الدكتور محمود عطية يكتب: رحيق السطور| حكايات الخولى

د. محمود عطية يكتب : رحيق السطور| حكايات الخولى
د. محمود عطية يكتب : رحيق السطور| حكايات الخولى

((لايحتاج كاتب السيرة الذاتية إلى البحث عن تبرير لكتابتها، إذ أن تمثالًا جميلًا يكمن فى حياة كل منا، والمطلوب فقط الكشف عنه...ولايحتاج كاتب السيرة الذاتية إلى أن يكون شخصًا عظيمًا، أو سياسيًا خطيرًا أويكون قد قابل فى حياته بعض الكبراء والمشهورين، أو أن يكون مرموقًا أو فنانًا موهوبًا..إلخ، فكل شخص مميز، بل ومميز جدًا ولديه فى مسيرة حياته ما يستحق أن يروى)).  كتاب «ماذا علمتنى الحياة»، يبدو أن العبارة السابقة أفضل تقديم لهذا العمل الراقى لغًة وأسلوبًا وفكرًا..

وتاريخًا كاد أن يكون منسيًا «حكايات المتعة والعذاب» هى بعض من قصة حياة من عاش داخل الصخب الصحفى مُفضلًا العمل فى الصفوف الخلفية مراقبًا وراصدًا ما يجرى.

ورغم مرور السنوات الطوال مازالت المشاهد طازجة فى عقل كاتب سيرته الذاتية الزميل سعيد الخولى، فيرسم ملامحه العقلية والنفسية ومروره بالعديد من التجارب منذ أن كان فتى ريفيًا يحيا بقريته «نكلا العنب» إلى أن قادته الأقدار إلى دخول كلية دار العلوم، وانخراطه فى النشاط الجامعى ..

وكأنه يرسم ملامح فترة الثمانينات بمصر وشعور الشباب، وقد رسمها بتفاصيل صغيرة بالغة الدقة، واتخذ من نفسه نموذجًا يعرض من خلاله التحولات التى مرت بها الحياة المصرية من القرية للمدينة ..الكاتب الكبير الراحل مصطفى أمين، وكيف كان سببًا فى أحد مقالاته ..

ويسرد تاريخ التحاقه بالقوات المسلحة كمجند وخطيب جمعة، وكاد يلتحق بسلك التدريس لولا حلم العمل الصحفى الذى راوده..  وفى «الأخبار» كانت البداية غير مرتبكة فالعمل بالتصحيح كانت أجواؤه بالنسبة إلىَّ قريبة الألفة والتعود وكان الفضل لذلك يعود إلى مجلة الأمن العام التى أعطتنى تجربتها ..

ما يلفت النظر فى هذه السيرة تلك التفاصيل الدقيقة والخبيئة لسراديب العمل الصحفى التى لا تظهر للمتابع والقارئ العادى فهو لايشاهد ولا يقرأ سوى المنتج النهائى، أما ما يجرى بالداخل من صراعات ..

وقد تناولها «الخولى» بكل اقتدار وبلغة عذبة، ومَسَّ أدق السلوكيات الباطنية بلغة لاينقصها العفة وصال وجال فى أبعاد حياته كشاب فى مقتبل العمر بين شطحاته العاطفية والثقافية وهيامه بالعمل الصحفى.. وقد رسم الخولى صورًا للعديد من كُتاب كتبية «الاخبار» خاصة رئيس تحرير «آخر ساعة» الأسبق (( أما رئيس التحرير المهنى الخلوق الراحل محمد وجدى قنديل فقد كان من قليلين فى شارع الصحافة يمسك بأسرار المهنة كمهنة وفنيات تحريرية بين يديه..

وكان الاستاذ وجدى قنديل رحمه الله يتميز بأصغر خط يدوى فى شارع الصحافة وكنت أحصى له مثلًا عشرين كلمة فى السطر مكتوبة بخط مقروء جميل، وكان الراحل أنيس منصور يسميه الآلة  الكاتبة البشرية.. ويصول ويجول المؤلف حول أحداث داخل عشقه لـ«الاخبار» إلى أن تنفتح أمامه مساحة دائمة للكتابة بالجريدة وهو أمل لو تعلمون عظيم.

وكنت أتطلع لذلك اليوم الذى تعانق فيه كلماتى أعين القراء فى ذات المكان المُميز بالصفحة الأخيرة تحت عنوان يوميات الأخبار...لكن كانت البداية فى مقال تحت عنوان «قضية ورأى» وقد أجازه القدير الصحفى الكبير مصطفى بلال، وكان مسئولًا عن المقالات فى ذلك الوقت..

وكان من حسن حظى أن أستكمل نفس المسيرة بشكل أكبر مع  الصحفى الكبير محمد درويش مدير تحرير الأخبار المشرف على صفحات وأعمدة الرأى ..وقد ازدادت مقالاتى مع تولى الصحفى الكبير محمد حسن البنا رئاسة التحرير عقب ثورة يناير.. وتغيرت  القيادات التحريرية والإدارية بالمؤسسات الصحفية بعد 2013 أكثر من مرة حتى تولى

الاستاذ خالد ميرى رئاسة تحرير الأخبار وكان المعنى من اختباره هو تشبيب العمل بالجريدة وضخ دماء جديدة.. طوال 284 صفحة يروى الخولى فيضًا وسيلًا من التفاصيل وعن الصحافة وتحولاتها وعن حياته وتحولاتها أيضًا، وعما حدث من تغيرات عميقة فى الشارع الصحفى بعين الراصد الذكى المشارك المخفى صاحب العين الثاقبة واللغة السلسة العميقة.

اقرأ ايضا | صاحب تشجيعية الرواية: كل ما فى «النجع» خيالى!