قانون «الإجهاض» يثير الجدل بأمريكا

مظاهرات بالولايات الامريكية
مظاهرات بالولايات الامريكية

كتب: خالد حمزة

حكم تاريخى أصدرته المحكمة العليا الأمريكية، بإلغاء قرارها الصادر 1973 فى قضية «رو ضد وايد»، وهى القضية التى كرست الحق الدستورى فى الإجهاض، ومن شأن إبطال الحكم فى القضية، أن يخِّلف تبعات لا يستهان بها، على إمكان إجراء عمليات الإجهاض فى الولايات المتحدة، وهو ما يعارضه الكثير من السياسيين ونجوم هوليوود، وعلى رأسهم ميشيل أوباما زوجة الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما، كما سيكون لهذا القرار تداعيات فى الخارج، خاصة إذا مكن الحكم القضائى الإدارات الرئاسية الأمريكية المقبلة، من فرض قيود على عمليات الإجهاض فى أماكن أخرى من العالم.

أمريكا استخدمت قانونا ملغى للضغط على دول ومنعت عنها المعونات

استيقظ الأمريكيون على خبر طال انتظاره لدى البعض لـ50 عامًا بعد إبطال المحكمة الأمريكية العليا الحكم الصادر فى 1973 بقضية «رو ضد واد»، الذى كرّس الحق فى الحصول على رعاية طبية للإجهاض، واتخاذها قراراً يقضى بحقّ الولايات منفردة، وليس الدستور الأمريكى، بالفصل فى إتاحة المجال للإجهاض من عدمه، ويشكّل هذا القرار التاريخى، المرة الأولى التى تلغى فيها أعلى محاكم البلاد، حقاً كرّسه الدستور، ومع استعداد المسئولين الجمهوريين، لتطبيق قوانين تجرّم الإجهاض، وفرض أحكام بالسجن وغرامات ضخمة على مقدمى عمليات الإجهاض، والأشخاص الذين يساعدون ويحرّضون على إجراء عمليات الإجهاض، يتزايد الضغط على البيت الأبيض والكونجرس من أجل تعزيز الحماية القانونية للراغبات فى الخضوع لعملية إجهاض، وقد علّقت عيادات الإجهاض المواعيد نهائياً، بينما جلس المرضى فى غرف الانتظار، كما رصدت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

وسارع المشاهير ومنهم ميشيل أوباما، وبعض نجوم ونجمات هوليوود، وسياسيون، بإعلان غضبهم مما اعتبروه عاراً، لافتين إلى أن ما حدث تراجع كبير لحقوق النساء، بل بعضهم استعمل عبارات مثل: أمريكا تحت السيطرة، احتجاجاً على القوانين المقيدة للحريات، وتعامل نجوم هوليوود مع الحكم، وعبروا عن رفضهم للقرار مطالبين الكونجرس بالتحرك، خصوصاً أن قرار المحكمة، يعيد ذكريات قاسية سادت قبل نصف قرن، حينما كان يحدث الإجهاض بعيداً عن المراكز الطبية نظراً لتجريمه، مما كان يعرض النساء لمخاطر صحية ومقدمى الرعاية الطبية للسجن والغرامة، وهى العقوبات التى باتت أكثر خطورة الآن.

واستلهم المشاهير بعض تغريداتهم من تعليقات كبار السياسيين على القرار، بينهم الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما، الذى أعلن رفضه إلغاء القانون، واتفق معه الرئيس جو بايدن، الذى يعارض بشدة منع حق الإجهاض، ووصف ما حدث بأنه خطوة متطرفة وطالب الكونجرس بإصدار تشريع يعطى النساء الحق فى تقرير مصير أجنتهن، بينما أثار الحكم فى القضية ردود فعل إيجابية فورية من الحركة المناهضة للإجهاض فى الداخل.

وتتمتع 16 ولاية إضافة للعاصمة واشنطن بقوانين على مستوى الولاية، تحمى الحق فى الوصول إلى خدمة الإجهاض، أو تكرّس الحق فى الإجهاض. وتخشى الجهات التى توفّر هذه الخدمة، وفود موجة كبيرة من المريضات من ولايات أخرى، أصبح الإجهاض فيها مجرّماً، مما قد يضع ضغطاً هائلاً على أنظمة صحية هشة أساساً، ويقوّض المساواة فى الحماية أكثر.

القضية التى كرست السماح بإجراء عمليات الإجهاض، تعود لـ1973 وكانت مثالاً يحتذى به لمناصرى الحق فى الإجهاض حول العالم، وخلال الأعوام الخمسين الماضية، وجهت الولايات المتحدة رسائل متناقضة إلى العالم حول الإجهاض، فبينما شرع القانون الأمريكى الإجهاض فى الداخل، أعطت القوانين التالية التى سنتها البلاد لاحقاً الإدارات الأمريكية الرئاسية، أدوات سمحت لها بتقييد عمليات الإجهاض فى الخارج، كما لعبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، دورا رئيسيا فى منع عقد اتفاق دولى يحرر الحق فى الإجهاض، ومع ذلك اتجه العالم ببطء نحو إتاحة مجال أكبر، لإجراء عمليات الإجهاض فقد وضعت دول مثل فرنسا والمملكة المتحدة سياسات قانونية خاصة بها ولمستعمراتها السابقة، تحظر الإجهاض.

