حكاية حفل « محلات مبروك » الذى دشن عبد الحليم حافظ صوتا للعشاق

عبد الحليم حافظ
عبد الحليم حافظ

كتبت: يحيى وجدى

في منتصف التسعينيات سرت شائعة مفادها أن مطربا كان بدأ في الإنطلاق والشهرة آنذاك، قال إنه أفضل من عبد الحليم حافظ، فـ”العندليب” في أولى حفلاته رماه الجمهور بالبيض وطردوه، بينما أمطره جمهوره بالورود في أول حفل له!، سمعت هذه الحكاية في مجلس لأصدقاء والدي، ومن خالي الأصغر، وقالها لنا أحد الأصدقاء الذي أكد أنه قرأها في جريدة ما.

 

كانت هذه الحكاية تروى على سبيل الإستهجان من المطرب الصاعد المغرور الذي يتطاول على عبد الحليم حافظ، وهو من هو، ولا أعتقد أن القصة صحيحة.. أقصد أنني لا أعتقد أن المطرب النجم قال ما تردد على لسانه، فهو أذكى بكثير، لكن الشائعة التي انتشرت بسرعة شديدة، كانت ضمن حملة للنيل من هذا المطرب الشاب الناجح والذي لا يزال شابا حتى الآن!

 

على العكس، فإن أولى حفلات عبد الحليم حافظ بعيدا عن الإذاعة، كانت تميمة حظه الكبرى، وعبد الحليم على عكس الشائع أيضا كان محظوظا، وبخلاف الألم الذي صاحبه في حياته القصيرة والمرض الذي أودى بحياته، فقد ساعدت الأقدار والحظ الحسن عبد الحليم كثيرا.

 

يذكر الباحث والمؤرخ الفني وسيم عفيفي في مقال له، أن أول حفل غنى فيه عبد الحليم حافظ كان يوم 10 يونيو عام 1953 على مسرح “الأندلس”، ونظمته سلسلة محلات “مبروك الكبرى”، ومقرها شارع فؤاد، وكان المشرفون على الحفل الفنان الكبير يوسف وهبي وعز الدين ذو الفقار وشكري راغب، وقدم الحفل كلا من الفنانة زينب صدقي والفنان سعيد أبو بكر، ولم يكن الحفل مذاعا عبر الراديو، وغنى فيه أغنيته الشهيرة “صافيني مرة”.

 

أما الحفل الذي اشتهر في الصحافة الفنية وفي كتابات بعض الصحفيين والمؤرخين، فهو الحفل الذي أقيم يوم 18 يونيو عام 1953، وارتبط بمناسبة رسمية تاريخية، هي إعلان قيام الجمهورية في مصر وإلغاء المَلكية وخلع الملك الطفل أحمد فؤاد في نفس اليوم، وقيل إن عبد الحليم حافظ غنى فيه أمام أعضاء مجلس قيادة الثورة، وبذلك “بدأ بزوغ نجمه كمطرب الثورة الأول، لكن هذه المعلومة خاطئة تاريخيا”، والفقرة السابقة للباحث والمؤرخ الفني وسيم عفيفي في مقاله “أول حفلة في حياة عبد الحليم حافظ.. أغلب المعلومات المتداولة عنها خاطئة”.

 

ويؤكد عفيفي في مقاله المنشور على موقع “الميزان” مدعما بوثائق تاريخية، أن عبد الحليم لم يكن ضمن المشاركين في ذلك الحفل، وأن غياب إحدى الفنانات عن الحفل هو ما جعل عبد الحليم يشارك فيه، حيث كان حاضرا في الكواليس، وقدمه الفنان الكبير يوسف وهبي على مسئوليته.

 

وهكذا كان للصدفة دورها في حياة عبد الحليم، تماما مثلما حدث معه عند إذاعة أول أغنية له في الإذاعة يوم 5 مارس 1951، وهي أغنية “ذكريات” وغناها باسمه الأصلي عبد الحليم شبانة، حيث كان عازفا لآلة “الأبوا” ضمن فرقة “الأنغام الذهبية” التي أسسها المايسترو عبد الحميد زكي، واستعان به مؤسس الفرقة لغناء الأغنية بدلا من زميله كارم محمود الذي لم يستطع الحضور لتسجيل الأغنية.

أما أول أغنية غناها باسمه الفني عبد الحليم حافظ فكانت أغنية “شكوى” من ألحان كمال الطويل، في نفس العام 1951، كما يذكر الباحث الفني عمرو فتحي في كتابه “موسوعة أغاني عبد الحليم حافظ” الصادر عام 2019، وفيه وثق ما يقرب من 400 أغنية لعبد الحليم حافظ بالكلمات وأسماء الملحنين وظروف إذاعتها وتسجيلها، حسب الترتيب الزمني حيث يبدأ من عام 1951 الذي شهد اعتماد عبد الحليم مغنيا في الإذاعة المصرية، وبالتحديد يوم 11 فبراير، وينتهي الكتاب بالحديث في فصل كامل عن أغنية عبد الحليم الأخيرة التي ظهرت بعد وفاته عام 1977.

أما أول فيلم سينمائي لعبد الحليم حافظ بعد شهرته كمطرب للشباب، يمثل موجة جديدة في الغناء بجوار أم كلثوم وعبد الوهاب وفريد الأطرش، فكان فيلم “لحن الوفاء” وأنتج عام 1955، 

وغنى فيه عبد الحليم أغنية الفيلم من ألحان رياض السنباطي، وأصبح بعدها عبد الحليم مكونا أساسيا من مكونات أي فيلم رومانسي يصبوا منتجيه إلى النجاح وتحقيق الأرباح.

هكذا تردد صوت عبد الحليم حافظ لأول مرة عبر أثير الإذاعة، وهكذا استمع له الجمهور لأول مرة “لايف” في حفل، وهكذا دشنت الظروف “العندليب” صوتا للعشاق وللألم ولوعة الحب والفراق ولسنوات أطول بكثير مما عاشها عبد الحليم نفسه.