صرخة زوجة أمام المحكمة| جوزي طلع نصاب وشغال متسول.. تفاصيل حزينة

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

لا أعرف من أين أبدأ سيدى القاضى.. لكن الحقيقة أن ما سأحكيه اليوم قد يكون غريبا عن ساحات المحاكم، وقد يبدو للوهلة الأولى فى أذهان الحضور بأننى زوجة ناشز أبحث عن أى سبب للانفصال عن زوجى.. لكن تفاصيل هذه القصة التى عايشتها بنفسى، وضعتنى فى حيرة من أمرى، وأصبحت مشتتة، حتى هدانى عقلى إلى زيارة «دار العدل» ، وحضرت هنا تاركة مصيرى لكم تحددونه وفق حكمك وبصيرتكم.

بدأت القصة معى بمشهد عابر، فى أحد ميادين القاهرة، كنت بصحبة جارتى، نشترى بعض ملابس عيد الفطر للأولاد، وبعد أن انتهينا، جلسنا فى أحد الكافيهات المطلة على الميدان الشهير بوسط القاهرة.

وأثناء انتظارنا المشروبات «الساخنة » شاهدت رجلا فى نهاية الاربعينيات من عمره، يتخفى بجسده بين السيارات، كان الظلام قد خيم على المكان، لم أستطع تحديد ملامحه جيدا، فقد كان يرتدى جلبابا ابيض ويخفى نصف وجهه برداء رمادى اللون، لكن لفت انتباهى جسد ذلك الشخص المتخفى، وحركاته الغريبة، وطريقته التى يستنجد بها المارة، وقتها لم يترك كبيرا أو صغيرا عابرا للطريق إلا وطلب منه المساعدة.

وسط انتباهى لتحركات ذلك المتسول بين السيارات فى الميدان، سألتنى جارتى لماذا لم يحضر زوجك معك لشراء ملابس العيد؟ ، أخبرتها أنه مشغول، وأنه قرر إنهاء بعض الأعمال الحرة حتى يستطيع أن يقضى معنا إجازة العيد كاملة.

عدت ببصرى ثانية لمتابعة ذلك الشخص، وعندما اقترب بجسده من الكافيه وأسند ظهره على بابه، استدرت بعينى إليه، فى هذه اللحظة انتابنى شعور غريب، وجدت ملامحه قريبة من شخص أعرفه، بل كان نسخة طبق الأصل منه، تأكدت من ذلك بنفسى، فقد كان ملقيا ببصره إلى المارة، مادا يده لطلب المساعدة، يستنجد عابرى الطريق للوقوف بجانبه لتوفير علاج لأولاده، ومساعدة زوجته التى أصابها على حد زعمه المرض اللعين.

حاولت أن أتجاهل المشهد أمامى، عدت بسرعة إلى زميلتى، طلبت منها مغادرة المكان فورا من الباب الآخر، أخبرتها أن قريبا لى هنا ولا أريد أن يرانى، فقد يخبر زوجى بكل شىء.

عدت إلى المنزل سريعا، ألقيت بجسدى على الفراش، ذهبت بخيالى إلى مشهد الميدان، عاد إلى بصرى ذلك المتسول الشبيه حقيقة بزوجى، أغمضت عينى للحظات، وسرحت قليلا فيما رأيت، لكن الصدمة أيقظتنى سريعا، تساؤلات كثيرة أرهقت عقلى ولسانى، لا أريد أن يكون ما أشعر به هو ما يدور فى ذهنى، ليس هو، ولن يكون، ما رأيته متسولا يستعطف المارة، بكلمات غير صادقة، زوجى أنا اعرفه جيدا، رجل أعمال حرة، يجنى أمواله من تعبه ومجهوده ليل نهار، يتعامل برقى مع الجميع، مثقف، ولديه رؤية سياسية وفكر اقتصادى وتعليم عال.

.. نعم هو كذلك، ولن يكون غير ذلك، انتظرت حتى عاد زوجى، ابتسمت فى وجهه، رمقته سريعا بعينى، مازالت ملابسه الأنيقة مرتبة، يحمل حقيبته وبها أوراق أعمال، يواظب على الحديث مع موظفيه عبر الهاتف، هو الآن يخبرهم بما يجب أن يفعلوه عند الذهاب لأعمالهم صباحا.
لم تتغيرهيئته، أسرعت وارتميت فى حضنه، قبضت بيدى بقوة على جسده، تساءل باستغراب ماذا حدث؟ ، لم يستطع لسانى النطق، اكتفيت بالقول «وحشتنى» ، بعدها أعددت الطعام، وأخذنا نتحدث قليلا.

