صباح جديد

30 يونيو .. اختيار شعب وجيش وزعيم

أحمد جلال
أحمد جلال

«ثورة تصحيح، ثورة إنقاذ أمة، ثورة استعادة وطن وإحياء شعب»
هذه الأوصاف وغيرها الكثير التى يمكن إطلاقها على ثورة 30 يونيو، يوم انتفض الشعب المصرى ونزل إلى الشوارع والميادين بالملايين، عندما شعروا أن بلدهم يتم اختطافه، ومصيره أصبح بأيد غير أمينة، لم يهب المصريون التهديدات ولم يخافوا الموت، أولًا لحبهم الشديد لوطنهم الغالى الذى تهون دونه الأنفس، وثانيا لإيمانهم أن هناك جيشا وطنيا مخلصا، يقدم حياته دفاعا عن مصير الوطن ومصائر المواطنين.
مشهد لن يمحى من ذاكرة التاريخ، عندما اتحد المصريون تحت علمهم، عاقدين العزم ألا يغادروا الشوارع والميادين بكل أرجاء مصر إلا بعد أن تزول الغمة وتعود مصر إلى أحضانهم من بين براثن خاطفيها.

«يسقط يسقط حكم المرشد» هتاف صادق من قلوب موجوعة على بلدهم، كان يهز أركان المحروسة، ويهز معه قلوبا قست وظنت أن مصر بتاريخها التليد دانت لهم، ويهز كذلك عقولا سهرت وخططت ودبرت وعقدت المكائد للإيقاع بالشرق الأوسط كله ظانين ظن السوء أن مصر وقعت ولن تقوم لها قائمة، إلى أن فوجئوا بالمصريين يهبون لإنقاذ حاضر ومستقبل وطنهم .

حتى لا ننسى
وحتى لا ينسى المصريون ولا العالم كله ما فعلته ثورة 30 يونيو من إعجاز .. فلنتذكر المشهد المصرى قبل تلك الثورة المجيدة، فقد كانت هناك تغييرات جذرية وتحولات خطيرة خلفتها ثورة يناير 2011، والتى بدأت بهتافات بريئة لشباب طموح، وانتهت نهاية غير سعيدة بعد أن ركب موجتها كل متنطع ومدع للوطنية ليتلقف دفتها بكل أسف جماعة ظلت طوال 80 عاما تخطط وتجهز وتتحين الفرصة للانقضاض على حكم مصر ولو على أشلاء وأحلام المصريين، تحينوا الفرصة، وترقبوا ما قبل يناير من تطورات، وأعلنوا كاذبين أنهم لن يشاركوا فيها ووعدوا النظام وقتها وأقسموا على ذلك .

فالصورة لم تكن قد اتضحت بعد، وهم من الخبث ألا يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة إذا ما فشلت الثورة، وما أن بدأت ملامح تغيير قادم، نظام يتهاوى، وثورة بلا قائد أو موجه أو مفكر، نقضوا عهدهم وقسمهم مع نظام مبارك فها هى فرصة حلمهم تقترب، فانقضوا على الثورة وسرقوا حلم الشباب وسلبوا معها أحلام وأقدار المصريين، وكان لهم ما خططوا له.

انتهت أحداث ثورة يناير ولم ينته معها عهد العشيرة بالنكوص بكل عهد والحنث بكل وعد وقسم، لينتهى المشهد باستيلائهم وأتباعهم على مجلسى الشعب والشورى، وبالطبع كرسى الرئاسة ومعهم كل الوزراء، لم يمهلوا أنفسهم فرصة لالتقاط الأنفاس بل سعوا بدلا منها لالتقاط كل منصب، وبدأوا بلا راحة أو هوادة فى مخطط الأخونة لكل الهيئات، وزرع مندوبيهم فى كل جهة بدءا من منصب رئيس الجمهورية مرورا بالنائب العام والوزارات وبعض أجنحة الإعلام ولم تتوقف محاولاتهم التى باءت جميعها بالفشل فى أخونة الجيش والشرطة، ولم يكلفوا أنفسهم مشقة وعناء أن يقدموا أوراق اعتمادهم فى الحكم بإنجاز أى شىء ربما تقبل الشعب ولو على مضض محاولاتهم للأخونة، لكنه الغرور من جهة والاستهانة بالشعب المصرى من جهة أخرى.

