من قتل شينزو آبى؟.. نظريات المؤامرة تحيط بإغتيال السياسى اليابانى

اغتيل رئيس وزراء اليابان السابق شينزو آبى
اغتيل رئيس وزراء اليابان السابق شينزو آبى

 

 

سياسيون: علاقته بأمريكا "سرية" ومقتله أظهر تدنى العلاقات الصينية اليابانية


التاريخ الدموى يشير إلى تحالف تيارات التطرف والجماعات الدينية ولم يكن الأول فى القائمة
 

مي السيد

اغتيل رئيس وزراء اليابان السابق شينزو آبى، والذى بقى فى السلطة كأطول مدة لمسئول كبير فى تاريخ البلاد، أمام العالم أجمع منذ أيام، أثناء تجمع انتخابى بعيدا عن العاصمة طوكيو غرب البلاد، وهو الأمر الذى وصفه محللون بأنه سلسلة فى حلقة الإرهاب السياسى الداخلى التى تعيشه اليابان بعد الحرب العالمية الثانية.

ولليابان تاريخ حافل من الإغتيالات السياسية وإرهاب الجماعات المتطرفة بهدف الضغط على السلطة فى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضى، عندما كان اغتيال رؤساء الوزراء المتواجدين فى السلطة والخارجين منها سمة من سمات السياسة اليابانية، ولكن الحال اختلف عقب ظهور اليابان الديمقراطية، ولكنها كأى دولة أخرى دائما ما تجد عنف من بعض الجماعات المتطرفة، وأحيانا تكون هناك اتهامات بوجود أيادٍ خارجية تحاول بسط نفوذها على اليابان مثل الولايات المتحدة الأمريكية أو الصين وكوريا الشمالية، وكان أبرزها خلال الأيام الماضية نظرية المؤامرة الأمريكية وعلاقتها بمقتل شينزو آبى.. وهو ما سألت عنه أخبار الحوادث عدد من الكتاب والمحللين السياسيين.

فى البداية أكد الكاتب الفرنسى إيمانويل رزافى مدير تحرير موقع جلوبال نيوز لأخبار الحوادث؛ أن شينزو آبى كان يعتبر دستور ما بعد الحرب العالمية الثانية مسالما للغاية، بجانب علاقته الجيدة مع دونالد ترامب الذى قال فى لقاء معه أن التحالف بين اليابان والولايات المتحدة لا يتزعزع طالما هو موجود، وذلك بالتأكيد صدم بعض الدوائر الفكرية فى اليابان.

بينما أشار مجيد بودن المحلل السياسى ورئيس جمعية القانونيين الدوليين بباريس؛ أن القضية شائكة ويبقى السؤال مطروحا هل وطنية شينزو آبى تسببت فى مقتله؟ ومن هو العقل المدبر وراءه؟ بالطبع إصبع الإتهام يتجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية ولكن تبقى هذه نظرية بحته ويجب أن تدعم ببراهين واضحة لمشاركة الولايات المتحدة، لذا من يقول أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت وراء مقتله نابع من فكرة أن شينزو آبى كان سريا بشكل غير علنى إلى حد ما حول دعوته إلى استقلالية اليابان العسكرية وإعادة بناء جيش قوى يابانى كما كان عليه الحال قبل الحرب العالمية الثانية.

أما الدكتور طارق وهبى المحلل السياسى والإقتصادى بباريس فيرى؛ أن نظريات المؤامرة الأمريكية تعتبر كالأفلام الهوليودية، لأن شينزو آبى كان صديق أمريكا والغرب وما يشاع هو بعيد عن الحقيقة بل زعزعة للعلاقات اليابانية الأمريكية، وهو قد يكون من ورائها كالعادة يأتى من تيارات تبحث عن إضعاف الصف الغربى الواحد.

كما أن رئيس الوزراء السابق لليابان كان رجل دولة ومهم، متابعا أن مواقفه لصالح الغرب وبالتحديد من كوريا الشمالية والصين وصياغة علاقة اقتصادية فعّالة مع كوريا الجنوبية والدول الأسيوية التى وصفت بالنمور الأسيوية، كما أن شينزو آبى فتح الباب لإعادة جدولة للموازنة للقوات المسلحة اليابانية، وهذا تم برضا الولايات المتحدة الأمريكية التى لا تزال تحتفظ بقواعد عسكرية مهمة فى اليابان.