حاولت تجنب ما رأيته منذ ساعات فى الميدان، لكن ذلك المشهد لم يغادر عقلى منذ أن عدت إلى البيت، قررت فتح حديث معه عن المتسولين، أخبرته أنه تم القبض على متسول بالمنيا وبحوزته ملايين الجنيهات، وتساءلت فى حيرة، لماذا لا يتم القبض على كل المتسولين «ونخلص منهم « خاصة أنها أصبحت «سبوبة»  لجنى المال دون تعب؟.
نظر الىّ زوجى باستغراب، ثم قال» قرأت ذلك الخبر، لكن لا أحد يعرف ظروف هذا الرجل، وكذلك المتسولون أيضا.. أرى أنه ليس من حق أى أحد مصادرة أموالهم أو اتهامهم بممارسة «التسول» ، هم يخرجون للبحث عن رزقهم ليل نهار، وقد وجدوه فى التسول، ولو كانت مهنة بسيطة، كان مارسها الملايين من المواطنين البسطاء».

إقرأ أيضًا | مافيا التسول| حيل المتسولين تخدع الناس الطيبين

هنا قاطعت زوجى وتساءلت فى حيرة من أمره
هل التسول مهنة؟
، أجاب نعم مهنة، أنتِ لا تجبرين شخصا على منحك المال غصبا عنه، بل تستطيعين أن تغيرى من شكلك وكلماتك وتصرفك وتختارى المكان المناسب، ثم تمارسى عملك وتجنى ثمار ذلك، ليس ذلك فقط بل الآن هم يبيعون بعض الأشياء البسيطة ويتركون لك حرية منحهم الصدقات أو الاكتفاء بالشراء فقط.
عدت وسألته مرة اخرى، وهل يقولون الحقيقة لجلب هذا المال؟ : أجاب، قد نختلف هنا، البعض لديه ظروف صعبة، يتحدث بصدق، وآخرون يكذبون لكن الاثنين لا يجبرون أحدا على منحهم المال، هم يسعون لرزقهم، المهم أنهم لا يجبرون أحدا، بعضهم يطلب المساعدة بلطف، وآخرون لديهم أدواتهم لإقناع المارة بمساعدتهم بطرق كثيرة.

عدت وسألته مرة أخرى.. لكن الله وصف الفقراء مستحقى الصدقات فى كتابه بأنهم «لا يسألون الناس إلحافا»؟
أجاب بسرعة «وقال أيضا» فى نهاية الآية « وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ»  وفى آية أخرى «وأما السائل فلا تنهر».. والرسول محمد صلى الله عليه وسلم قال فى حديثه «تبسمك فى وجه أخيك صدقة».

قررت فى هذه اللحظة إنهاء النقاش بيننا، رغم أنه دائما ما يكون الحديث مع زوجى شيقا، لكن هذه المرة وجدته ينحاز لفئة المتسولين، أصر فى حديثنا أكثر من مرة على التأكيد أنها مهنة مثل مهن كثيرة، تتطلب مجهودا وحضورا وكاريزما على حد قوله لإقناع المارة بمساعدته، لذلك فهم متفاوتون فى الرزق منهم الفقير ومنهم الغنى.

لا أنكر أن إجابته المنحازة لفئة المتسولين زادت من قلقى كثيرا، مر يومان بعد المحادثة، وفى اليوم الثالث قررت مراقبة زوجى حتى يطمئن قلبى، وتزول شكوكى.

خرجت سيدى القاضى خلفه، وكعادته تحرك بتاكسى من امام البيت، وانا كذلك تحركت بتاكسى خلفه، وجدته يتوقف عند محطة السكة الحديد برمسيس، ثم تحرك سيرا على قدميه باتجاه وسط البلد، حيث الميدان الذى شاهدت فيه المتسول، لكنه اتجه إلى أحد الشوارع الجانبية للميدان، دخل إلى إحدى الحدائق الصغيرة الملاصقة للعمارات «العتيقة»، وبعد 10 دقائق خرج شخص آخر غير الذى يسكن معى، متسولا يرتدى جلبابا أبيض، منحنى الظهر، مدعيا المرض، يحرك قدميه ببطء، دققت النظر فيه جيدا، ملامح وجهه مغطاة برداء رمادى اللون، يصعب على المارة التعرف عليه.

