ثورة 30 يونيو| محمد كامل عمرو: رفضت قرار مرسى إنهاء عمل 22 دبلوماسياً

 وزير الخارجية الأسبق فى حواره مع الأخبار»
وزير الخارجية الأسبق فى حواره مع الأخبار»

مقابلته لم تكن بالأمر السهل، وكذلك محاولة إجراء حوار معه فى ذكرى ثورة 30 يونيو. فقد أُسندت إليه حقيبة الخارجية المصرية خلال فترتين فى غاية الحساسية والصعوبة، الأولى بعد ثورة 25 يناير خلال إدارة المجلس العسكرى لشئون البلاد، والثانية فى ظل الحكم البائد لجماعة الإخوان. لديه الكثير مما يقوله حول هاتين الفترتين، حتى أنه يفكر فى كتابة مذكراته كشاهد على تلك الفترة من تاريخ مصر.

اختص محمد كامل عمرو وزير الخارجية الأسبق «الأخبار» لإجراء حوار فى الذكرى التاسعة لثورة 30 يونيو العظيمة، وتحدث من قلبه وعقله، حول حجم المسئولية الكبيرة التى تولاها بعد 25 يناير فى إدارة دفة وزارة الخارجية، كما تحدث عن المعاناة والضغوط الشديدة التى واجهها من قِبل جماعة الإخوان أثناء توليه الوزارة خلال عام حكمهم لمصر، وكشف لأول مرة عن محاولات الجماعة لتغيير ثوابت السياسة الخارجية للدولة المصرية لخدمة أجندتها الخاصة.

وأكد محمد كامل عمرو - الذى عمل قبل توليه هذا المنصب، فى العديد من العواصم الدولية والعربية مثل واشنطن ونيويورك والرياض ولندن وبكين وأديس أبابا وأستراليا - أن السياسة الخارجية فى ظل القيادة السياسية الحكيمة للرئيس عبدالفتاح السيسى تسير فى الطريق الصحيح يجعل جميع المصريين يشعرون بالفخر والاعتزاز..وإلى نص الحوار...

■ لماذا رفضت الاستمرار وزيراً للخارجية بعد إسقاط الشعب المصرى الرئيس الأسبق محمد مرسى فى 30 يونيو2013؟
 فى الحقيقة، قبل تولى مهام وزارة الخارجية، قررت مسبقاً أن أتولى مهام الوزارة فى الفترة الأولى فقط خلال فترة إدارة المجلس العسكرى لشئون البلاد بقيادة المشير طنطاوى رحمه الله، لحين انتخاب رئيس جديد للبلاد، أياً كان من سيأتى. كانت تلك الفترة فى تاريخ البلاد صعبة للغاية على المستوى الداخلى. لا أبالغ عندما أقول أنه لم يمُر على وزارة الخارجية فى تاريخها الحديث الممتد لأكثر من 70 عاماً، فترة مثل التى شهدتها خلال ثورة 25 يناير 2011 حتى سقوط حكم جماعة الإخوان فى 30 يونيو. حيث كان تأثير الأحداث الداخلية للبلاد على العمل الخارجى شديد الصعوبة. والحقيقة وهذا ليس مدحاً لنفسى، هى أن أى وزير خدم فى تلك الفترة، هو فدائى.

فمنصب الوزير لم يكن فى تلك الفترة ميزة، قدر ما كان شعورًا بأن هذا المنصب هو خدمة عامة تجاه الوطن، حيث كانت البلاد فى ذلك الوقت فى حاجة ماسة إلى وحدة المصريين ووقوفهم مع بعضهم البعض وحماية الوطن. لذا كان الشعور بواجبى تجاه بلدى، هو ما دفعنى إلى الاستمرار فى تولى مهام الوزارة وتحمل عبء تلك الفترة الصعبة. من جانب اَخر، العمل مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة والمشير طنطاوى رحمه الله، كان يخفف كثيرًا جداً من المشاكل التى كنا نواجهها فى التعامل مع الجهات الأجنبية.

