«ماذا حدث للمصريين؟».. د. مصطفى النشار رئيس الجمعية الفلسفية المصرية: الأخلاق تغيرت ..والعنف فردى وليس «ظاهرة»

د.مصطفى النشار خلال حواره مع «الأخبار»
د.مصطفى النشار خلال حواره مع «الأخبار»

24 عاماً مرت على إصدار النسخة الأولى من الكتاب الأشهر للكاتب الراحل جلال أمين: «ماذا حدث للمصريين؟».. ولايزال السؤال نفسه مطروحا فى محاولة لتفسير ظواهر جديدة وغريبة على المجتمع المصرى، غير تلك التى رصدها الكاتب الراحل فى كتابه، وتقدم «الأخبار» مساهمة بسيطة فى محاولة الإجابة على السؤال.
بالمواجهة العلمية والحوار الثقافى الممتد تنجلى الأزمات وتنحلّ العُقد؛ وتُصبح المعضلات الاجتماعية أكثر اقترابًا من التبسيط والتفكيك؛ بجوار مزيد من ضبط النشر العشوائى على السوشيال ميديا التى أصبحت وبالًا على أبنائنا، لأن المواد المعروضة تقتحم عقولهم الغضّة وتؤثر على قلوبهم البريئة، ومن ثم يُصبحون أسارى لها..

فى هذا الحوار مع الفيلسوف الكبير د.مصطفى النشار، رئيس الجمعية الفلسفية المصرية - ذلك الكيان الأقدم بالشرق الأوسط - نحفر عميقًا فى أضابير هذا العقل الكبير، ونقتحم عليه خلوته المعرفية ومحرابه الفلسفى لنناقش قضايانا الاجتماعية والثقافية المزمنة؛ وذلك فى بداية سلسلة حوارات استلهمنا فيها عنوان الكتاب الأشهر للمفكر الراحل «جلال أمين»: «ماذا حدث للمصريين؟»..

لعل الفلسفة تنجدنا بحلولٍ سريعة ومنجزةٍ للتغيرات المجتمعية الحديثة مثلما أنجدت الإنسانية قديمًا..

وإلى بساط الحوار:

 - الحوار الوطنى «دعوة محمودة» ومشاركة شعبية فى صنع القرار
 - مراكز للعلاج بالفلسفة لأول مرة عربياً 
 - «من الحب ما قتل» مقولة خاطئة.. والسوشيال ميديا تجعل من «الحبّة قبّة»
 - أدعو لإطلاق مشروع قومى العام المقبل للقضاء على الأمية الأبجدية والثقافية
 

بداية.. هل تعتقد أن هناك تغيراً كبيراً قد حدث فى التركيبة المعرفية عند المصريين؟

لا شك أن تغيرًا قد طرأ على ثقافة وأخلاق المصريين قبيل ومع وبعد ثورة يناير 2011م، فضلاً عما أحدثته الثورة الرقمية ووسائل الاتصال الحديثة ومنصات السوشيال ميديا من تأثير على كل فئات المجتمع خاصة الشباب، حيث زادت الأنانية والتفكك الأسرى وأصبح الترابط الاجتماعى مفقوداً وغاب دور الأب والأم وكذلك غاب دور المدرسة والجامعة التربوى بغياب الأنشطة الطلابية الأعوام السابقة وجاء زمن كورونا فازداد الأمر سوءًا.
ليست ظاهرة

هل من الممكن إرجاع الحوادث الأخيرة من الانتحار والقتل والعنف الأسرى إلى قلة الزاد العقلى والمعرفى عند هؤلاء؟

نعم بلا شك، فهذه الحوادث رغم أنها فى رأيى لا تشكل ظاهرة، بل هى مجرد حوادث فردية ضخمتها السوشيال ميديا إلا أنها كشفت عن العوار فى نظامنا التعليمى حيث غياب التفكير العقلى وسيادة التفكير الانفعالى؛ فلو أن مرتكبى هذه الحوادث كان لديهم ولو قدرًا ضئيلًا من مهارات التفكير الفلسفى والمنطقى لفكروا فى الفعل الذى سيُقدمون عليه وفى نتائجه الخطيرة على ذواتهم وعلى ذويهم!

