محمد يادم يكتب :التضحية بالأبناء.. بين أجاممنون وإبراهيم (عليه السلام)

لوحة تصف عملية التضحية بإفيجينيا، قام برسمها Jan Havicksz Steen
لوحة تصف عملية التضحية بإفيجينيا، قام برسمها Jan Havicksz Steen

لا يتعدى الأمر فى نظرى سوى مجرد اللغط وإثارة البلبلة، حتى وإن كان الخلاف قائم بين مَن مِن أولاد إبراهيم تم التضحية به وافتدائه من قبل الله عز وجل، إسماعيل بن هاجر المصرية، أم إسحاق ابن سارة.

يا لكِ يا أرتميس من شديدة الحدب والحنو،، 
على صغار الحيوانات التى تحب الرضاعة،، 
حتى صغار الأسود المفترسة والحيوانات المتوحشة،، 
لذلك أنا أبتهل إليكِ أن تجعلى ذلك 
نذير خير، رغم ما يحمله المشهد من شؤم،، 
كما أدعوك أيها الإله أبوللو، 
أن تحثها كى لا تجعل 
الرياح المعاكسة تعطل 
سفن الدانائيين وتحتجزها 
دون إبحار فترة طويلة 
حتى لا يستدعى الأمر تقديم قربان آخر، قربان مخالف للقانون، قربان كريه
يكون سبباً فى إشعال الصراع، 
فإن الغضب المدمر لا يزال يملأ جنبات القصر داعياً للانتقام لمقتل الابنة. 
(السطور من 140 لـ 155 من مسرحية أجاممنون، لإيسخولوس، ترجمة د. منيرة كروان) 
انتشر بين عدد من المؤرخين عند تناول عملية التضحية بالأبناء؛ لنيل رضا الآلهة، الربط  بين تضحية «إبراهيم» عليه السلام بابنه «إسماعيل» أو «إسحاق» عليهما السلام حسب اعتقاد اليهود ومن ثم الافتداء بالكبش من قبل الآلهة.. يذكر هوميروس فى الإلياذة حكاية فتح طروادة.

والحرب التى استمرت عشر سنوات قضى فيها الحاكم القوى «أجاممنون»، المنتمى لبيت «أتريوس»، وشقيق «مينيلاوس» حاكم إسبرطة، على حكم بيت الملك «بريام» حاكم طروادة وأولاده، «هيكتور» وأخيه أصل المشكلة التى سببت الحرب «باريس».

تجدر الإشارة هنا إلى أن هوميروس فى الإلياذة عند ذكره لبطولات أجاممنون فإنه مر عليها على استحياء، ترى د. منيرة كروان فى مقدمتها لترجمة مسرحية إيسخولوس «أجاممنون» أن هذا المرور البسيط الذى لا يتناسب مع قوة وأعمال أجاممنون؛ ما هو إلا استرضاء لأخيليوس أملاً فى عودته للقتال مرة أخرى. تبتدىء القصة بينما رأت إحدى العرّافات رؤيا للملك «بريام»، حيث سيولد له ولد ذكر سيكون على يديه دمار طروادة..

وبالفعل وُلد له «باريس» فقرر التخلّص منه بوضعه فوق قمة جبل «إيدا» ليموت، ولكن يعثر عليه أحد رعاة الأغنام ومن ثم يقوم بتربيته ويصبح راعياً للأغنام.. لا تقف الحكاية هنا ولكن تختلف الربّات الثلاثة أفروديت وأثينا وهيرا، على تفاحة ألقتها الإلهة «إريس».

وكتبت عليها عبارة «للأجمل»، فتناحرت الربّات الثلاثة على من الأجمل بينهن، فيقررن الإحتكام لأول بشرى يقابلنه، وبالطبع قابلن باريس. حينها أغوته الربات الثلاثة بعد أن سردن عليه القصه كاملة وأعطينه التفاحة آملات أن يعطيها للأجمل منهن .. فوعدته هيرا بالسُّلطة والمجد، وأثينا بالحكمة، وأفروديت بوهبه أجمل نساء الأرض. وبالفعل انساق لوعد أفروديت وأعطاها التفاحة، مما زاد من حنق الأخريات عليه. 


ساعدته أفروديت فى الرجوع لبيت والده وأصبح حاكماً لطرواده، وأحبه الشعب حبا جماً. ولكن لم تكن قد أوفت بوعدها بعد، فقررت أفروديت إرساله لبيت مينيلاوس حاكم إسبرطه، وهناك استطاع بجماله الشديد إغواء «هيلين» زوجة مينيلاوس، ثم أعادتهما سويا لطرواده.

وهنا انتفض كل ملوك الإغريق للدفاع عن شرف مينيلاوس، ومنهم أجاممنون، والذى رأى فى دعمه للقضية مزيدا من فرض السيطرة بضم طروادة. ولكن أثناء الرحلة حدث ما لم يكن متوقعاً حيث قام باصطياد أحد أيائل الربة «أرتميس» مما أثار غضبها، فأوقفت الرياح مما ساهم فى حجز الأسطول فى بحر أوليس»..