وتزامنت موجة تحرير الإجهاض فى سبعينيات القرن الماضى مع تعاظم الانتباه لقضايا حقوق المرأة، ومنها الحق فى الحصول على فرص عمل متساوية مع الرجل، وتجريم العنف الأسرى، وعدم التمييز فى قوانين الملكية والميراث، وكان القانون، قبل إلغائه، لعبة فى يد الحزب الجمهورى، لكى يبعد الناخبين الكاثوليك عن الحزب الديمقراطى، ويحشد المحافظين اجتماعياً كى يدلوا بأصواتهم.

وأحرز الجمهوريون انتصارهم القانونى الأول، بعد مدة قصيرة من إعادة انتخاب الرئيس ريتشارد نيكسون لولاية ثانية فى 1972، وفى العام نفسه الذى شهد حكم «رو»، أقر الكونجرس تعديل هيلمز على قانون المساعدات الخارجية، الذى حظر استخدام المساعدات فى عمليات الإجهاض، وبعد ذلك بـ10 فى 1984، أرسل الرئيس رونالد ريجان وفداً إلى المؤتمر الدولى الثانى للسكان فى مكسيكو سيتى، للكشف عن سياسة جديدة تستند إلى تعديل هيملز، تقتطع بموجبها المساعدات الأمريكية فى مجال تنظيم الأسرة من المنظمات غير الحكومية خارج الولايات المتحدة، التى لا تثبت أنها لا تجرى عمليات إجهاض، ولا تقدم معلومات تتعلق بالإجهاض، وهو ما عرف لاحقاً باسم سياسة مكسيكو سيتى، ثم أقر الكونجرس الأمريكى تعديل كيمب - كاستن، الذى فرض تقييداً مماثلاً على المساهمة الأمريكية لصندوق الأمم المتحدة للسكان. وأدت هذه السياسات إلى اقتطاع شطر كبير من التمويل الأمريكى، الهادف إلى دعم خدمات الصحة الإنجابية الشاملة فى الخارج.

ورغم أن هذه السياسات كانت تطبق على جميع الجهات التى تتلقى المساعدات الأمريكية، كان أكثر المتضررين عملياً هم الدول الفقيرة، التى غالباً ما يعتمد سكانها على المنظمات غير الحكومية الممولة من الخارج، للحصول على الخدمات الصحية، وهنا ترى صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، أن سياسات الولايات المتحدة فى شأن الإجهاض فى الخارج، تعد نوعاً من النفاق، فهى تعتبر بموجبها العملية شرعية داخل الولايات المتحدة، وممنوعة على النساء فى بلدان أخرى.

وخلال رئاسة دونالد ترمب، حاولت الولايات المتحدة فرض قيود إضافية على الحق فى الإجهاض فى الخارج، فلم تعد تنطبق فقط على المساعدات التى تخصصها واشنطن سنوياً لأغراض التخطيط الأسرى والصحة الإنجابية، والبالغة قيمتها 600 مليون دولار تقريباً، بل على جميع المساعدات الصحية الدولية التى توفرها كل عام، وتبلغ قيمتها الإجمالية نحو سبعة مليارات دولار .

وفى 2020 شاركت الحكومة الأمريكية، فى رعاية وثيقة إعلان توافق آراء جنيف حول تعزيز صحة المرأة وتقوية الأسرة، التى عبرت عن الالتزام المشترك بمنع الوصول إلى عمليات الإجهاض، مع أنها لم تلزم 34 جهة وقعت عليها بأى سياسات محددة، ولم تنجح المحاولات الأمريكية، كما تقول صحيفة الجارديان البريطانية، لتقييد الحق فى الإجهاض، فى عكس توجه عالمى أوسع نحو تحرير هذا الحق. ومع أن بعض المنظمات الدولية مازالت تنأى بنفسها عن موضوع الإجهاض، أصبحت منظمة الصحة العالمية، مناصراً لتحرير الحق فى الإجهاض.

وفى وقت سابق من العام الحالى، أصدرت منظمة الصحة العالمية أكثر إعلاناتها جرأة فى شأن الإجهاض، إذ نشرت إرشادات للرعاية فى حال الإجهاض، توصى فيها البلدان بعدم تجريمه وإتاحة هذه العملية.

وتسير عدة بلدان نحو رفع القيود عن الإجهاض، وتميل البلدان الغنية إلى سن قوانين ليبرالية فى مسألة الإجهاض، بينما فى البلدان الأقل ثراء، تتراوح القوانين بين الحظر التام من جهة، والسماح بالإجهاض من دون قيود من جهة أخرى، ومنذ 1994 وسعت أكثر من 50 دولة الأسس القانونية لإجراء عمليات الإجهاض، بينما قامت أربع دول هى جمهورية الدومينيكان والسلفادور ونيكاراجوا وبولندا، بتقييد القوانين المعنية بالإجهاض، وخلال العقود الخمسة التى تلت حكم «رو ضد وايد»، استندت سياسات الإجهاض فى معظم البلدان كما تقول صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، إما إلى الهواجس الطبية أو التحالفات مع الكنيسة الكاثوليكية، أكثر منها إلى السياسات الداخلية للولايات المتحدة، وخلال السنوات المقبلة قد يعطى إلغاء القانون الإدارات الأمريكية المستقبلية الجرأة، لكى تدفع بقوة أكبر باتجاه تقييد الإجهاض داخل الولايات المتحدة وفى خارجها.