الحكاية من الأول .. قصة « آخر الليل » وحيد حامد يبدأ مبدعا كبيرا

الكاتب وحيد حامد
الكاتب وحيد حامد

يحيى وجدى

بدأ وحيد حامد كبيرا..

كاتب شاب في أوائل العشرين من عمره، بعيدا عن أي مجموعات أدبية مرتبطة بالسياسة وتنظيماتها كما هو حال أغلب كتاب الستينيات، ومع ذلك نجح في نشر قصصه الأولى، في عدد من المجلات والدوريات الأدبية، بل وترجمت أول قصصه إلى اللغة التشيكية، وكتب عنه الكاتب الكبير يحيى حقي، ونقدت قصصه الناقدة والأكاديمية اللامعة الدكتورة فاطمة موسى، واحتضنه الكاتب المؤسس يوسف إدريس والكاتب الكبير ومبدع المسرح عبد الرحمن الشرقاوي، كأن كل شيء يقول إن هذا الشاب ولد ليكون كاتبا كبيرًا، لكنه وبرغم هذا الزخم الذي أحاط ببداياته اختار أن يكون “سيناريست”، وأن تكون كتاباته لسان آخرين في الإذاعة والمسرح والسينما والتلفزيون، اختار ذلك عن قناعة ولرؤية ثاقبة إنه لن ينافس في حلبة القصة القصيرة والرواية مع تعدد الأصوات الأدبية في الوسط الأدبي والثقافي، وظهور نجوما لامعين مثل بهاء طاهر وجمال الغيطاني وصنع الله إبراهيم ويحيى الطاهر عبد الله ومجيد طوبيا وغيرهمفى توثيقه لتلك الفترة، ذهب وحيد حامد إلى حلبته الخاصة في فن السيناريو وذهب الآخرين وراءه.

نشر وحيد حامد أولى قصصه على ما كتبه المؤرخ الأدبي شعبان يوسف، وهو في التاسعة عشرة من عمره عام 1963 (ولد في يناير 1944) وكان طالبا في كلية الآداب بجامعة عين شمس، ويعتمد يوسف في توثيقة لتلك الفترة على عدد خاص من مجلة “المجلة” التي يترأس تحريرها الكاتب الكبير يحيى حقي صادر عام 1966، ونشر فيه قصة قصيرة لوحيد حامد بعنوان “آخر الليل” وقدمت المجلة وحيد حامد باعتباره طالبا موهوبا، نشرت له قصصا قصيرة  فى صحف ومجلات “المحرر” و”الجمهور الجديد”، و”الشبكة”، و”الحرية اللبنانية”، وأشارت إلى فوزه بإحدى جوائز نادى القصة عام 1963، وترجمت قصته (التمثال) إلى اللغة التشيكية، كما كتب مسرحية بعنوان “ديك عجوز في قفص” من المقرر أن تقدم على المسرح الحديث كما أنه بدأ في كتابة بعض المسلسلات الإذاعية.

ورافق قصته “آخر الليل” المنشورة في عدد “المجلة” تعليقا نقديا للدكتورة فاطمة موسى أستاذة الأدب الانجليزي بجامعة القاهرة. كانت قصة الشاب وحيد حامد تتحدث عن موظف صغير لا يكفيه مرتبه البسيط ولا يغطي احتياجاته الأساسية، لكنه يحلم بأشياء كثيرة له ولخطيبته، ولما توفرت له قروش قليلة ذهب بها إلى السينما وأنفقها كلها وعاد إلى منزله سائرا على قدميه، ليجد المجاري طافحة في شارعه واضطر إلى يغوص فيها ليصل إلى شقته!

من الأحلام، والاستمتاع بالسينما التي هي في الأصل نوعا من الأحلام المجسدة على شاشة بيضاء، يصحوا الموظف البسيط على المجاري القذرة والواقع المأساوي ليجد نفسه مجبرا على الخوض في هذه القذارة ليعود إلى واقعه، أو كما كتبت الدكتورة فاطمة موسى: “اختار كاتب القصة التي بين أيدينا (لقطة) بارعة في حياة هذا الشاب الموظف مغامرة في آخر ليلة بالشهر، وهي تمثل في حياته قرار عودة الإحباط التي يتردى فيها بعد فوات الأيام الأولى من الشهر، بينما الغد المرتقب من قمه أماله، ومعقد أحلامه “بذلة كاملة وتليفون لسناء، وجلسة في (كازينو النهر) وهو حلم على تواضعه بعيد المنال قليل التحقيق، فكما أن أول الشهر آت لا ريب فيه، فآخره يتبع أوله بنفس الرتابة والنظام”.

لقد رافق هذا البطل، لشخص البسيط العائش في الأحلام والباحث عن الأمل فيها، وحيد حامد في أغلب أعماله الشهيرة في السينما بعد ذلك، نجده في “اللعب مع الكبار” وفي “الإرهاب والكباب” وفي “المنسي” وغيرهم، لقد اختاره نموذجا للشخصية المصرية التي تعافر في الحياة وتجد لفقرها مخارج حتى تصطدم بقسوة الواق عع وكابوسيته!

في عام 1971 نشر وحيد حامد أولى مجموعاته القصصية عن سلسلة “كتابات جديدة” وكان يشرف عليها الشاعر الكبير صلاح عبد الصبور، ونشرت المجموعة القصصية بعنوان “القمر يقتل عاشقه” ووصل في قصصها بناء بطله هذا بأقنعة وعوالم مختلفة، لكنه هو هو نفسه.. الشخص المسحوق الباحث عن الأمل، وعلى ما كتبه الناقد والصحفي محمد عبد الرحمن عن المجموعة، مشيرا إلى كتاب “التيارات المعاصرة في القصة القصيرة في مصر” للدكتور أحمد الزغبي، “فإن وحيد حامد في قصته (القمر يقتل عاشقه) يطرح مأساة الإنسان المسحوق اجتماعيا، والمعدم ماديا، الذي أودى بحياته في نهاية المطاف، فبطل القصة لا يجد له مكانا في هذا العالم وكانه دخيل عليه، ويمتاز طابع القصص بالرمزي، فالأحداث التي يستحضرها الكاتب مهما كانت أسطوريتها إلا أنه يرمز من خلالها إلى قضايا مختلفة من حياتنا”.

لقد أخلص وحيد حامد منذ بداياته الأولى للبسطاء وضحايا الواقع القاهر، فأخلصوا لأفلامه وانتخبوه كاتبهم السينمائي والدرامي الأول، ووضعوه في مجاله بجوار أساطين الإبداع العربي وحتى بعد وفاته.