ومنعت بذلك تحرك السفن وخروجها بسبب تصرفات أجاممنون المشينة، لكن قرر الكهنة أن أرتميس لن توافق على مرور الأسطول إلّا بشرط واحد؛ وهو أن يضحّى أجاممنون بابنته «إيفيجينيا».

رفض أجاممنون الأمر فى البداية فكيف يضحى بابنته؟ ولكن بضغط من القادة الآخرين وافق فى النهاية. وهنا نجد روايات متعددة منها أن أرتميس أشفقت على أجاممنون وابنته وافتدت البنت بغزال أو ماعز، بينما يصف لنا إيسخولوس فى مسرحيته أجاممنون.

أن أجاممنون ذبحها إرضاءً لأرتميس. وفى حقيقة الأمر يبدو أنّ إيسخولوس على حق، ف الروايات التاريخية المؤكدة تفيد بمقتل أجاممنون فى النهاية على يد زوجته كلمتنسترا، وقيل فيه لسببين: الأول انتقاما منه فى تضحيته بابنته.

والثانى إنها روح الإنتقام من أتريوس والد أجاممنون، حيث قام أتريوس فى الماضى بذبح أولاد شقيقه وقدّم لحمهم لوالده ليأكله جاهلا بأن ما يتناوله هو لحم أولاد ابنه.. بينما يوضح إيسخولوس بأنّ عشيقها إيجستوس هو أحد أبناء عم أجاممنون وقد دفعها لذلك انتقاما لإخوته من والد أجاممنون..  
عندئذ صاح الملك الأكبر سناً أجاممنون قائلاً:
يا له من قدر مقيت سواء عصيت الأمر 
أو رضخت له
وقدمت ابنتى العذراء، زينة منزلنا، 
بيدي، أنا أبوها، 
لتكون قربانا وأرى دماؤها تسيل على مذبح الربة
إن كلا الأمرين شر
كيف أترك الأسطول الذى قدته
وأتخلى عن الحلفاء الذين وقفوا بجانبي؟
حتماً سوف يغضبون بشدة ويتلهفون على تهدئة الرياح
بسفك دم ابنتى العذراء ويعتبرون ذلك عدلاً
ليت الأمر ينتتهى على خير،،
ولكنه فى النهاية خضع لنير الضرورة
وغيّر رأيه وخرجت من عقله أفكار 
خائنة، مهزومة، تنتهك الحرمات
ولم يجعله شيء يغير تفكيره المتهور..
(السطور من 205 لـ 220 من مسرحية أجاممنون، لإيسخولوس، ترجمة د. منيرة كروان) 
بينما فى الجهة المقابلة نجد آراءً لمؤرخين تصف نقل القصة السابقه، تضحية أجاممنون بابنته لاسترضاء أرتميس، من جانب بعض اليهود الذين جاوروا، أو قاموا بالاحتكاك بالإغريق فى سوريا قبل الميلاد ونقلوا عنهم هذه القصة ولتعظيمها قاموا بنسبتها للخليل إبراهيم عليه السلام ..

لكن فى حقيقة الأمر لا يتعدى الأمر فى نظرى سوى مجرد اللغط وإثارة البلبلة، حتى وإن كان الخلاف قائم بين مَن مِن أولاد إبراهيم تم التضحية به وافتدائه من قبل الله عز وجل، إسماعيل بن هاجر المصرية، أم إسحاق ابن سارة. فالأمران بعيدان كل البعد.. تاريخيا استعمر الفلست الإغريق أرض كنعان فى 1250-1180ق.م، ونشأت بجوارهم مستعمرات بنو إسرائيل على هيئة مخيمات صغيرة ومزارع للماشية والخنازير؛ طبقا للتقارير الأثرية. فى تلك الفترة كانت السيادة للفينيقيين والكنعانيين فى معظم أراضى كنعان، إضافة إلى أنهم كانوا يقومون بتقديم أطفالهم كأضحية لآلهتهم. ويرد البعض على تناقل الفكرة بين الإغريق أو الفينقيين وبنوا إسرائيل، أنه تم ربطها بأحد الشخصيات المهمة فى العقيدة لبنى إسرائيل.

وهو نبى الله إبراهيم، وذلك لحض الناس على تجنب التضحية بأبنائهم ومحاولة افتدائهم بالكباش بدلا من ذلك.. ومن حيث المدة الزمنية نجد أقدم المصادر التاريخية فى ولادة إبراهيم عليه السلام وهى التوراة تحدده فى عام 1900 ق.م، بينما يرى الباحثون أن إبراهيم عليه السلام ولد فى الفترة بين 2324-1850 ق.م.. بينما كانت حرب طرواده 1184ق.م وبالتالى هناك فارق زمنى بين القصتين.

وإن كانت الميثولوجيا الإغريقية مملوءة بكم هائل من الأساطير التى لابد من النظر والتمعن فيها، ورؤية أوجه الربط بين تشابهها واختلافها مع العديد من القصص والحكايات والنبوءات التى حدثت فى الديانات السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام.

اقرأ ايضا | عزة كامل تكتب: مذكرات منيرة المهدية