وثبة كبيرة فى تطور الحياة السياسية وفرصة لإفراز نخبة أكثر وعيًا

نائب رئيس حزب الوفد: الحوار الوطني خطوة نحو تغيير واسع | حوار

د. خالد قنديل خلال حواره مع «الأخبار»
د. خالد قنديل خلال حواره مع «الأخبار»

- تحقيق المصلحة الوطنية المعيار الأساسى لكل المشاركين

- الحوار سيكون عملية متواصلة وبداية لإنشاء قنوات تواصل دائمة
 

جاءت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسى، لإجراء حوار وطنى، تشارك فيه كل فئات المجتمع، وكل ألوان الطيف السياسى، بمثابة ضوء أخضر نافذ لتأكيد الحياة الديمقراطية التى تواكب مساعى التنمية وبلوغ آفاق الجمهورية الجديدة بصورة زاهية على مستوى المبنى والمعنى، كتجربة سياسية تدعم ركائز هذه الجمهورية التى انطلقت منذ عام 2014، ولم تزل تتجه إلى اكتمال الصورة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وفى جميع مناحى الحياة المصرية، وسعياً لتسليط مزيد من الضوء على جلسات الحوار الوطنى والتصورات حوله، تحاور «الأخبار» شخصية فريدة يعكس الحديث معها خبرة سياسية طويلة تمرست داخل جنبات حزب عريق كحزب الوفد فأخرجت لساناً ينطق بكلمات موزونة ليعبر عن صفة سياسية افتقدناها ، ويكشف عن شخصية سياسية صاحبة تجربة اقتصادية جديرة أيضا لها باع فى هذا المجال، فكان الحوار مع الدكتور خالد قنديل عضو مجلس الشيوخ ونائب رئيس حزب الوفد كاشفاً لرؤى تجربة سياسية ممتدة حول تصوره وتقييمه للحوار الوطني، فعبر نحو ساعة ونصف تحدث قنديل عن أهمية هذا الحوار الوطنى وما إذا كان يمثل نقلة فى المسيرة الوطنية، والملفات الأكثر إلحاحًا والتى تفرض نفسها على موائده، وكذلك الخطوط العريضة أو المبادئ الرئيسية التى لابد أن ينبنى عليها، وإلى نص الحوار.

كيف تقيم خطوة وجود حوار وطنى يجمع الطوائف السياسية المختلفة؟
بلا شك إن الحوار الوطنى يمثل خطوة مهمة فى سياق ترسيخ وتحقيق مجموعة من الأهداف الوطنية، فى مقدمتها إقامة جسور من الثقة والتفاهم بين النخبة السياسية بمختلف توجهاتها.

وأن تزيد من التعارف وتبادل الرؤى حول القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما أن هذه الخطوة تتيح لأول مرة فرصة تبادل وجهات نظر متعددة حول تلك القضايا، وإزالة أجواء العزلة والتشكك بين الاتجاهات المختلفة.

وتأكيدًا لروح الديمقراطية كقيمة مُثلى فى غمار تأسيس الجمهورية الجديدة، فإنها بداية لمرحلة من العلاقة الصحية التى تعود بالنفع على كل الأطراف، بما يبشر بإمكانية إنجاز تحول ديمقراطى على أسس سليمة.

واجتياز مرحلة طويلة من التشنج وإنكار الآخر، والنيل منه، بما كان يحرف الحياة السياسية عن الموضوعية، ويقسمها بين سلطة لا ترى فى المعارضين سوى جماعات كل هدفها إثارة السخط والاضطراب والإساءة لكل ما تفعله السلطة، بينما ترى المعارضة أنها مهمشة ومضطهدة ويجرى التضييق عليها من جانب سلطة تحتكر كل شيء وتجرم الآخرين.


الحوار الوطنى 
هل ترى توقيت إقامة الحوار مناسب قياساً لما يحدث بالعالم والمنطقة؟
أعتقد بأن توقيت طرح الحوار الوطنى الذى يجمع الكيانات السياسية المختلفة وطوائف الشعب للتباحث بروح الفريق الوطنى ومصلحة الوطن صوب أعين الجميع، يُعد وقتاً مناسباً للغاية حيث تواجه الدولة بكل فئاتها عددًا من الأزمات التى تحتاج إلى تضافر كل القوى والأحزاب، مما يسهم أولاً فى تأكيد لم شمل الروح المصرية والعمل على تجنب مخاطر تلك الأزمات الدولية والإقليمية، التى تلقى بظلالها السوداء من ارتفاع كبير فى الأسعار.