ومن ناحيته أكد بسام الطحان أستاذ الجغرافيا السياسية بباريس؛ أن مقتل شينزو آبى يثير تساؤلات عديدة أهمها هل هناك عقل مدبر خلف اليد الفاعلة الآثمة؟.. و إن صح التعبير فالقضية معقدة جدا لأن شينزو آبى اشتهر برغبته فى أن تكون اليابان دولة قوية تعيد النظر فى ما خلفته الحرب العالمية الثانية فى الدستور وغيره من الممارسات السياسية التى فرضها المنتصر حسب رأيه، لذا فهو وطنى 100% لأنه ينتقد كل مخلفات الحرب العالمية الثانية ويدعو إلى استقلالية يابانية تجاه المنتصرين وبدرجة أولى الولايات المتحدة الأمريكية.

الصين وكوريا الشمالية

أما بخصوص وجود أيادٍ أخرى وراء مقتل السياسى اليابانى البارز فقال مجيد بودن؛ «يجب أن نعيد النظر فى تاريخ اليابان مع كوريا الشمالية وغيرها، وحتى كل العلاقات الحالية المتوترة بين اليابان والصين وروسيا وكل التاريخ المعاصر فى علاقات اليابان بالمنطقة يرمى بثقله حول الإتهامات المعقولة التى دعت إلى قتله بإستخدام شخصية مهزوزة وهو القاتل، ومن السهل التلاعب أو توجيه شخصية كهذه لجأت إلى صناعة بندقية بشكل حرفى لقتل شينزو آبى الذى طبع اليابان بسياسته الإستقلالية الوطنية المحافظة للغاية».

وحول ذلك يرى الكاتب والمحلل الفرنسى إيمانويل رزافى مدير تحرير موقع جلوبال نيوز؛ أن حادث اغتيال شينزو آبى سلط الضوء فعليا حول العلاقات اليابانية الصينية المتدهورة، قائلا “فور اغتيال رئيس الوزراء اليابانى تصدرت الواقعة عناوين الصحف على وسائل التواصل الإجتماعى الصينية وهو ما يسلط الضوء على كراهية بكين التاريخية لليابان، فكان ينظر إلى شينزو آبى بالفعل على أنه وريث الإمبريالية اليابانية ولم يحظى بتقدير الصينيين لأنه عارض توسعهم.

والدكتور طارق وهبى يري فى هذا الأمر أن اليابان وسعت من نفوذها فى محيطها الآسيوى بعيدا عن الصين فى دول مثل اندونيسيا، سنغافورة وتايوان، وحتى الإستثمارات فى كل من فيتنام وكامبوديا، لافتا أن اليابان سبقت القطبين الصينى والهندى فى هذه المنطقة، كما تمت صياغة علاقات تعاون مع استراليا أوصلت اليابان إلى استقطاب طلبة ومستثمرين من شتى الدول.

كما أنه دفع وبقوة الوكالة اليابانية للتنمية لتنفيذ مشاريع فى القارة الإفريقية والشرق الأوسط واستطاع أن يقنع شركاؤه فى ال “جى سفن” أن اليابان بقدرتها الصناعية الكبيرة تستطيع وبدعمهم أن تنافس الصين فى عدد من المضامير الصناعية وخصوصا علم الفضاء، ومشاركة اليابان فى القاعدة الفضائية الدولية كما أن عدد رواد الفضاء اليابانيين ارتفع فى حقبة حكمه.

الجماعات المتطرفة

أما عن نظرية المؤامرة الداخلية والإرهاب اليابانى المتطرف قال مجيد بودن المحلل السياسى؛ أن شينزو آبى شغل الحياة السياسية فى اليابان لمدة كبيرة وهى عقدين تقريبا من الزمن، ومن المحتمل أن يكون له أعداء من الداخل، لذا يجب التمهل قبل اتهام الولايات المتحدة ولكن من المؤكد أن اليابان فقدت شخصية وطنية من الدرجة الأولى كانت تحافظ على صورة اليابان التقليدية المحافظة وعلى عظمة الإمبراطور اليابانى وعظمة الثقافة اليابانية وهذا مهم للغاية.. وستظهر لنا الأيام المقبلة إن كان هناك عقل مدبر خارجى أو داخلى وراء اليد الفاعلة فى مقتله .