وكم نادينا بضرورة تدريس الفلسفة للأطفال وتدريس مهارات التفكير الفلسفى والعلمى والنقدى للشباب وتدريبهم تدريبًا حقيقياً عملياً على ممارسته حتى يستطيعوا التفكير المستقل، وحتى لا يقعوا فريسة للأفكار المتطرفة من أى اتجاه؛ كما أننا بحاجة لأن نؤسس مراكز للاستشارات الفلسفية حتى يمكن لأى من هؤلاء الأفراد المقبلين على اتخاذ مثل هذه القرارات الخطيرة والمتطرفة أن يلجأ للحوار حولها مع أحد العقلاء القادرين على الحوار والإقناع، وإن شاء الله ننجح فى تأسيس هذه المراكز قريباً.

هل كانت السوشيال ميديا سببًا رئيسيًّا فى انتشار وتضخيم هذه الحوادث.. وهل هى فى خانة المتهم؟

نعم السوشيال ميديا من أخطر المنصات الإعلامية الآن، وهى منصّات تخضع لأهواء الأفراد وليست عليها رقابة ومن ثم فهى «تجعل من الحبة قبة» كما يقولون؛ وكم من معلومات مغلوطة، بل وشائعات مغرضة تنتشر كانتشار النار فى الهشيم فى ساعات تحت دعوى التريند وخلافه!! ولذلك ينبغى أن يحذر الناس من هذه الشائعات ولا يأخذوا أى كلام على الإنترنت على أنه خبر صحيح، بل يُعملوا عقولهم ويتأكدوا من صحة هذه القصص التى تنتشر دون أن يكون لها أى وجه من الحقيقة.

مقولة خاطئة

ما مدى صحة مقولة «ومن الحب ما قتل» فلسفيًّا؟

لا، هذه مقولة خاطئة تمامًا فى رأيى؛ فالحب الحقيقى عاطفة سامية فيها ما فيها من سمو المشاعر ورقتها بحيث يمكن للمحب أن يتنازل عن سعادته الشخصية ليرى من يحبه سعيدًا إذا كانت هناك أى عوائق تعوق ارتباطهما. إن الحب فى الثقافة العربية أسمى العواطف لكنه بفعل سيادة النزعة المادية التى تركز على اللذات الجسدية الآن وشيوع ثقافة التخلف التى تنظر إلى المرأة على أنها مجرد أنثى ينبغى أن تخضع لرغبات الرجل، وبفعل ما يشاهده الشباب على وسائل التواصل الاجتماعى من عُرى وإغواءات جنسية انقلبت الآية، ولم يعد الحب عاطفة تسمو بالمشاعر، بل أصبح رغبات وشهوات جنسية تسعى للإشباع دون أى مراعاة لقيمة أخلاقية أو تعاليم دينية وسطية.

إذن.. كيف نعالج هذه الآفات المجتمعية الدخيلة على الشارع المصرى؟

لا حل إلا حينما نقتنع بأن الإصلاح الثقافى أساس التحديث، فنحن نحتاج لثورة ثقافية وتعليمية فى بلادنا تواكب هذه الثورة التحديثية فى مجالات البنية التحتية والاقتصادية، إن آفة الآفات فى مجتمعنا هى شيوع قيم ثقافة التخلف حيث تتعانق فيها الأمية الأبجدية مع الأمية الثقافية، ومن هنا أناشد الرئيس السيسى بأن يجعل المشروع القومى الأول فى مصر هو القضاء على هذين النوعين من الأمية، فليكن 2023م عام القضاء على الأمية الأبجدية وبداية القضاء على الأمية الثقافية بالتركيز على مسابقات القراءة وإقامة معارض الكتب الرخيصة المتنقلة بين محافظات ومدن وقرى مصر، وإشاعة العدالة الثقافية بين ربوع الوطن لتعود الفرق المسرحية والأفلام السينمائية وزيارات الفرق الفنية وإقامة الندوات التوعوية فى كل مكان، نريدها ثورة ثقافية شاملة على أرض الوطن لنتحول من ثقافة التخلف إلى ثقافة التقدم والحداثة، وحينئذ سيشعر المواطن بمواطنته الحقيقية وتعود إليه ثقته فى نفسه وفى قيمة الأسرة والوطن، وقد قدمت محاولة لوضع معالم لخطة استراتيجية لهذا التحول فى كتاب لى صدر عام 1998م بعنوان: «فى فلسفة الثقافة».

