مصر التي استعدناها!

كرم جبر
كرم جبر

ذكرنى « فيس بوك» بهذا المقال الذى كتبته يوم 28 يونيو 2013 بعنوان « سلخانة ابو النمرس» ، عن مصر التى ضاعت واستعدناها :
القاتل ليس  هو من يضغط على الزناد فقط ، ولكن أيضا الذى حرض وخطط ودبر ووقف يحرك القتلة من وراء الستار ، ومصر مقبلة على أكبر كارثة فى تاريخها إذا لم تتوقف نذر الحرب الدينية ، التى بدأت شرارتها الأولى بقتل الشيعة فى أبو النمرس وسحلهم وحرقهم والتمثيل بجثثهم ، وكأن القتلة ليسوا بشراً وانتزع الله من قلوبهم الرحمة ، فأصبحوا أقرب لوحوش الغابة التى تطارد فريستها حتى تمزقها إرباً .

أما الأبشع من ذلك فهو نساء وأطفال وأهالى أبو النمرس ، الذين كانوا يرقصون ويهللون ويكبرون ويهتفون « الله أكبر « وكأنهم حرروا القدس الشريف  ، ومكمن الخطورة أن هذه العقول المغيبة لا تدرك أنها ترتكب جريمة شنعاء عقوبتها الإعدام ، بل يُخيل لهم أنهم يجاهدون فى سبيل الله ويعملون على نصرة الإسلام ، بقتل أبناء قريتهم والتمثيل بجثثهم .

زمان كانوا يصفون  المصريين بأنهم يكرهون الدماء ، والآن أصبح بعض أبناء الوطن أكثر وحشية من مصاصى الدماء ، وارتدى القتلة عباءة دينية يذبحون باسم الله وينسبون جرائمهم الى الإسلام ، وأعادوا إلى الأذهان الشرارة الأولى لحروب السنة والشيعة ، حين شج السفاح « ابن ملجم « بسيفه  رأس الإمام على بن أبى طالب وهو يسجد لله فى صلاة الفجر ، ويصرخ « المُلك لله وليس لك يا على « معلنا تلويث الدعوة الطاهرة بأطماع السياسة والملك ، ومازالت دماء المسلمين تسيل بسيوف المسلمين منذ تلك اللحظة .

واختلط الدين الحنيف بتعاليمه السمحة بالسياسة الملعونة بدسائسها ومؤامراتها وفتنها وأطماعها ، واشتعلت نيران الحروب الدينية فى كثير من الدول الإسلامية ، إلا مصر التى احتمت بسماحة شعبها ورجاحة حضارتها وعمق ثقافتها ، التى تذيب كل التناقضات والاختلافات وتطوعها فى الهوية المصرية .
الآن .. ـ كان ذلك عام 2013ـ .. مصر لم تعد مصر والمصريون ليسوا المصريين .. انهم يستلهمون وحشيتهم من مخزون حروب هولاكو وجنكيز خان والحروب الصليبية وسائر الغزاة ، فتارة يفخخ الشيعة توابيت الموتى فتنفجر فى الذين يشيعون الجنازة من السنة ، ويرد عليهم السنة بخطف المجانين والمرضى العقليين من المستشفيات ووضع المتفجرات فى أجسادهم وإطلاقهم فى الأسواق وتفجيرهم بالريموت كنترول ، وصور أخرى للقتل تشيب لها الأبدان .

القاتل ليس فقط من يدوس على الزناد ، ولكنه من يغيّب العقول ويحشوها بفتاوى ومعتقدات أكثر خطورة من الديناميت والمتفجرات  ، ودققوا معى فى الفتاوى التى تحرض شباب مصر على الجهاد فى سوريا ، مستخدمة خطاباً دينيا عاطفيا يحض على الصراع والفتنة والموت والقتل ، وتقسّم أبناء الدين الواحد إلى مسلمين وكفار ، وتشعل فتنة مستوحاة من سيف السفاح « ابن ملجم « الذى شج به رأس الإمام على فى صلاة الفجر ،وانتقلت شرارة التحريض والقتل  الى الصالة المغطاة باستاد القاهرة.

واستجابت بعض العقول المغييبة بالذهاب الى بيت حسن شحاتة فى أبو النمرس ، وانقضوا عليهم كوحوش الغابة الجائعة المفترسة ، والشوم يهوى على رءوس المقتولين كالمطر ، لا تأخذهم بهم شفقة ولا رحمة وسط صيحات التهليل والتكبير ، وفلاشات الكاميرات والموبايلات التى تسجل تلك اللحظات التاريخية وذلك النصر المبين .. لا أيها السادة ، ليست هذه مصر ، ولا هؤلاء هم المصريون .