أما بسام الطحان أستاذ الجغرافيا السياسية بباريس فقال؛ أن لليابان تاريخ دموى من الإغتيالات السياسية على يد التيارات المتطرفة، لكن الحياة السياسية فى اليابان تغيرت عقب الحرب العالمية الثانية ونبتت طبقة سياسية جديدة تتعامل عن طريق التفاوض والتفاهم، وأكد الطحان أن التيارات المتطرفة فى اليابان تتحالف فى أوقات مع التيارات الدينية التى لها رؤية محافظة فى المجتمع فمثلا نرى فى بعض الأوقات أنه يتم الإعتداء على السيدات فى اليابان خلال الإنتخابات لمنعهم من المشاركة، ويمكن أن تكون هذه هى الأسباب الأساسية التى جعلت شخص مثل هذا يقوم بهذا العمل الشنيع.

مأساة للديمقراطية

وقال مجيد بودن المحلل السياسى ورئيس جمعية القانونيين الدوليين بباريس؛ أن اغتيال شينزو آبى هو صدمة للمجتمع الديمقراطى اليابانى، كما وصف إيمانويل رزافى مدير تحرير موقع جلوبال نيوز، أن وفاة رئيس الوزراء اليابانى الأسبق، تعتبر مأساة وصدمة للأمة اليابانية، لأنها تحدث فى ظروف استثنائية، بسبب اغتياله على يد مجنون، لافتا أنها بلا شك واحدة من أكبر المآسى التى عانتها اليابان فى السنوات الأخيرة، لكنها أيضا مأساة للديمقراطية.

 وأيضا يتفق بسام الطحان أنها ضربة للديمقراطية لأن الديمقراطيات شيء هش، ويجب على كل ديمقراطية أن تحمى نفسها بحماية المجتمع من التيارات الدينية المتطرفة لأن المجتمع والديمقراطية تعطى مجال الحريات ولكن يجب أن تكون محمية.

اليابان والإرهاب 

 على مدار المائة عام السابقة شهدت اليابان عددا من الهجمات الإرهابية التى كان لها طابعا فرديا وأخرى لها طابعا منظما، والتى كان لها تأثيرها على البلاد، وكان من أبرز عمليات الإرهاب الفردى هى محاولة فاشلة لقتل جد شينزو آبى نفسه ويدعى كيشى نوبوسوكي عام 1960 وذلك بسبب مراجعة المعاهدة الأمنية بين الولايات المتحدة واليابان عندما كان رئيسا للوزراء، كما تم اغتيال 5 وزراء يابانيين منهم من نجا من الموت ومنهم من لقى حتفه .

فى نفس العام قام طالب قومى متطرف بقتل زعيم الحزب الإشتراكى اليابانى أسانوما إنجيرو بسبب سعيه لتوسيع العلاقات مع قارة آسيا، كما قتل عمدة ناغازاكي ويدعى إيتو إيتشو برصاص أحد أعضاء منظمة ياماغوتشي-غومي والتى تعتبر أكبر منظمة للجريمة المنظمة فى اليابان، بجانب عدد من الحوادث الأخرى.

أما على مستوى الإرهاب المنظم فكان أخطرها هى طائفة دينية تدعى أوم شينريكيو والتى خططت لهجوم عنيف عام 1995 شمل 5 محطات مترو، حيث قام أفراد المنظمة بنشر غاز الأعصاب فى الأنفاق مما أدى لمقتل 14 شخصا وإصابة أكثر من 1000 شخص آخرين، وتمكنت الشرطة اليابانية من القبض على أفراد الجماعة بمقرهم، حيث وجدت كميات هائلة من المواد الكيمائية التى كان من المفترض استخدامها فى تصنيع كميات هائلة من غاز السارين، والتى تكفى لقتل 4 ملايين شخص، والتى تم بسببها تم إعدام العديد من قادة الطائفة على رأسهم زعيمهم الروحي أساهارا شوكى بجانب العديد من القادة عام 2018.

فى السبعينيات انتشرت الجماعات الثورية اليسارية اليابانية فى البلاد كان على رأسها وأخطرها ما سمى بالجيش الياباني الأحمر والذى قام بعمليات كثيرة منها خطف طائرات ومهاجمة سفارات وشركات بجانب مدنيين عزل، ومازالت الشرطة اليابانية حتى الأن تقوم بتعليق ملصقات ونشر تحذيرات لتذكير الناس بأن أفراد الجيش الأحمر اليابانى مازالوا متواجدين وينشرون سياساتهم .