في واقعة فتاة مطروح.. هل يجوز التصالح في قضايا الاغتصاب؟

قضايا الاغتصاب
قضايا الاغتصاب

كتب: محمد طلعت

على مدار أيام كان حديث رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن قضية اغتصاب فتاة في مطروح وما قيل وقتها عن تفاصيل المحاكمة وما دار فيها وما نسب للقاضي، وآثار حالة من الجدل، لكن بالبحث عن الحقيقة تبين أنها عكس كل ما تم تداوله وما تم الترويج له طوال هذه الأيام على وسائل التواصل، فما الذي حدث في تلك المحاكمة؟ وما الذي أدى لكي يتم اصدار بيان رسمي من المحكمة عن هذه القضية؟!، هذا ما سنتابعه في السطور التالية.

 

القضية بدأت في أواخر العام الماضي عندما حدثت مشادة بين إحدى الفتيات المراهقات ووالدتها لبعض الأسباب الشخصية بينهم، مثلما يحدث في كثير من البيوت لكن المشكلة تطورت بينهما ما جعلت الفتاة تغضب وتترك المنزل وتذهب لمنطقة الكورنيش في مطروح حيث جلست على أحد المقاعد وكأنها تشكي للبحر حالها ودموعها تنهمر كشلال لايتوقف، ولم تدرِ وهى في تلك الحالة أن هناك بعض العيون التي تتباعها وترى أنها فريسة من السهل اغوائها والسيطرة عليها وافتراسها في النهاية.

 

تقدمت إليها إحدى السيدات وجلست بجانبها وهى تخبرها أن تتوقف عن البكاء لأن لكل شيء حل، حدثتها بنعومة الثعابين حتى اطمأنت البنت الصغيرة لها؛ لم تدري الصغيرة ان من تحدثها ترغب في اذيتها بصورة لم تتصورها وهى توافق على الذهاب معها لإحدى الشقق التي ستنتظر فيها حتى تحل مشكلتها مع والدتها وذلك حتى لا تظل في الشارع وقد يحدث لها ما لا تحمد عقباه.

 

اغتصاب وبلاغ

جلست الفتاة في الشقة بضعة ساعات تنتظر عودة السيدة التي جاءت بها ولم تكن تتصور أن تلك السيدة في ذلك الوقت كانت تقبض ثمنها من أحد الأشخاص لتفاجئ الفتاة بأحد الأشخاص يدخل عليها الشقة ويريد أن يراودها عن نفسها لكنها قاومت فهاجمها بعنف من أجل أن يصل لغرضه باغتصابها فدافعت وحاولت أن تصل لباب الشقة لكي تخرج منها وهى تصرخ وتستنجد بأي شخص يسمعها لعله ينجدها من ذلك الذئب البشري لكن كل قواها في النهاية خارت ونجح في تكبيلها والوصول لغرضه منها وحصل على مبتغاه واستمر في اغتصابها أكثر من مرة خلال عدة ساعات ثم تركها تخرج من شقته وهى تلملم شتات نفسها وتعود لمنزلها تجر اذيال الهزيمة.

 

أخبرت أسرتها بكل ما حدث فاخذها والدها لقسم الشرطة، وهناك حكت الفتاة ما حدث لها في ذلك المنزل وتعرضها للاغتصاب؛ فتم تحرير محضر وبالعرض على النيابة وتأكيد الفتاة على أقوالها أمرت النيابة بالقبض على المتهم وهو ما تم واعترف في النيابة بمواقعتها بدون رضاها ليتم تحويل المتهم للمحاكمة الجنائية لاغتصابه انثى بدون رضاها.

خلال نظر القضية في محكمة جنايات مطروح حدثت تغيرات كثيرة فجأة من أطراف القضية؛ ففي أثناء مناقشة  المستشار بلال ابو السعود رئيس محكمة جنايات مطروح للمجني عليها لسؤالها عن الواقعة تدخل دفاع المتهم قائلا؛ إن أسرة المتهم وأسرة المجني عليها توافقا على التصالح في جريمة الاغتصاب وان الصلح يرتكن على عقد زواج شرعي بين المتهم والفتاة المغتصبة بصورة عرفية لحين وصول الفتاة القاصر للسن القانوني للزواج وذلك بالاشهار العام وبولاية والدها.

 

وأكد محامي المتهم أن الاسرتين توافقا على إلزام اهلية المتهم بدفع مهر مقداره 250 ألف جنيه، والزامهم أيضا بدفع مؤخر مقداره 150 ألف جنيه وتقديم أهلية المتهم للفتاة شبكة مقدارها 250 ألف جنيه

 

وأضاف محامي المتهم في حديثه أمام القاضي؛ أن أسرة المتهم ملتزمين أيضا وفقا للاتفاق العرفي مع أسرة الفتاة على تقديم قائمة منقولات زوجية بمقدار 250 ألف جنيه، وفي النهاية طلب المحامي التأجيل لاتمام الاتفاق وبالتالي لم يكن هناك إلا التأجيل من قبل القاضي لجلسة ١٨ يونيو الجاري لتنفيذ ما جاء من مرافعة دفاع المتهم وإثبات ذلك في محضر الجلسة.