وشبح حرب عالمية ووجود حالة من الاضطراب وعدم اليقين، لأن تلاحم فئات الشعب ونخبه السياسية، والسعى لاتخاذ القرارات المناسبة، والقبول الشعبى بها فى هذا التوقيت يعد ضربة استباقية فى ظل استمرار الاضطراب العالمي، مما يسهل من اجتياز المواقف الصعبة بل.

وجعل المرحلة فى سياقها الطبيعى مع مسيرة التنمية والبناء، بل قد تكون الفرصة المناسبة لنشر جو من التلاحم الذى يهيئ قيام نظام سياسى يلقى القبول الواسع، ويتناسب مع متطلبات العصر، ويدفع بقطار التنمية إلى الأمام.


برأيك ما أهم الخطوط العريضة أو المبادئ الرئيسية التى لابد أن ينبنى عليها مثل هذا الحوار؟
يمكن للحوار الوطنى أن يحقق نتائج مفيدة، لكن لا يجب أن ننتظر منه الكثير، فقط هو خطوة نحو تغيير واسع، وينبغى أن يكون ذلك فى اعتبار المشاركين، وألا يراهنوا أو يتوقعوا أن يكون العصاة السحرية، بل يكفى أن يكون خطوة فارقة إلى الأمام تهيئ لخطوات تالية أكثر اتساعاً، بشرط أن تكون النتائج ملموسة، وأن تخفف من حالة الاحتقان والتهميش.

وتفتح المجال أمام تفاعل مسئول، يضع فى اعتباره المرحلة الحرجة التى نمر بها، وأن تتهيأ الظروف لمشاركة سياسية أوسع، وإزاحة العقبات التى تحول دون بناء ديمقراطى يزيل ركامًا من الممارسات السلبية التى امتدت لعقود طويلة.

وأن يفتح المجال أمام نخبة سياسية متجددة، ومتخففة من سلوكيات الماضى السلبية، وأن تعتاد النقاش الموضوعى وتحترم الآراء المختلفة، وأن يكون المعيار هو تحقيق المصلحة الوطنية.

تبادل الرأى
أى الملفات فى تقديرك هى الأكثر إلحاحًا ويجب أن تفرض نفسها على موائد الحوار الوطنى؟
لا ينبغى أن يكون الحوار مجرد عدة جلسات وتوصيات لا تعرف طريقها نحو التنفيذ، بل عليه أن يكون عملية متواصلة، وأن يكون الحوار خطوة باتجاه إنشاء قنوات تواصل دائمة.

وفتح المجال أمام حوار مجتمعى يتناول الكثير من القضايا، ويتيح الفرصة لنقاش بناء وموضوعي، نعتاد فيه المكاشفة وتبادل الرأى بكل احترام، ونفتح صدورنا قبل عقولنا لنقل هذا التفاعل.

وأن يكون الحوار مجرد خطوة من مسيرة طويلة وفعالة ودائمة نحو عمل سياسى جاد ومقنع ومنفتح يقود الوطن إلى حال أفضل.


أهم القضايا التى ينبغى أن يناقشها الحوار الوطنى تبدأ من الخطوة التمهيدية لأى حوار ناجح، وهى الحريات العامة وملف المحبوسين، لأن هذه الخطوة المهمة سوف تعزز الثقة، وتؤكد أن القيادة السياسية لديها قدر كبير من المرونة، ينبغى أن تقابله القوى الأخرى بالتأكيد على الضوابط التى تحكم الحريات.

وألا تعنى الحريات الدعوة إلى الفوضى أو تأييد جماعات إرهابية، أو مشاركتها فى السعى لتقويض مؤسسات الدولة، وأن يشرع الطرفان فى تنقية الحياة السياسية من السلبيات، وإعادة النظر فى بعض القوانين، وسبل الممارسة الديمقراطية، ولكن هناك قضية أخرى تفرض نفسها.

وهى التحديات الاقتصادية الناجمة عن الأزمة الدولية، وهذه فرصة لكى تشترك الأطراف السياسية مجتمعة فى مواجهة مشكلة واحدة يعانى منها المجتمع كله، ومناقشة مقترحات تحسن من أداء الاقتصاد، وتوزيع الأعباء بشكل يسهل تجاوز الأزمة.

