المتاجرون بـ «البراءة» فى قبضة القانون

المتاجرون بـ «البراءة» فى قبضة القانون
المتاجرون بـ «البراءة» فى قبضة القانون

الحبس عقوبة استخدام الأطفال فى التسول وتشريعات جديدة لتغليظ العقوبة

«البحوث الجنائية»: 5 آلاف متسول فى القاهرة و1600 فى الإسكندرية يستغلون الصغار لكسب التعاطف وجمع الأموال 
300 جنيه تسعيرة استئجار طفل لمدة يوم و750 جنيهًا فى الأعياد

 

صغيرة وقفت وسط أضواء المدينة الصاخبة تتلفت حولها باحثة بين الوجوه عن أعين أمها وأبيها، لا تستطع قدماها حملها بعد أن وقفت طوال اليوم تمد يدها لمن يعطف عليها لعله يلقى فى سلتها بضع جنيهات تعطيها فى نهاية اليوم لـوحش فى صورة إنسان، بعيون ناعسة تملؤها الدموع، ووجه شاحب شابه العبوس وأغشاه الثرى، وقفت خائفة من أن تتوسل لامرأة تجردت من المشاعر الإنسانية كى ترحمها من معاناة التسول فى الميادين بعدما اختطفتها من أحضان أسرتها كى تستغلها لكسب الاستعطاف والمال حتى وإن سرقت البراءة والطفولة وقتلت ضحكة عائلة بأكلمها، كان هذا المشهد هو ما سيصبح واقعًا لولا جهود الأمن والأهالى الذين أنقذوا طفلة فى منطقة الوراق التابعة لمحافظة الجيزة فى شهر مايو من العام الماضى، وبعد أن حاول عاطل خطف الطفلة من يد والدتها أثناء دخولها محل سكنها فشل بعدما تدخل الأهالى وقامت الأجهزة الأمنية بمحافظة الجيزة من القبض عليه.

ما يقرب من 5000 آلاف متسول فى القاهرة و1600 فى محافظة الإسكندرية يستغل بعضهم الأطفال لكسب التعاطف وجمع الأموال وذلك وفقًا لدراسات حديثة صادرة عن المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، وهذا ما جعل محاولات البرلمان لتغليظ عقوبة التسول بالأطفال ضرورة وحتمية لوضع حد لهذه المشاهد المؤلمة ومنع الإتجار ببراءة الأطفال واستغلالهم، فكان النائب هشام الجاهل، عضو مجلس النواب، ممن طالبوا بتغليظ العقوبة على من يتسول بالأطفال وذلك من أجل مواكبة الاعلان عن الجمهورية الجديدة ووقف استنزاف دموع الصغار.

فى فبراير الماضى بأحد شوارع منطقة الشيخ زايد، لاحظ السكان وجود رجل أربعينى يحمل طفلتين، منهما رضيعة ويحاول كسب تعاطفهم من أجل التسول وجمع أكبر قدر من المال زاعمًا أنه لا يجد مأوى أو مأكل، لكن هذه الحيلة لم يصدقها البعض مما اضطرهم لإبلاغ الأمن الذى قام بالفور بالقبض عليه وتبين أنه عاطل يدعى «محمد.ر.أ» بحوزته طفلتان تتراوح أعمارهما بين عام ونصف العام و4 سنوات، وبمواجهته اعترف بأن أحد الأشخاص ترك لديه الطفلتين ولا يعلم عنهما شيئًا، وحملت القضية رقم 345 لسنة 2022 إدارى قسم أول زايد، وتم إرسال الطفلتين لمصلحة الطب الشرعى، وذلك لتوقيع الكشف الطبى عليهما، وتقدير سنهما، وأخذ عينة دم لاستخلاص البصمة الوراثية لحين العثور على أهليتهما.

للأطفال تسعيرة

يقول د. وليد هندي، استشارى العلاقات الأسرية، إن التسول هو ظاهرة قديمة قدم الإنسانية يختلف من عصر لآخر ومن مجتمع لآخر ولم يكن مجرمًا وذلك حتى النصف الأول من العصر الحديث، بل وانتشر فى مجتمعنا فى الفترة الأخيرة وتطور إلى التسول الإلكترونى لجمع التبرعات لبعض الحالات الإنسانية ويوفر المتسول بهذا الكثير من الوقت والجهد.

