هل من لقاح ضد الأوبئة النفسية؟!

د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد

انشغل العالم على مدى الأعوام الثلاثة الماضية بوباء «كورونا»الفيروسى ، واتخذ الجميع كافة الإجراءات والاحتياطات الممكنة من عزل وتباعد وإجراءات وقائية ولقاحات، وما كدنا نتنسم بعض أنفاس الراحة، حتى أفقنا على مجموعة متتالية من الصدمات المؤلمة، التى تكشف أن الوباء الفيروسي، ليس سوى هبة ريح إذا ما قورن بالأوبئة النفسية.

تأملوا ما مررنا به من جرائم بشعة متتالية، كقتل طالبة المنصورة «نيرة أشرف» ، أو مقتل المذيعة شيماء جمال، وقبلهما قطع رأس مواطن بأحد شوارع الإسماعيلية،  فضلا عن سلسلة من حوادث الانتحار والقتل الشاذة والغريبة التى يضيق المقام هنا بسردها جميعا، والتى باتت لفرط تكرارها «عادية»!!

التفسيرات المعلبة التى غالبا ما كنا نواجه بها مثل تلك الحوادث، من عينة أنها «حوادث فردية» أو أن مرتكبيها «مختلون نفسيا» لم تعد كافية، فالحقيقة أن دائرة الخلل النفسى لم تعد قاصرة على مرتكبى تلك الجرائم، وإنما - وهذا هو الأخطر- صارت تمتد لتشمل مبررى تلك الجرائم، أو المتعاطفين مع القتلة، أو من يخوضون فى الأعراض بحثا عن ذريعة للإساءة، أو من يحملون الضحية وزر إثارة شهية القاتل لذبحها!!

إننا اليوم نعيش جنونا حقيقيا، لا يسلم منه أحد، طوفان من الأوبئة النفسية تتجاوز فى خطورتها كل ما عرفناه من أمراض قاتلة، فالقتلة والمغتصبون والمجرمون ربما يجلسون إلى جوارنا، ويتحركون على بعد خطوات منا، إن كثيرا من القتلة والمجرمين الذين يرتكبون أفظع الجرائم سواء بحق أنفسهم أو ضد آخرين، كانوا بشهادة من يعرفونهم «أناسا عاديين»، بل ومن أكثر الناس خلقا وأدبا والتزاما، قبل أن يتحولوا فى لحظة إلى وحوش آدمية!!

وقانا الله وإياكم شر النفس وتحولاتها، ولنبدأ بالبحث الجاد عن لقاحات حقيقية لتلك الأوبئة النفسية، لنحصن أنفسنا ومجتمعاتنا بالتربية القويمة، والقرب من الله، والتخلص من أسر الماديات، وذلك الصراع المحموم من أجل الحصول على كل شيء، فكما تأخذ ستفقد، ولنعد إلى التواصل الاجتماعى الحقيقي، بعيدا عن شاشات الجنون الزرقاء، التى ما زادت الناس إلا خبالا!