مخطط محكم
تواكب مع كل هذا بدء قوى إقليمية ودولية وضع وتنفيذ مخطط دولى محكم لتغيير خريطة الشرق الأوسط لصالح قوى عالمية وإقليمية بعينها، بفكر أنجلو صهيونى، وبالطبع ما كان لتلك القوى أن تخطط وتتجرأ فى تنفيذ مخططها إلا إذا كانوا على يقين من أن مركز اتزان المنطقة يتداعى وعمود خيمتها يهتز وينكسر، فها هى مصر التى ظلت عصية على السقوط والانكسار طوال تاريخها حتى فى أحلك عصورها تتداعى تحت حكم العشيرة، فتجرأ الأكلة على قصعتهم بالمنطقة بأسرها وبدأوا يقسمون غنائمهم فيها.

ملحمة شعب وجيش
وبعد أن ظنت العشيرة وتلك القوى الإقليمية أن مصر تتهاوى وأصبحوا قادرين عليها فى غفلة وغفوة من شعبها، فإذا بهذا الشعب ينتفض من سباته، ويثور ليهدم هذا المخطط على رأس واضعيه ومخططيه ومنفذيه، وتتجدد الملحمة من جديد وتتجسد فى شعب ثار لإنقاذ وطنه، وجيش دائما أبدا ما يكون فى الموعد مع شعبه، وقيد الله لهذا الوطن ولجيشه وفى تلك اللحظة الفارقة من تاريخه قائدا يدرك جيدا ما كان يحاك لمصر وشعبها، ويدرك مخاطر مواجهة كل هذا لكن مهما كان الثمن الذى سيدفعه الجيش وقائده وقياداته يهون من أجل هذا الشعب العظيم.

وكانت الوقفة القوية للفريق أول عبد الفتاح السيسى والقوات المسلحة .. فإذا كان الشعب قد اختار ألا يصمت وأن يثور من أجل الوطن، فإن الجيش كان الشعب - والشعب فقط - هو اختياره وقراره، فسارعت القوات إلى الميادين والشوارع لتحمى ملايين المصريين الثائرين على حكم المرشد وعشيرته، وبعد محاولات عديدة من الجيش وقائده لإصلاح ذات البين مع الشعب ورئيسه، وفى كل مرة يطلق الجيش مبادرات لملمة الوضع .. كانت تفشلها تدخلات مكتب الإرشاد فى المقطم والتى ظنت أن الشعب والجيش غير قادرين عليهم وعلى حشودهم المضللة فى رابعة والنهضة، لنصل إلى اللحظة الفارقة التى شهدت عدة قرارات مصيرية وقوية أعلنها الفريق أول عبد الفتاح السيسى القائد العام للقوات المسلحة فى 3 يوليو لوأد الفتنة الوليدة، ودفن المخطط الذى تم تجهيزه لإسقاط مصر والمنطقة العربية بأسرها لينهى حكم العشيرة استجابة لاختيار الشعب وتنفيذا لأوامره.

ولعل الوقفة القوية وإحباط المخططات لم يكن وليد ثورة الشعب فى 30 يوينو .. إنما سبقها بعام كامل من حكم المرشد وعشيرته، والسيسى يقود المجلس العسكرى بحكمة ووطنية أجهضت محاولات عديدة لأخونة الدولة والسيطرة على مفاصلها بما فيها الجيش نفسه .. ومنع نشوب حرب أهلية بمصر ليتم إنقاذ الوطن وإزالة هم وكرب المواطنين.

المخطط مستمر والبناء يبدأ
لم يتوقف التربص بمصر وشعبها بعد 30 يونيو .. واستمرت قوى الشر فى التخطيط والتنفيذ لإجهاض حلم الدولة الوليدة ووأد أحلام المصريين وفرحتهم بها.

