رغيف البطاطا

هالة العيسوي
هالة العيسوي

وكأن الحلم يتحقق، وصار بمقدورنا الاقتصاد فى استيراد القمح، بل والتوقف عن الاستيراد من الخارج مع الوقت، خلال 3 أعوام على الأكثر. هكذا يبشرنا الباحث المصرى عبد المنعم الجندى صاحب المشروع البحثى لإنتاج الخبز عن طريق خلط البطاطا مع القمح لإنتاج الخبز، بنسبة 40% بطاطا و60% قمح، ما يقلل من الاستهلاك المحلى من القمح، ويمكن أن يخفض هذا النظام نحو مليون طن قمح مستورد بما يساهم فى تقليل ما يستهلك من منظومة الخبز.

قد يبدو الأمر مجرد افتكاسة، لكن الثابث علميًا أن البطاطا مصدر للكربوهيدرات منخفضة إلى متوسطة السكريات، مما يعنى أن امتصاصها عن طريق الأمعاء يتم تدريجياً، بما يحافظ على طاقة الجسم، دون التسبب فى زيادة فى إنتاج الدهون، أو قمم من السكر فى الدم. بل يسهل ويحفز اكتساب كتلة العضلات.
الفكرة إذًا لها جانب صحى إيجابي، بخلاف فائدتها الاستراتيجية التى تحررنا من أسر استيراد القمح ولاسيما بعد ارتفاع سعره عالميًا.

مع هذا يؤرقنى سرعة تبنى وزارة التموين للتجربة. صحيح أن الباحث عكف على مشروعه البحثى لمدة طويلة، وتيقن من نجاحها، لكن أن تسارع وزارة التموين، بالإعلان عن تطبيق التجربة دون الإعلان عن إجراء دراسة جدوى شاملة، يتم من خلالها فحص كل جوانب التكلفة والعائد، فهذا هو الأمر المؤرق.
فهل ستظل تكلفة الرغيف منخفضة حتى بعد إضافة تكلفة بناء المصانع اللازمة لتجفيف البطاطا ومحطات طحنها ومزجها بالدقيق؟ كل ما أخشاه أن يكون خفض نسبة الدقيق العادى فى الرغيف، وبالتالى خفض تكلفة الرغيف هو عنصر الإغراء الوحيد لتبنى التجربة الجديدة.
وهل تيقنت الوزارة مثلًا من تقبل المصريين لمذاق هذا الخبز الجديد؟ مع ملاحظة أننا نتحدث عن الخبز المدعم الذى يعتمد عليه 70% تقريبًا من المواطنين.
وهل شاركت معامل وزارة الصحة، وشقيقاتها المعنية بأبحاثهم فى التجربة للتيقن من صلاحية المنتج للاستهلاك الآدمي.

دكتورمحمد عزت عابدين المتخصص فى كيمياء وتكنولوجيا الأغذية بمعهد بحوث تكنولوجيا الأغذية‎ التابع ‎لمركز البحوث الزراعية، شارك تحذيراته على صفحته بموقع الفيس بوك مطالبًا بضرورة إصدار تقرير رسمى قبل طرح المنتج يبين إجراء عدد من الاختبارات المهمة ويعلن نتائج هذه الاختبارات منها:
اختبار تقدير الحمل الميكروبى سواء بكتريا أو فطر لأنه ثبت أن إضافة البطاطا بنسب غير مدروسة تشجع نمو فطر الاسبرجلس وبكتريا الاستاف والباسلس والميكروكوكس. ايضًا اختبار تقدير مركب الاكريلاميد Acrylamide لأن الصور المنشورة لرغيف البطاطا تظهر تواجد اللون الاسود على سطح الرغيف وهى مادة مسرطنة وتتراكم بشدة نتيجة عدم ضبط نسب الخلط بين دقيق القمح ودقيق البطاطا.

أيضًا، تجربة تغذية على فئران التجارب لبيان مدى تاثير إضافة البطاطا على الرغيف على مصابى السكر، صحيح أنها تقلل تراكم السكر، لكن بعد التعرض لحرارة الفرن العالية تتغير صفات نشا البطاطا ويمكن أن تعمل فعلا على ارتفاع مستوى السكر فى الدم.
بديهى أننا نتوق لخفض اعتمادنا على القمح، ونبحث عن البدائل الاقتصادية ونشجع كل البحوث والتجارب التى تبلغنا هذا الهدف، لكن دراسات الجدوى مهمة، وأهم منها الاطمئنان على سلامة صحة المصريين.