 

تحريف وبيان

 الطلبات التي تقدم بها محامي المتهم تحرفت على مواقع التواصل الاجتماعي وقيل وقتها أن من قال ذلك الكلام ومن فرض تلك الشروط هو القاضي وليس دفاع المتهم، وهو الأمر الذي أثار حالة من البلبلة لدى الرأي العام والحديث بين مؤيد ومعارض لما تم نشره وان ذلك لايجوز أن يتم بتلك الطريقة التي قدمت للمجتمع وإن ذلك ضياع لحق الفتاة المغتصبة التي لم تصل لسن الزواج القانوني وطريقة لهروب الفاعل من جريمته وهو الأمر الذي استدعى اصدار بيان من قبل رئيس محكمة استئناف الإسكندرية وعضو مجلس القضاء الأعلى المستشار عبدالملك القمص رئيس المحكمة عضو مجلس القضاء الأعلى للرد على ما قيل إنه منسوب لرئيس محكمة جنايات مطروح التابعة إداريا لمحكمة استئناف الإسكندرية.

 

وجاء في البيان: "بفحص ما تضمنه المنشور والإطلاع على محاضر جلسات المحاكمة في الجناية المنظورة بمحكمة جنايات مطروح تبين أنه أسند إلى المتهم في هذه الجناية خطف أنثى لم تبلغ الثامنة عشر عاما ومواقعتها بغير رضاها، وأن القضية نظرت بجلسة 25 مايو الماضي، وحضر المتهم محبوسا ومعه محاميه كما حضرت المجني عليها ووالدها الذي قرر لدى سؤاله من المحكمة عن معلوماته، أن محامي المتهم عرض عليه زواج المتهم من المجني عليها بمهر مقداره 250 ألف جنيه وقائمة منقولات بمبلغ لا يقل عن 250 ألف جنيه وشبكة من الذهب لا تقل عن مائتي جرام ومؤخر صداق 150 ألف جنيه.

 

وأضاف والد المجني عليها –وهو وليها- أن المتهم وأهليته وافقوا على ذلك، وطلب والد المجني عليها التأجيل لإتمام هذا الأمر، كما قرر المحامي الحاضر أن المتهم يوافق على ذلك، وقررت المحكمة التأجيل لجلسة 18 يونيو كطلب الدفاع للتصالح وللمرافعة مع استمرار حبس المتهم، وأنه أنه اتضح مما تقدم أن المحكمة التزمت بما تفرضه أصول المحاكمة الجنائية، وأثبت ما دار في الجلسة وأبداه الخصوم من أقوال وطلبات في محضر الجلسة، وأن من صاغ المنشور ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي خالف الحقيقة، بأن أورد أقوال والد المجني عليها على أنها قرارات صادرة من المحكمة، وسوف يتم اتخاذ الإجراءات القانونية حيال هذه الواقعة".

 

وأهابت المحكمة بالجميع التزام الحقيقة والحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية تفاديا للأثر السلبي الذي يحدثه نشر مثل هذه الأخبار الكاذبة وبطريقة مثيرة للرأي العام.

 

قضية مجتمع

إلى هنا انتهى بيان محكمة الإسكندرية لكن هذا الأمر فتح عدة محاور لابد من التركيز عليها في الفترة المقبلة وهى أن ما يتم نشره على السوشيال ميديا هو أمر غير مصدق على الاطلاق رغم أهمية الأخبار التي قد تأتي منها احيانا لكن قبلها يجب التأكد من كل ما يتم نشره خاصة مع انتشار الشائعات بصورة كبيرة سواء من قبل أشخاص عادية أو جهات لا تريد الخير للبلاد فتعمل على نشر ما يثير الجدل في المجتمع من أجل ضرب الاستقرار الاجتماعي وبث الفرقة والوقيعة بين أفراد المجتمع من خلال القضايا الاجتماعية مثل هذه القضية التي نتحدث عنها، فالحديث وانتشار الأمر على أن القاضي هو من يقول ذلك الكلام معناه محاولة لضرب العدالة في مصر والتشكيك من أجل اهداف أكبر لمثل هؤلاء. 

 

أما الأمر الثاني فهو من واقع القضية المثارة مع سؤال منطقي، هل يجوز التصالح في قضية اغتصاب؟!، يجيب محمد مزار المحامي بالنقض؛  إن الاعراف ليست ملزمة بالضرورة للمحكمة طالما هناك نص تشريعي يحكم وينظم ويضبط، كما إن المحكمة ليست ملزمة بأن تجاري المجني عليها في العدول عن الأقوال فقد ترى الأخذ بما هو ثابت لديها في مراحل جمع الاستدلالات المختلفة وماشهد به شهود الإثبات وما أرفق بالتحقيقات من تقارير الطب الشرعي وتحريات المباحث فتطمئن لذلك على أنه هو وجه الصواب في الدعوي فتطرح ماعداه بعد ذلك، ولكن أن قدم للمحكمة مستندات وأوراق قاطعة الدلالة وممايتغير به وجه الرأي في الدعوى فالمحكمة هنا لها كامل السلطة في الموازنه بين أدلة الثبوت والنفي فترجح أيهما على الآخر بما ثبت لديها وما ترسخ في وجدانها.

 

ونصت المادة 267 من قانون العقوبات على أنه «من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب بالسجن المشدد. فإذا كان الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادما بالأجرة عندها أو عند من تقدم ذكرهم يعاقب بالسجن المؤبد، وما نسب للمحكمة من عرض شروط للصلح أمر لاتعرفه المحاكم الجنائية ومانقل وما أثير بهذا الشأن ينم عن جهل بالقوانين، فالمحكمة لاترشد ولاتوجه الدفاع مطلقًا نحو دليل معين أو غيره، وأن صيغة عرض أمر مستقبلي على المحكمة الجنائية بالاتفاق فيما بين المتهم والمجني عليه، لا يمنع المحكمة مطلقًا في مباشرة عملها بحكم نصوص القانون والمضي قدمًا نحو البراءة أو الادانة.