إقرأ أيضًا | ثورة 30 يونيو| سقط القناع.. رسائل وحقائق وراء تسريبات «الاختيار 3»

■ مع قدوم توجه جديد ورافد غير معتاد على مسار التاريخ المصرى وهى فترة حكم الاخوان المسلمين، استمريت فى منصبك على عكس ما كنت مخططًا مسبقاً.. ماذا حدث؟
بعيداً عن كونى وزيراً للخارجية، فأنا لدى موقف من جماعة الإخوان المسلمين منذ طفولتى، ويوجد حاجز نفسى عندى من تلك الجماعة، ولربما كان أحد أسباب ذلك والدى رحمه الله الذى كان يحذر من خطورة تلك الجماعة منذ ظهورها، وذلك من واقع ما شاهده وعاصره لهذا «التشكيل». ومع قدوم جماعة الإخوان للحكم، وكما ذكرت لك من قبل بقرارى المُسبق بعدم الاستمرار فى المنصب، إلا أن ما حدث، هو أن أكثر من شخصية وطنية ومسئولة أكن لها كل الاحترام والتقدير، تحدثوا معى وأخبرونى أنه سيُعرض على الاستمرار فى منصب وزير الخارجية بالنظام الجديد. ورغم أننى كنت مقتنعاً بعدم الاستمرار، نظراً لعدم وجود أى نوع من التوافق فى الأفكار بينى وبين هذه الجماعة، إلا أن الرد من قبل هذه الشخصيات الوطنية، بأن الضمانة الوحيدة لاستمرار السياسة الخارجية والحفاظ على كيان مؤسسة الخارجية على النهج التى تسير به منذ القدم؛ هو ضرورة استمرار شخص مسئول معروف موقفه وتوجهاته. وبعد التفكير لفترة ليست بقصيرة، قبلت تولى مهام المنصب مرة أخرى. ووضعت شرطًا، أنه فى حالة عدم تمكنى من إدارة ملف السياسة الخارجية نتيجة لأى محاولات بتدخلات من قبل النظام الجديد، فلن استمر فى المنصب. وأعترف، أن هذا الشرط قوبل بالموافقة ممن تحدثوا معى، وأن لى مطلق الحرية فى إدارة هذا الملف، وأكون المسئول الأول عنه، أقدم النصيحة والمشورة والتعامل مع الخارج وكذلك إدارة الوزارة كمؤسسة.

■ هل خلق وجود مستشار للرئيس السابق مرسى مسئولاً عن العلاقات الخارجية ازدواجية وتدخلاً فى المواقف بين الوزارة والرئاسة؟
 كان تعاملى كوزير للخارجية مع قمة السلطة، وهو الرئيس محمد مرسى فقط، وليس مع أحد غيره من جماعة الإخوان، على عكس ما قد يتردد، وكلها كانت مغالطات ليس لها أى أساس من الصحة، لأننى لم أكن مستعداً للدخول فى أى نقاشات مع أى شخص بتلك الجماعة. بخلاف التعامل فقط مع رئيس مجلس الشعب آنذاك بحكم موقعه وحضورى بعض جلسات المجلس، وأظن أننى حضرت مرة أو مرتين على الأكثر.

■ وهل كان هناك أى محاولات من قبل جماعة الإخوان بالتدخل فى ملف السياسة الخارجية المصرية خلال فترة حكمها؟
بالتأكيد كانت هناك بعض المحاولات الجانبية بالتدخل فى السياسة الخارجية، من خلال إدخال بعض الأمور «لها بُعد عقائدى» أو غيره. لكن أبداً لم أسمح بذلك، ولا أنكر أن هذا الأمر لم يكن بالشىء السهل، وتطلب منى جهداً كبيراً. أمر آخر أريد أن أؤكده، أنه إلى جانب مهمتى فى الحفاظ على ثوابت السياسة الخارجية المصرية، كان هناك مهمة الحفاظ على مؤسسة الخارجية المصرية، حيث كان هناك تخوف كبير فى هذا الصدد، ولم يحدث أى اختراق أو تعيين من خارج الوزارة على الرغم من وجود محاولات فى ذلك، «وإن بدا بشكل غير مباشر».

