ما هكذا تورد «القفف» يادكتور عطية

هالة العيسوي
هالة العيسوي

«إلبسى واسع، إخرجي قُفًة، داري سوءتك، داري عورتك، انتي خارجة على كلاب وديابة، وإلا هيدبحك بالسِكينة في عز الضهر على باب الجامعة» هكذا حذر الدكتور مبروك عطية أستاذ الأزهر فتياتنا متباكيًا من ملاقاة مصير «نيرة» طالبة جامعة المنصورة، التي هزت جريمة اغتيالها بسكين، أرجاء البلاد على يد شاب بلطجي، متعاطٍ للمخدرات، غاوي مشاكل حسبما أوردت النيابة.

الدكتور عطية بأدائه المسرحي الساخر المعهود، الذي يحصد به شعبية جارفة بين البسطاء، قدم على قناته الخاصة على منصة يوتيوب - وربما دون قصد - مسوغًا سهلًا لاغتيال الفتيات غير المحجبات، وكأن سفور نيرة كان أحد الحوافز التي شجعت المجرم على الإقدام على ارتكاب جريمته.

وأشاع دون أن يدري انطباعًا ببعض اللوم على الفتاة المغدورة لعدم ارتدائها الحجاب. وساهم بصوته المتهدج المتباكي، وأدائه المثير للجدل في صناعة الخوف، وكأننا نعيش في غابة. وكأن رجالنا قد غلبت عليهم شهوتهم، وأصبحوا كالذئاب الجائعة.

وبدلًا من التأكيد بحزم على مكارم الأخلاق التى يأمرنا بها ديننا الحنيف من غض للبصر، راح يتهكم ويهزل بأنه للرجال المحترمين فقط، مع إنه يعلم جيدًا بساطة ثقافة ووعى جمهوره من خبرته بمتصليه طالبى نصائحه، واحتمال فهمهم لكلامه، أو تزيينهم لأنفسهم أن غض البصر تكليف للبعض وليس الكل، وتغافل عن ضرورة التأكيد على أن الكل رجالًا ونساءً، محترمين وغير محترمين، مأمورون بغض البصر.  لم يفدنا علم الدكتور عطية ولا بكائيته عن رأى الدين مثلًا فى تعاطى المخدرات، وتأثيرها على الصحة البدنية والنفسية، ولم ينصح الشباب ممن لا يستطيع الباءة بالصيام، أو بالكد والسعى لكى يستطيع الزواج.

لم أجد فى حديث الدكتور عطية استوصوا بالنساء خيرًا ورفقًا بالقوارير.      

صحيح أن نيرة لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، في ظل منظومة قيم عليلة ومختلة، يغيب فيها الوعى الجمعي، وينهار فيها التعليم، وتسود السطحية والغوغائية، ويتوارى الردع الحاسم، منظومة يتشبث فيها غالبية أفراد المجتمع بقشور الدين، وينهلون ثقافتهم، ويأخذون العلم السماعي من فتاوى ونصائح مشايخ وأدعياء، وأنصاف متعلمين، ويغرق بأشكال شتى من الجرائم المزلزلة؛ أب  يذبح أولاده، وأم تقتل أبناءها، انتحار زوج عاطل أو خاسر أو مقهور، انتحار طالبة لصعوبة امتحان الثانوية. أبناء يطردون أو يقتلون آباءهم لسرقة أموالهم أو لخلاف على مسكن.

هذه كلها أمراض استوطنت في المجتمع، بعضها ناتج عن اليأس وقلة الحيلة، وكلها ناتج عن نقص التربية، أمراض تدعوني للإلحاح على ضرورة تقديم بناء البشر قبل الحجر. بناء الإنسان، وتسليحه بالعلم والثقافة وصحيح الدين . هذا هو الاستثمار الحقيقي من أجل المستقبل. نحتاج نهضة أو صحوة تعيد بعضًا مما كنا عليه قبل عقود، توازيا بين العلم والأخلاق، تزرع المروءة والنبل والشهامة، تستعيد أخلاق القرية والحارة المصرية، «تحمى بنت الحتة». هى مهمة وواجب على وزارة التربية والتعليم،  ووزارة الشباب، ووسائل الإعلام، ورجال الدين الإسلامى والمسيحي وأساتذة الأزهر من أمثال الدكتور عطية.