عبقرية المصرى

هل أنت من المتفائلين بوجود الخير بين فئات المجتمع رغم كل ما نراه الآن؟

بالطبع أنا من المتفائلين دائمًا لأننى أؤمن بعبقرية الإنسان المصرى، وبأنه لو توافرت له البيئة والإمكانات المناسبة لأصبحت مصر منارة حضارية جديدة تشيع التقدم والحداثة والفنون الراقية لكل العالم ،وأعيد القول: لو ركزنا على بناء الإنسان المصرى من خلال إصلاح ثقافى حقيقى ونظام تعليمى عربى واعٍ ومتقدم لأعدنا للشباب المصرى انتماءه وحبه لقيم وحضارة بلاده، ولعاش مبدعًا ومنتجًا وسعيدًا على أرض وطنه.

ما الشروط الواجب توافرها فى تربية النشء ليخرج أبناؤنا أكثر وعيًا فلسفياً؟

بضرورة أن نهتم بتعليم الفلسفة للأطفال، وبضرورة تدريب أبنائنا منذ الصغر على مهارات التفكير الفلسفى والعلمى ليكونوا قادرين على الإبداع والاكتشاف والعلم فى كل المجالات، وليكونوا أيضًا محصنين ضد كل أنواع التطرف.

العلاج بالفلسفة

تحدث البعض عن أن الإيمان بالله نوع من العلاج النفسى للاكتئاب.. هل يوجد علاج مشابه بالفلسفة؟

بالطبع، الإنسان المؤمن إيمانًا حقيقياً بالله يكون مؤمنًا فى الوقت ذاته بأن كل ما يجرى فى الكون وما يحدث له إنما هو من تدبير الله ويحظى برعايته، ومن ثم يكون راضيًا وممتناً لله ومدركًا لنعمه الكثيرة علينا، والمؤمن بالله يؤمن بالقدر خيره وشره ومن ثم فهو يسعى ويفعل ما بوسعه ويثق فى أن الله مطلع عليه ويقدر له الخير دائمًا ومن ثم فهو لا يتعرض لأى نوع من الاكتئاب!! كما أن العلاج بالفلسفة يستند فى كثير من الأحوال إلى قيمة أن يرضى الإنسان بقدره ولا يُعاند قدرة الله فى الأرض؛ بل يتكيف مع قدره ويلتمس السعادة الحقيقية من هذا الرضا؛ وقديمًا قال أحد الفلاسفة الرواقيين ليؤكد هذا الرضا: «إنه لو يعلم متى وكيف سيموت لذهب إلى الموت بنفسه»!

دعوة محمودة

بدأت جلسات الحوار الوطنى التى دعا إليها الرئيس السيسى.. لماذا يظن البعض أن الحوار مقصود به الجانب السياسى فقط؟

دعوة السيد الرئيس للحوار دعوة محمودة فى حد ذاتها، لأن الحوار مطلوب فى كل الأوقات، وهو نوع من المشاركة الشعبية فى صنع القرار، ودلالة على أن الدولة المصرية تؤمن بالرأى والرأى الآخر، وأن القيادة السياسية حريصة على الاستماع إلى صوت الناس؛ ولذلك نرحب جميعًا بالحوار لكن ناديت بألا يقتصر على الصفوة فقط من السياسيين والمثقفين ورجال الاقتصاد ورجال الدولة، وألا يكون داخل الغرف المغلقة، كما طالبت بأن يكون ممتداً للقرى والمدن فى أرجاء الوطن حتى يشعر المواطن العادى أننا نسعى لمعرفة رأيه ومطالبه! .