وعدم تحميلها للقطاع الأكثر ضعفاً فى المجتمع، مثل محدودى الدخل والفئات غير القادرة، ومن الضرورى إعادة النظر فى الخطة الاقتصادية لتكون للمشروعات الإنتاجية للسلع المتوقع ارتفاع أسعارها الأولوية، أو إنتاج بدائل، وضبط الاستهلاك لتجنب أى ارتفاعات فى الأسعار سببها الهلع من ارتفاع سعر سلعة ما أو تلاعب التجار ببعض السلع وتخزينها.

وتشديد العقوبات على تلك الجرائم، وكذلك الشائعات التى تؤدى إلى إحداث أزمات، وغير ذلك من المشكلات الراهنة أو المتوقعة، وستؤدى المشاركة المجتمعية فى مواجهة أزمة عامة إلى تحسين كبير فى مستوى الثقة، بما يؤهل المناخ السياسى لخطوات متقدمة.


هل تقدمتم بمقترحات للإسهام فى إنجاح الحوار الوطنى؟
بالطبع.. كان لى الشرف بطرح بعض الرؤى التى أتصور ضرورة مراعاتها لتحقيق نتائج إيجابية ملموسة انطلاقاً من فهم أولويات العمل الوطنى الهادفة لتأسيس دولة مدنية حديثة تستند إلى مبادئ الديمقراطية، والقانون، والتنمية، والأمان، لنتجاوز سلبيات العقود الماضية، من دولة الحزب الواحد، أو التعددية الشكلية التى لا تختلف إلا فى الشكل مع عقلية الحزب الواحد، وأن علينا إصلاح تلك التشوهات من خلال أدوات تشريعية، لتعديل قانون الانتخابات وكل ما يرتبط بالممارسة السياسية والحريات العامة، وتعديل للسلوك والمفاهيم التى جردت الحياة السياسية من مضمونها، وأفقدتها حيويتها.

وأبعدت عنها الكفاءات، ولهذا فإن الدور الأساسى لهذا الحوار يجب أن ينطلق من إعادة الروح للحياة السياسية على مبادئ وأسس وممارسات جاذبة للكفاءات الوطنية، لا تهددهم بالعواقب أو تنال من سمعتهم، وتركها لمن يسعون لتحقيق المآرب الشخصية والبحث عن النفوذ، على أن تشمل بنود الحوار الوطنى إعادة النظر فى التركة الثقيلة من العيوب والتشوهات فى الممارسة السياسية منذ عام 1954 مروراً بتجربة الأحزاب المبتورة التى بدأت فى النصف الثانى من السبعينيات، وما أقيم عليها من بناء لا يستند إلى أسس ديمقراطية حقيقية، ويستتبع ذلك إصدار قوانين حديثة، تأخذ بعين الاعتبار التجارب الديمقراطية فى الدول المتقدمة، وتفصل بين الدولة والأحزاب، وإلا يسخر حزب إمكانيات الدولة لصالحه.

وأن يكون القضاء متمتعاً بالاستقلال ليرسى دولة القانون العادلة، التى توفر الأمان والمساواة، وأن يكون إعلام الدولة الوطنى كفأ ومستقلاً ومهنياً، وعلى مسافة واحدة بين الأحزاب، مع دعم الدولة للإعلام الحزبي، لأن الأحزاب جزء حيوى من الدولة، وإرساء معايير مهنية وأخلاقية تجعل من الإعلام أداة للوعى والحوار والشفافية.

وتسهم فى الحوار الوطنى الدائم والشامل، إضافة إلى التفكير فى المواجهة الشاملة للإرهاب، لتحقيق قيمة الأمان وذلك بالأدوات الثقافية والتعليمية والفكرية والسياسية، إذ لا يمكن الاعتماد فقط على المواجهة الأمنية ولكن بالتضافر الاجتماعى والسياسي.

وبالتوازى مع ذلك توفير الحياة اللائقة بالمصريين، من خلال رفع معدلات التنمية، وتوفير حد أدنى مناسب للمعيشة، وتحسين خدمات الصحة والتعليم، وزيادة فرص العمل، والسيطرة على الزيادة السكانية، كما أن الإصلاح الاقتصادى لابد أن يستند إلى الإصلاح السياسى الذى يوفر المناخ المناسب للاستثمار.

على أسس من الشفافية والقانون والأمان، مما يعطى دفعة قوية للتنمية الشاملة المستهدفة، ودعم المنتج الوطني، والاهتمام بزيادة الاستثمارات فى القطاعات الإنتاجية، وفى مقدمتها الصناعة المتطورة والزراعة الحديثة.