■ هل تشرح لنا بعض الأمثلة لمحاولات جماعة الإخوان التدخل فى ملف السياسة الخارجية؟
كان هناك مجموعات «متطرفة» من مالى تتواجد فى ليبيا مع اندلاع الأحداث بها، تلك المجموعات تركت ليبيا وعادت إلى شمال مالى وتموضعوا هناك، وبدأوا يصورون أنفسهم على أنهم ثوار يمثلون معارضة إسلامية. كان هناك ثمة توجه وأصوات من داخل حكومة الرئيس مرسى، تؤيد ضرورة تفاوض تلك المجموعات الإسلامية المتطرفة مع الحكومة الشرعية فى مالى والاعتراف بها كمعارضة شرعية، خاصة مع بدء تلك المجموعات مهاجمة الحكومة الشرعية فى مالى، وما تبع ذلك من أحداث بوقوع تدخل عسكرى فرنسى فى مالى بناء على طلب من الحكومة الشرعية فى يناير 2013.
وبالطبع كنت أعرف ماهية تلك المجموعات، فهم عبارة عن أشخاص مهربين وتجار أسلحة ومخدرات، وأوضحت وقتها للرئيس مرسى ذلك، وأكدت أنه لا يمكن مساواتهم بالحكومة الشرعية وأن الاعتراف بهم سيكون له اَثار سلبية على علاقتنا بأفريقيا عموماً، إلا أنه كان هناك محاولات وتصريحات من بعض أعضاء مؤسسة الرئاسة لانتقاد التدخل الفرنسى هناك، وهو ما رفضته تماماً، ومنعت إصدار أى بيان من وزارة الخارجية يتماشى مع هذا السياق.

لكن بدأت تخرج تصريحات جانبية منسوبة من حزب جماعة الإخوان - الحرية والعدالة - تنتقد التدخل الفرنسى لمواجهة تقدم تلك الجماعات للعاصمة المالية، وحين وجدت أن هذا الموضوع بدأ ينعكس بشكل سلبى فى فرنسا على العلاقات مع القاهرة، أجريت زيارة إلى باريس وألتقيت الرئيس الفرنسى آنذاك «فرنسوا هولاند» ووزير خارجيته «لوران فابيوس» ووفد فرنسى كبير فى اجتماع مطول بقصر الإليزيه، وأوضحت الأمر. وأخبرت الرئيس هولاند أننا لا نرفض التدخل الفرنسى فى مالى، لأن القانون الدولى يؤكد حق طلب الحكومة الشرعية للتدخل، وهناك مثال آخر على تدخلهم فى السياسة الخارجية، يتعلق بالقضية الفلسطينية، فمصر موقفها معروف وثابت تجاه القضية، وما حدث، أن وزارة الخارجية أرسلت إلى مؤسسة الرئاسة، نسخة من خطاب كان من المقرر أن يلقيه الرئيس مرسى خلال مشاركته الأولى فى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك عام 2012. وقد اطلعت على نسخة من الخطاب، ففوجئت بأن الفقرة الخاصة بثبات الموقف المصرى من القضية الفلسطينية الخاصة بحل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية قد تم حذفها من الخطاب. فسألت الرئيس مرسى عن سبب حذف تلك الجملة، قال لى: «احنا بنجرب الجُملة دى بقالنا كتير قوى، خلينا نجرب حاجة جديدة»، فرفضت قطعاً هذا الأمر، وأخبرته أن الأمر ليس بهذه السهولة، وقمت بإضافة تلك الجملة.

■ أعلن الرئيس السابق مرسى خلال مؤتمر «نصرة سوريا» فى 15 يونيو 2012 عن قطع العلاقات مع سوريا وغلق السفارة المصرية..كيف تعاملت مع هذا الأمر؟
 ما أعلنه الرئيس مرسى كان بمثابة تغير فى ثوابت السياسة المصرية. مصر وسوريا دولتان سالت دماء شعبيهما سوياً دفاعاً عن الأمة العربية. وموقف مصر من بداية الأزمة السورية، أثبتت الأيام أنه كان الموقف الصائب، وهو أن هناك فارقًا بين سوريا كنظام وسوريا كدولة، والموقف المصرى يتلخص فى أنها لن تسمح بانهيار سوريا كدولة وكذلك المؤسسات السورية التى لو انهارت فلن توجد دولة. وغلق السفارة المصرية فى سوريا، كان سيكون له دلالات كبيرة جداً، وسيسجلها التاريخ، لذلك لم تغلق مصر سفارتها. وطلبت وقتها مقابلة الرئيس مرسى فى اليوم التالى من خطابه، وأوضحت له أن قطع العلاقات مع سوريا له تبعات معينة، ومنها أن تقوم دولة أخرى برعاية المصالح المصرية فى سوريا والمصالح السورية فى مصر، وهو ما لم أسمح به طالما أنا موجود فى منصبى، وأبلغته بأن العلم المصرى لن يُخفض على سفارتنا فى دمشق وكذلك العلم السورى بسفارتها فى القاهرة.