لقد زلزل كل المتآمرين وروعهم رؤية مخططهم ينهار بفضل وعى شعب ووطنية وإخلاص جيش وصلابة قائد آمن بوطنه ومواطنيه .. واستمرت محاولات إجهاض ثورة ٣٠ يونيو وكلها باءت بالفشل، وحاولوا عرقلة بناء دولة ٣٠ يونيو وفشلوا .. وبدأوا محاولة إشاعة الفوضى والإرهاب، ولم يكن أمام الشعب من اختيار إلا القائد المنقذ عبد الفتاح السيسى ليبدأ معه مسيرة البناء فنادوه للرئاسة واختار السيسى أن يستجيب لنداء الشعب وبدأت مرحلة البناء بعد الإنقاذ .. فإنقاذ مصر بدأ بثورة ٣٠ يونيو ولم ينته بها .. واستمرت عمليات البناء فى طريقين متوازيين، الطريق الأول مواجهة حروب متنوعة سياسيا واقتصاديا وعسكريا ومواجهة فلول إرهاب من كل حدب وصوب بدأت تتجمع خيوطها القذرة على أرض سيناء الطاهرة من خلال الزج بآلاف التكفيريين لجبال أرض الفيروز .. ومحاولة تسللهم لمدن وقرى وحوارى مصر يوجهون ضرباتهم الخسيسة خلسة لرجال الجيش والشرطة والمواطنين البسطاء بالشوارع أو السجد الركوع بالمساجد أو المتعبدين بالكنائس ونجح رجالنا من أبناء الجيش والشرطة فى المواجهة وها هى تلك الفلول تلفظ أنفاسها الأخيرة.

أما الطريق الثانى فهو حرب أيضا لكنها حرب مواجهة كل السلبيات القائمة منذ سنوات وعقود من أجل البناء والتعمير .. وكانت نتائج حرب البناء مفاجأة حتى للمصريين أنفسهم وهم يرون جمهورية جديدة تقام قواعدها على أرضهم الطيبة فى سنوات قليلة لتغير وجه الحياة بمصر المحروسة .. وتحقق فى شهور وسنوات ما حلم المصريون بتحقيقه فى عقود وقرون ويصعب رصد تلك الإنجازات فى سطور أو حتى صفحات جريدة.

نجاح بكل الملفات
وبدأنا نلمس نجاحا فى كل الملفات .. السياسية خارجيا وداخليا، والاقتصادية .. والتنموية .. وتحسين الخدمات المقدمة لجميع المصريين مثل التعليم والصحة والثقافة والرياضة والترفيه .. ناهيك عن النجاح الكبير بملف الأمن والأمان والتى شملت بناء جيش قوى عصرى ضمن أفضل جيوش العالم، وشرطة قوية عصرية تحافظ على أمن وأمان المواطنين.

ومن ينكر ما تم ويتم من بنية تحتية عصرية من طرق وكبارى يقود بعضها إلى مدن جديدة بمستوى عالمى من العلمين إلى الجلالة مرورا بعشرات المدن الجديدة بالمحافظات وصولا لقمتها فى العاصمة الإدارية الجديدة، تلك المدن الجديدة لم تمنع أبدا من الاهتمام بالمناطق القديمة، فكان النجاح الكبير فى تطوير العشوائيات وتحويلها إلى حياة عصرية راقية، وصولا إلى المشروع القومى العملاق لتطوير القرى المصرية «حياة كريمة» الذى يغير حياة 58 مليون مصرى من سكان القرى والنجوع والكفور .. ليحيوا حياة كريمة تليق بهم ويحلم الرئيس بها لكل المصريين، ولا يمكن إغفال المبادرات الرئاسية العديدة لرعاية صحة المصريين ومنها «١٠٠ مليون صحة» و«صحة مصر» «وعيونك بعيونا» وغيرها .. أما الرعاية الاجتماعية فحدث ولا حرج عن تكافل وكرامة وحياة كريمة وزيادات المعاشات.

وهكذا، فإن كل الشواهد تؤكد نجاح «الاختيار» فى 30 يونيو من جميع من شاركوا فيها، نجاح اختيار الشعب بالثورة على الوضع البائس .. ونجاح اختيار الجيش بانحيازه إلى الشعب .. وأخيرا نجاح اختيار الزعيم والقائد بانحيازه إلى شعبه حاملا رأسه على كفه لحماية مقدرات الوطن وأحلام المواطنين.