ومن هنا على أطراف الحوار الوطنى أن يضعوا الأسس العامة للإصلاح من خلال لجنة عامة، ويتمخض عنها لجان فرعية تناقش كل محور على حدة، وأن تكون المخرجات محل اقتناع واتفاق.

وأن تتشكل لجنة لمتابعة تنفيذ مخرجات الحوار، وعقد لقاء دورى لتقديم تقارير حول ما تحقق، وما لم يتم إنجازه، لبحث سبل التغلب على أى عقبات تحول دون تحقيق مخرجات الحوار كاملة، وأن يكون الحوار عملية مستمرة تفتح قنوات من التفاعل البناء بين الأحزاب.

وبينها وبين مؤسسات الدولة بما يعزز الثقة والتفاهم، وإرساء تقاليد ديمقراطية من شأنها الارتقاء بالأمة، وتحقيق الآمال المعقودة على الجمهورية الجديدة.


مسار جديد 
هل تعتقد أن يثمر الحوار الوطنى عن نتائج جادة وفارقة تغير ملامح العمل السياسى؟
من الممكن أن يؤدى الحوار الوطنى إلى مسار جديد تماماً إذا وضعنا نصب أعيننا المصلحة العامة، وتجردنا من الحسابات الضيقة، ومراجعة أنفسنا حول الممارسات السلبية، وكيف نتجنبها، والتأكيد على مبدأ أن الخلاف فى الرأى لا يفسد فى الوطن قضية.

وأن يكون الحوار بداية تصحيح للمسار الديمقراطي، وخطوة نحو توسيع المشاركة السياسية، وفتح شرايين التفاعل البناء والإيجابى بين أحزاب ومؤسسات الدولة، وأن يستمر الحوار من خلال لجنة دائمة، تتشكل من رموز الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى والمؤسسات المعنية فى الدولة.

ويخرج الحوار الوطنى بما يشبه ميثاق عمل حول مجموعة من القضايا الوطنية، تكون منطلقاً لعمل جماعى يدفع بالتنمية إلى الأمام، وفى مقدمتها التنمية السياسية .


ما الكيانات أو الأسماء التى تعتقد أن الحوار الوطنى لا يجب أن يشملهم؟
كل الكيانات ينبغى أن تشارك فى الحوار، عدا الجماعات الإرهابية التى تلوثت يدها بدماء المصريين وتورطت فى العنف، أو اشتركت أو حرضت عليه، وأن نفتح المجال أمام كل من اعترفوا بارتكاب أخطاء، ويرغبون فى المشاركة.

وهنا لا ينبغى أن ننظر إلى المشاركة بأنها تنحصر فى الحضور وحدهم، بل إن حضور ممثل عن وجهة نظر أو حزب أو تيار فإنه يعبر عن قطاع من الناس، وطالما يوجد من يعبر عن رأيى ولو فى الخطوط العريضة، فإنى أعتبر أننى شاركت.


تطور الحياة السياسية 
إلى أى مدى تمثل هذه الخطوة وثبة حقيقية فى مسيرة ملامح الجمهورية الجديدة؟
قطعاً يمثل الحوار الوطنى فرصة لوثبة كبيرة فى تطور الحياة السياسية، وأن نتخلص من عيوب المراحل السابقة، وعلى كل النخب السياسية أن تعيد قراءة المراحل السابقة، وأن تعيد النظر فى أساليب العمل، وأن ترى باقى التجارب فى مختلف دول العالم، وتتعلم منها ما يفيد.

وتضيف إليها من ثقافتنا وتقاليدنا، وترسيخ ما هو جيد، ونبذ الأساليب البالية التى لا ترى فى السياسة إلا التظاهر والتنديد والإساءة إلى باقى الأحزاب، وتتعلم كيف ترسخ فى الجماهير القدرة على المناقشة الموضوعية والجادة، وترسيخ العقلانية والفكر العلمي، وأن تنبذ التشنج والتكفير والإساءة بلا دليل.

وأن تمهد المناخ لإفراز نخبة سياسية أكثر وعياً وقدرة على التفاعل البناء والمفيد، وأن تركز على البناء وترسيخ الإيجابيات، وأن تنأى بنفسها عن التشنج وإلقاء التهم، والبحث عن حلول، والسعى إلى الإقناع، وهذا السبيل نحو إقامة حياة ديمقراطية سليمة افتقدناها جميعاً، ولم نعمل على بنائها.

اقرأ ايضا | نجاد البرعى: الحوار الوطنى يجب أن يكون سياسيًا فى المقام الأول