توجه ناحية الميدان، دلفت إلى الحديقة بسرعة، أردت التأكد انه هو، سألت عامل النظافة هل هناك أحد بحمامات الحديقة؟ ، أخبرته أننى أبحث عن ابنى، لكنه نفى وجود أى شخص، وقال إن الوقت مبكر لحضور الزائرين فقد كانت الساعة قد قاربت على السابعة صباحا.

تأكدت أن ذلك المتسول الذى خرج بجلباب ممزق مدعيا المرض هو زوجى، وأن التسول هو مهنته التى ينفق بها علينا طوال 15 عاما من الزواج، والغريب سيدى القاضى أننى اكتشفت أن عامل النظافة يعمل معه مقابل راتب شهرى، حيث يسمح له بالدخول إلى حمامات الحديقة صباحا، يستبدل ملابسه «الأنيقة « بجلباب مقطع ، ويتركها لدى العامل، ثم يعود ليلا ويستبدل المقطعة بملابس أنيقة، وهكذا فى كل الميادين التى يهبط عليها للتسول، وهؤلاء هم موظفوه الذين كان يتحدث معهم طوال سنوات من الزواج.

التقطت بعض الصور له وهو يتوسل المارة لمساعدته، كانت الدموع تغزو عينى وأنا أشاهده بهذه الحالة، عدت بذاكرتى كثيرا، عندما جاء لخطبتى، كان شابا فى منتصف الثلاثين من عمره، مثقفا، يعانى ماديا، ساعده والدى فى إقامة مشروع، لكنه فشل فى إدارته، مر بحالة نفسية سيئة، وبعد عامين ، خرج من المنزل، زاعما أنه يحترف الأعمال الحرة، وبدأ يختلق لنا القصص عن صفقات نجح فى تحقيقها والحصول على نسبته منها. لم يخطر ببالى سيدى القاضى أن أسأل زوجى عن مكان عمله، هو دائما ما كان يقول إنه لا يذهب إلى مقر الشركة، بل يقابل العملاء فى كل مكان بالقاهرة والمحافظات.. هنا أدركت أن سفر زوجى المعتاد إلى عدد من المحافظات كان للتسول ليس أكثر، وأن بقاءه فى القاهرة ، بهدف التنقل بين ميادينها وشوارعها.

عدت إلى المنزل والحزن يعتصر قلبى، تمنيت أن يكون ما رأيته كابوسا، وليس حقيقة شاهدتها بعينى، لكننى آثرت فى نفسى، وتعايشت مع الأمر لمدة أسابيع.
قررت مراقبته ثانيا ، وتكرر ذلك الأمر فى ميدان آخر، لكن هذه المرة احتفظ بقميصه الشيك، وأخذ يوقف المارة يخبرهم بحاجته للأموال للسفر إلى بلده بالصعيد، وفى ميدان ثالث كان يبيع المناديل ،و.....»

طلم أتحمل هذا الوضع كثيرا، أخبرت أسرتى بما حدث ، وكان قرارنا جميعا الانفصال ، أنا من عائلة مثقفة وذات مستوى اجتماعى مرموق وأملك مؤهلا عاليا وأولادى يرتادون مدارس لغات، ولا يصح أن يكون أبوهم متسولا.

قد تتساءل سيدى القاضى ، لماذا لم أخبر زوجى بالحقيقة، وأواجهه بالصور وأخيره بينى وبين مهنة التسول، هذا الأمر بالفعل قمت به، أدركت أنها حالة نفسية يمر بها زوجى، لكنه أنكر كل شىء، وبعد أن عرضت عليه صوره وهو يتسول، اعترف، وأخبرنى أن هذه مهنته، وقد أدمنها، وأن كل الأموال التى يغدق بها على أسرته من التسول، وليس لديه مهنة أخرى.

طلبت منه الانفصال بهدوء ، لكنه كان عنيدا ، رفض ، لذلك لجأت الى المحكمة لخلعه، فلن استطيع أن أعيش معه دقيقة واحدة بأموال التسول.
.. بعد مداولة القضية لثلاث جلسات.. قضت محكمة الأسرة بزنانيرى بخلع الزوج ،بعد أن أقرت الزوجة بتنازلها عن جميع حقوقها المالية الشرعية وهى مؤخر صداقها ونفقة العدة والمتعة.