجهزة الأمنية بوزارة الداخلية تمكنت من إلقاء القبض عليه، والذي يدعى: محمد. ن. ش، والمعروف إعلاميا بـ مستريح الطب الشرعي؛ لادعائه قدرته على الحديث مع الجثث، ومعرفة أسباب وفاة اصحابها، وذلك من خلال الظهور في قنوات فضائية، وكذلك إصدار مجموعة من المؤلفات والكتب التي تروج لقدرات خارقة، واستغلال ذلك في النصب على المواطنين.

 

واصطحبت الأجهزة الأمنية، مستريح الطب الشرعي، إلى مسكنه، حيث ضبطت بداخل المنزل، مشغولات ذهبية عبارة عن: خاتم، 2 سلسلة، أسورة، إنسيال، تقدر قيمتهم بـ 100 ألف جنيه تقريبا.

 

كما تم ضبط: إيصالات بنكية، تفيد بوجود حساب لزوجته، المدعوة: إلهام. ع، في البنك الأهلي الكويتي، بالإضافة إلى سيارته، ماركة شيفروليه كابتيفا، موديل 2021، وتلك المضبوطات كانت حصيلة نشاطه من النصب على المواطنين، وتم حبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق هو وشريك له. دخلت مرة ثانية للجروب لأعرف رد فعل الناس بعد القبض عليه، ولكن وجدت أن الجروب تمت ارشفته، اي لا يستطيع أحد أن يعلق على المنشورات أو ينشر أي منشورات جديدة،  الطبيب الأن ماثل أمام جهات التحقيق.