ما الذى ترجوه من نتائج اجتماعية وفكرية لهذا الحوار؟

أتمنى أن يتمخض هذا الحوار الوطنى عن تغيير حقيقى نحو دولة مدنية مفتوحة على كل الآراء، تتيح الفرص المتكافئة لكل موطنيها، قادرة على تحسين دخول كل فئاتها لمواجهة أعباء المعيشة، دولة عادلة تحارب الفساد والرشاوى والشللية وخاصة الشللية السياسية والاحتكارات الاقتصادية، دولة يجد فيها الشباب فرصًا حقيقية للتعليم الوطنى الجيد، ثم فرصًا حقيقية لوظائف ذات مرتبات مجزية تجعله قادرًا على العيش بكرامة شاعرًا بجودة الحياة على أرض وطنه دون أن يفكر فى الهجرة أو فى الغربة؛ دولة تقدر قيمة الفلاح المصرى الشقيان وتكفل له بالفعل حياة كريمة وجيدة، دولة تقدر قيمة العامل فى مصنعه والطبيب فى مستشفاه والعامل فى معمله، دولة تقدر قيمة المثقف المبدع وتقدر إبداعاته وتثمن نتاجه الفكرى والأدبى، دولة تقدر قيمة المعلم فى كل مراحل التعليم وتعطيه أعلى الرتب باعتباره المربى والمعلم صانع الأجيال وقدوتها؛ تلك هى الفئات المهدور حقها فى هذا الوطن والتى تشعر بالدونية وأن أحداً لا يقدر جهدها، وحقيقة أحلم بدولة عادلة تسودها المساواة واحترام القانون والنظام فى كل صغيرة وكبيرة.

الرغى السياسى!

ولكننا دولة راسخة بالفعل فى احترام القانون وتطبيقه.. ما علاقة ذلك بسلوك الناس؟

بالفعل، ولذلك فإن احترام القانون وتفعيله فى كل صغيرة وكبيرة هو ما تتمايز به الدول؛ فالفرق بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة يكمن فى احترام القانون والنظام، إننا نحتاج بشدة لتطبيق القانون بصرامة فى الشارع المصرى حتى نتحول بحق إلى دولة متقدمة يثق فيها المواطن والزائر والمستثمر على حد سواء، إن التحديث الذى تشهده مصر فى كل المجالات لن ينعكس على سلوك الناس إلا من خلال احترام القانون وتطبيقه بحسم على الكبير قبل الصغير ، على الغنى قبل الفقير، على الوزير قبل الخفير؛ فالناس ينظرون إلى الحوار على أنه سياسى لأنهم يعرفون بفطرتهم السليمة أنه لو انصلح حال السياسة والسياسيين لانصلح حال مصر..

الناس عندنا لا تعنيهم صورة النظام السياسى بقدر ما يعنيهم الشعور بالعدالة وأنهم يأخذون حقوقهم المادية والمعنوية فى بلدهم، الناس لا يعنيهم الرغى السياسى بقدر ما يعنيهم هل ستتغير حياتهم نحو الأفضل أم ستعود ريما لعادتها القديمة بعد جلسات «الرغى السياسى» هذه!! .

ما تقييمك لتدريس مادة الفلسفة فى المدارس.. وهل تحتاج إلى إعادة نظر؟

اطمئن، فلدينا فى مصر مناهج متطورة فى المواد الفلسفية يحسدنا عليها كل دول المنطقة، حيث بدأنا منذ عام 2015م تدريس مقررات للتفكير الفلسفى والمنطقى وليس تاريخ الفلسفة فى الفرقة الأولى، ولدينا فى الفرقتين الثانية والثالثة ثانوى مقررات فى الفلسفة التطبيقية معنية بمشكلات الحياة المعاصرة أخلاقية وبيئية وتكنولوجية؛ لقد شاركت بفضل الله مع فريق عمل مميز ضمن مشروع إعادة هيكلة مناهج الثانوية العامة بوزارة التربية والتعليم فى وضع تلك الخطة لتطوير المقررات فى مادة الفلسفة، ثم شاركت مع فريق عمل آخر مميز فكتبنا المادة العلمية المطورة جداً لها؛ وكثير من دول المنطقة الآن تحاول وتتمنى اللحاق بنا فى هذا المجال؛ لكن المشكلة عندنا فى النظام الدراسى الذى يكبل الأستاذ والتلميذ ويجعلهما غير قادرين على تدارس قضايا الفلسفة التطبيقية والمنطق التطبيقى بعقلية منفتحة وحرة؛ وبالطبع فإن الخروج من هذا النفق المظلم يبدأ بمضاعفة رواتب المدرسين للقضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية أولاً، وليقوم المدرس ثانياً بتطوير نفسه ومهاراته، ويقوم فى الفصل بدوره التعليمى وتدريب طلابه معتزاً بنفسه وبقدراته.