■ وما هى النوايا التى كانت لدى الرئيس مرسى من وراء هذا التصرف؟
النوايا هى أن جماعة الإخوان كانت تتبنى مواقف فصيل معين سواء فى سوريا أو فى فلسطين - ويقصد هنا حركة حماس-.

■ خلال فترة الاستفتاء على الإعلان الدستورى 2012، أصدر 22 دبلوماسياً ببعثاتنا المصرية بالخارج بياناً موحداً أعلنوا خلاله عن رفضهم المشاركة فى الترتيبات الخاصة بهذا الاستفتاء بمقار البعثات..كيف تعاملت مع هذا الموقف؟
 كان موقف الرئيس مرسى، أنه لابد من وجود نوع من العقاب لهؤلاء الدبلوماسيين، وقد وصل إلى حد إنهاء عملهم بالوزارة. وكان ردى عليه: إن العقاب كان ممكناً لو كان وقع فى ظل ظروف مختلفة ليست كالتى نعيشها الاَن وهى غير مسبوقة فى تاريخ البلاد. والدبلوماسيون المصريون بجانب مواقعهم ومهامهم بالخارجية، هم أبناء وجزء من هذا الوطن، وشعورهم تجاه وطنهم نفس الشعور لدى أى مواطن مصرى رافض للإعلان، ولا أحد يستطيع أن يتدخل فى هذا أو يمنعه. وبالتالى لا أستطيع أن أعاقب أى شخص على مثل هذا التصرف فى تلك الفترة. كما أخبرته: لو صممت على اتخاذ مثل هذا الاجراء، فسأترك موقعى حالاً.

■ تقدمت باستقالتك فى ديسمبر2012 هل أزمة الدبلوماسيين تلك كانت السبب وراء هذه الخطوة؟
 كما ذكرت لك، على مستوى سياستنا الخارجية، لم أُرغم على فعل شئ «ليس من الصواب فعله»، حتى على مستوى وزارة الخارجية كمؤسسة. وكأى إنسان مصرى لم أكن راضياً عن ما يحدث فى البلاد خلال حكم جماعة الإخوان. وكوزير للخارجية لم أعد أتحمل، «فكل شخص لديه طاقة للاحتمال»، لكن مع موجة الضغوط التى تلقيتها سواء من زملائى بالوزارة أو الأصدقاء. حتى أنه قيل لى بالحرف الواحد «من الآخر لو قمت من على هذا الكرسى، مش هنعرف مين هيقعد عليه». فعدِلت عن الاستقالة.

■ وماهى مسببات استقالتك النهائية التى تقدمت بها بداية شهر يونيو 2013؟
 نتيجة للخلافات والتوترات الكثيرة التى شهدتها البلاد وقتها قبل ثورة 30 يونيو، لن استطيع أن أقوم بوظيفتى بالشكل الذى أفضله، نظراً لانعكاس الداخل على الخارج وما إلى ذلك. وفى الواقع لم أكن أفصل نفسى عن باقى أبناء الشعب الذى انتابته حالة من الغليان والغضب ضد جماعة الإخوان.

■  كيف ترى الدبلوماسية المصرية بعد ثورة  30 يونيو فى ظل القيادة الحكيمة للرئيس عبدالفتاح السيسى الذى استطاع استعادة مكانة مصر فى المنظومة العالمية؟
عندما أرى السياسة الخارجية لمصر فى الوقت الحالى، وسعى القيادة السياسية إلى تعزيز وتطوير وتعميق علاقاتنا مع كل دول العالم، أشعر بالرضا والفخر، لاسيما أن التوجه والاهتمام الكبير من القيادة السياسية نحو القارة الأفريقية التى تمثل قاعدة أساسية لمصر منذ عقود، واضح وعظيم جداً، وكذلك علاقاتنا مع الدول الأسيوية واللاتينية والأمريكية والأوروبية.

■  هل لديك خطة فى المستقبل القريب بكتابة مذكراتك تتضمن شاهدتك فى تلك الفترة الحرجة فى تاريخ مصر؟
«وارد».. فأعتبر أن هذا الأمر واجب للتاريخ، ويمكن الرجوع إليه. وبالتالى يجب أن تكون هذه الشهادة مكتوبة بطريقة موضوعية بعيداً عن أى شئ آخر وكذا موثقة، كونها مسئولية تاريخية، خاصة أن تلك الفترة التى عاشتها مصر لم تمر بها من قبل، ولن تمر بها مرة أخرى، كونها فترة مختلفة تماماً لما شهدته مصر من أحداث فى تاريخها الحديث.