كنوز| كل «خروف» وأنتم بخير

 د. أحمد خالد توفيق
د. أحمد خالد توفيق

بقلم: د. أحمد خالد توفيق

عندما يقترب العيد، تنشأ مشكلة أسرية تتزايد حدتها بسبب شراء الخروف، يبدو الأمر سهلاً فالخراف فى كل مكان وعند كل جزار ومبلغ الجمعية التى قبضتها فى جيبى، لكن أصحاب الخبرة يقولون إننى أحمق تأخرت أكثر من اللازم وفرصة شراء خروف جيد ضاعت للأبد..

البعض يقول إنه كان علىّ أن أبدأ منذ عام، أى بعد عيد الأضحى السابق، والبعض يقول إنه كان علىّ أن أبدأ منذ ثلاثة أعوام، أعتقد أن الذى يزعم أنه كان على البدء وأنا فى سن المراهقة يبالغ نوعًا، دائمًا أنت متأخر، الخراف التى تملأ الشوارع الآن هى أسوأ خراف ولحمها مسمم ومصابة بالسرطان والفشل الكبدى والكلوى، وعندما أسأل لما يشتريها الناس إذن؟ يقولون: «يشتريها البلهاء وأنت لا تريد أن تكون منهم»!

هكذا يتصل صديق بصديق وهذا الصديق يتصل بصديق، وتدور مفاوضات غامضة تشبه عمليات تهريب السلاح التى تمولها المافيا، وفى النهاية يظهر رجل غامض يخبرنى وهو يتلفت حوله والعرق يغمره أن هناك من يربى خرافًا ممتازة على سطح دارهم، أذهب إلى العنوان المريب ليعطونى خروفًا لا أجد فيه أى مزية فهو يشبه أى خروف آخر، دعك من أنه أغلى من أى خروف عند الجزارين، ويقولون لى إنهم أعطونى جوهرة ! 

أعود بالخروف المذهل للبيت، أضعه فوق سطح البناية، أربطه بحبل قوى محكم لأن للخراف هواية غريبة هى الانتحار من أعلى البناية عندما يصعد الجزار السلم صبيحة العيد، وهذا ما أعتقده، أصعد فى الصباح لأضع له الطعام فأكتشف أنه تحرر من الحبل، وأنه سريع جدًا ومفترس كوحش المينوطور فى الأساطير الإغريقية، مطاردة عنيفة على السطح وأنا أحاول الفرار من قرنيه وحوافره بينما هو مصمم على تمزيقى إربًا، تصعد زوجتى على صوت الجلبة فتصاب بالذعر وتتوسل قائلة: «لا تجعله يجرى.. أمى تقول إن الجرى يتلف لحمه»!.

أنجو منه بمعجزة، وأحكم ربطه بحبل غير قابل للمضغ، بينما تلومنى زوجتى على تأخرى فى شراء الخروف، لو اشتريته مبكرًا لاستغنينا عن هذه المشاكل، طبعًا أنا مرهق جدًا فلا أستطيع سؤالها عن العلاقة بين التأخر فى شراء الخروف وسرعته فى الجرى وولعه بمذاق الحبال، على كل حال أقرر أن أعهد لها بمهمة إطعامه. 

ويأتى عيد الأضحى.

بعد الصلاة أقابل وسط بحيرات الدم التى تغطى الشوارع الجزارالذى تتدلى السكاكين والسواطير من حزامه، أطلب منه أن يرافقنى لذبح الخروف، يصعد معى إلى السطح، ينفجر ضاحكا عندما يرى الخروف وهو يقول «أكيد اشتريته من عباس أبو شفة الذى يربى الخراف على سطح البناية»، وأقول «نعم»، فيرد ساخرا «هع.. هع» ولا أفهم المضحك فى الموضوع، المهم أنه ينقض على الخروف ليفتك به فى دقائق، ثم يقول وهو يعد أجرته «معلش، ربنا يعوض عليك هذه المرة، فى العام القادم لو أحيانا الله قل لى منذ آخر رمضان كى أجد لك خروفًا حقيقيًا»، وأسأله «وهل هذا الخروف ليس حقيقيًا؟» فيجيبنى «هع.. هع» وينصرف دون أن أفهم، وعلى كل حال لم أر مشكلة، وكلما أعدت زوجتى طبقًا لا يروق للضيوف أجد أمى تقول «لأنك تأخرت جدًا، والخراف الجيدة خلصت من السوق»، لهذا أفكر فى أن أحجز خروف العام القادم غدًا، صحيح أننى قد أموت فلا أذوق منه قطعة واحدة، والأدهى أن يموت الخروف نفسه، لكن لابد من المقامرة فى لعبة الحياة كى نجد الخراف الأفضل قبل أن يأخذها الآخرون !

من صفحة «أحمد خالد توفيق» 

إقرأ أيضاً| وصفات صحية لطهي الطعام في عيد الأضحى