جمعية علمية

لماذا لا نرى دوراً اجتماعياً أكبر للجمعية الفلسفية المصرية؟

الجمعية الفلسفية المصرية جمعية علمية فى المقام الأول هدفها تنمية قدرات المتخصصين فى الفلسفة البحثية والعلمية ومناقشة كل ما يخص قضاياهم الفكرية، وهذا الهدف تحققه الجمعية إلى حد كبير من خلال ندواتها التخصصية الشهرية، ومن خلال مؤتمرها العلمى السنوى الذى يستمر من ثلاثة إلى خمسة أيام سنوياً، كما يتم من خلال المجلة العلمية المتخصصة التى تنشر بحوث الأساتذة التخصصية، وقد نجحنا فى العامين الأخيرين فى تطوير كل هذه الجوانب؛ فطورنا الندوات الشهرية لتصبح ذات طابع عام فنطرح موضوعات عامة تهم المتخصص وغير المتخصص، وطورنا بنفس الطريقة المؤتمر السنوى حيث عقدنا مؤتمراً العام الماضى تحت عنوان «فلسفة المستقبل» ليكون موضوعاً يستشرف آفاق المستقبل فى كل ميادين الحياة، وقد لاقى هذا المؤتمر نجاحاً كبيراً واستفاد منه الدرس الفلسفى المصرى والعربى وامتدت توصياته لتشمل قضايا تهم مجتمعنا وحياتنا المستقبلية.

العلاج بالفلسفة!

وماذا عن مؤتمر هذا العام.. وهل سيحمل أفكاراً جديدة تهم الواقع المعرفى للناس؟

بالطبع، وسيعقد مؤتمر هذا العام تحت عنوان «الاستشارة الفلسفية والعلاج بالفلسفة»، ليفتح آفاقاً جديدة للفلسفة والمشتغلين بها ويجعهلم أكثر التحامًا وأكثر أهمية للمجتمع، بعد جلسات هذا المؤتمر المهم الفريد من نوعه - باعتباره يبشر وينشر فكرة العلاج بالفلسفة لأول مرة فى عالمنا العربى، ليس فقط من خلال أبحاث المتخصصين، ولكن أيضًا من خلال استضافة بعض المعالجين بالفلسفة والقائمين بممارسة الاستشارة الفلسفية من بعض الدول الأوروبية؛ تنوى الجمعية بعد ذلك تنظيم دورات تخصصية لتدريب المهتمين من المتخصصين فى الفلسفة ليقوموا بفتح مراكز علاجية بالفلسفة تقوم على التحاور العقلى مع صاحب أى مشكلة ومحاولة مساعدته فى حلها.

المستشار الفلسفى!

إذن.. ما مهمة هذه المراكز العلاجية بالضبط.. وما الفارق بينها وبين العلاج النفسى؟

مهمة «المستشار الفلسفى» هى الحوار المبدع مع الأصحاء الذين تؤرقهم فكرة أو يحاولون الإقدام على قرار قد يضر بهم وبالمجتمع من حولهم، مثل قرار الطلاق أو الانتحار أو القتل أو ما شابه؛ لأن الكثير من القرارات الهوجاء والمتطرفة التى قد يأخذها بعضنا ويقدم على تنفيذها تحت وطأة الغضب أو الانفعال أو الخوف أو غيرها يمكن بالمناقشة العقلانية مع مستشارك الفلسفى أن تعدلها وتعدل عنها؛ فإن مجرد تغيير نمط التفكير من الغضب والانفعال إلى التفكير الإيجابى الهادف لحل المشكلة وليس لزيادة تعقيدها هو من مهام المستشار الفلسفى الذى نتمنى أن نراه موجودًا فى مجتمعنا كما هو موجود فى المجتمعات المتقدمة جنبًا إلى جنب مع المعالج النفسى والمعالج الطبى.

كيف تقرأ المفارقة بين أسعار الحفلات الجنونية لبعض المطربين وسط موجات من الغلاء العالمى.. وما التأثير السلبى لذلك؟

كل شىء فى عصرنا يخضع للعرض والطلب، والرأسمالية المتوحشة التى نحيا فى ظلها لم تجعل هناك مكانًا للقيم والمبادئ والمعايير المعتدلة العادلة؛ ومن ثم لا نندهش حينما نجد أن مجتمعاتنا الآن تسير على رأسها؛ فالأقدام هى الأعلى أجرًا فى العالم، وهناك من لاعبى العالم منَ يحصل على مليون جنيه إسترلينى فى الأسبوع الواحد وهو ما لا يمكن أن يحصل عليه أحد كبار المفكرين والعلماء فى العالم طوال حياته!! وكذلك هناك من الفنانين منَ يتهافت عليه الجمهور أيًّا كان نوع الفن الردىء الذى يقدمه؛ وبالطبع يرتفع سعر تذكرة مشاهدة «سيادته» وهو يتمايل يمينًا ويسارًا رافعًا صوته الضائع وسط الموسيقى الصاخبة ولا يكاد أحد يسمع ما يقول: هل هو غث أم سمين! ولله الأمر من قبل ومن بعد فى عصر غلبت فيه الأقدام ودرجة عُرى الراقصة أو الممثلة تهزم أعتى عقول العالم من العلماء الذين صنعوا كل هذا التقدم العلمى الذى تنتهكه هذه الأصوات والأجسام الراقصة وتستخدم آلياته لبث ذلك الفن الهابط الذى يخاطب الغرائز دون النفوس والقلوب.

هويتنا موجودة

لماذا لا نرى هوية فلسفية وفكرية خاصة بالشخصية المصرية الآن كما كانت فى بداية القرن الماضى مثلاً؟

الهوية الفكرية المصرية موجودة، لكننا لم نعد نسلط الضوء على القادرين على إبرازها بقدر ما نركز كل الأضواء على فاقدى القدرة عن التعبير عنها؛ لقد كان نجوم المجتمع المصرى فيما مضى كبار المفكرين والأدباء، وكم كانت لدينا معارك فكرية وأدبية يختلف فيها قادة الرأى فى كل المجالات، وكان النقاش ثريًّا وبديعًا لدرجة أنه يلهم الأجيال التالية لمواصلة الحوار والنقاش؛ وكان الاختلاف فى الرأى مصدرًا لحيوية المجتمع وإثراء للجميع، وقد كانت الصحف والمجلات والبرامج الإذاعية والتليفزيونية تحتفى بإنتاج كل هؤلاء المفكرين والأدباء وتستضيفهم لمناقشة أعمالهم، وسرعان ما كانت تتحول هذه الأعمال الفكرية والأدبية إلى برامج وأعمال درامية ومسلسلات إذاعية وتليفزيونية وأفلام سينمائية؛ لكن انقلب الحال الآن فلم يعد أحد يهتم بالأعمال الإبداعية.

ولماذا لا تكون الأعمال نفسها ضئيلة ولا ترقى إلى الذوق العام للجمهور؟

ربما؛ وربما لضحالة الثقافة عند المتلقين والمنتجين الذين أصبحوا يتفننون فى إفساد ذوق المتلقى بأعمال مقاولات تكتبها مجموعة من المؤلفين يسمون أنفسهم «ورشة عمل»؛ وهذا شيء ضد طبيعة الإبداع؛ فالإبداع دائمًا فى الفنون والآداب إبداع فردى..

لقد «تسطحت» الشخصية المصرية متأثرة بسطحية وشللية المتحكمين الآن فى الساحة الثقافية والفنية والإعلامية للأسف!!

وانزوى المبدعون الحقيقيون فى كل المجالات مكتفين بالفرجة على المشهد الهزلى الذى نحيا فيه!! .

اقرأ أيضاً | فرقة أوبرا الإسكندرية تشارك في افتتاح الأسبوع الثقافي المصري في الأردن