وأضاف استشارى العلاقات الأسرية أن الأطفال الذين يتم استئجارهم من أجل التسول بهم أصبح لديهم «تسعيرة» بل وترتفع فى الأعياد فوصل سعر التسول بالطفل من (750) إلى (1000) جنيه فى اليوم الواحد وفى الأيام العادية من (150) إلى (300) جنيه حسب الموقع الذى يقوم بالتسول فيه وهذا ما يحدده (المعلم) المسئول عن المنطقة التى يتجمع فيها المتسولين ويحصل على نسبة كبيرة من حصيلة اليوم، لذلك يؤكد د. وليد هندى أن الكثير منهم لجأ للتسول الكترونيًا فلا يحتاج للتنكر أو دفع يومية لـ(المعلم) أو اصطناع عاهة أو بذل مجهود كبير للتهرب من القبض عليهم، بل سهل «الفوتوشوب» تعديل الصور لكسب تعاطف «السوشيال ميديا» سواء لطفل يعمل على استغلاله أو من أجله شخصيًا.

وطالب د. وليد هندى بضرورة التفرقة بين الصدقة والزكاة وبين تشجيع المزيد من المتسولين لاستغلال الأطفال بكافة الطرق والاتجار بهم، وذلك بكسب التعاطف معهم لربح المال سواء من إحداث عاهة لطفل تم خطفه من أسرته أو لأبناء هؤلاء المتسولين أنفسهم الذين يحرمونهم من التعليم ومن عيش طفولتهم ويعانون من تدهور صحتهم نتيجة السير طيلة النهار من أجل كسب المال مما يؤدى لتفاقم تلك الظاهرة التى يجب التصدى لها مجتمعيًا فى الأساس وقانونيًا بتغليظ العقوبات.

تغليظ العقوبة

على الرغم من وجود قانون يجرم التسول من الأساس وكذلك استغلال الأطفال إلا أن هذا القانون يعود لعام 1933 برقم (49) وينص فى مادته الأولى على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز شهرين كل شخص صحيح البنية ذكرا كان أو أنثى بلغ خمس عشرة سنة أو أكثر وجد متسولا فى الطريق العام أو فى المحال أو الأماكن العمومية ولو ادعى أو تظاهر بأداء خدمة للغير أو عرض ألعاب أو بيع أى شيء، أما المادة (6) فتنص على أنه يعاقب بنفس العقوبة: (1) كل من أغرى الأحداث الذين تقل سنهم عن خمس عشرة سنة على التسول وكل من استخدم صغيراً فى هذه السن أو سلمه لآخر بغرض التسول، وإذا كان المتسول والياً أو وصياً على الصغير أو مكلفاً بملاحظته تكون العقوبة الحبس من ثلاثة إلى ستة شهور.

أكد النائب هشام الجاهل، عضو مجلس النواب، على ضرورة تشديد العقوبة وتغليظها.

من أجل التصدى للمتسولين، فالتسول والتشرد أصبح مهنة لدى البعض ولم تجبره الظروف عليها، إنما أمر لابد من إيقافه بقوة القانون لمواكبة الجمهورية الجديدة فالقانون موجود منذ عام 1933 ولكنه يحتاج إلى تحريك للمياه الراكدة.

وأوضح عضو مجلس النواب، أن أغلب المتسولين المحترفين يصطنعون عاهات لاستدرار عطف الجمهور، ويستخدمون ملابس ممزقة للمناطق الشعبية وملابس أنيقة للمناطق الراقية، كما أنه لا أحد يرتاد مترو الأنفاق إلا ويجد العشرات من المتسولين ممن يعترضون طريقه، بل أثناء سير الرحلة نجدهم بداخل عربات المترو.

وتابع: «من هنا كان لازمًا أن يكون هناك تشريع يعرف المتسول بأنه كل شخص وجد فى الطريق العام أو الأماكن أو المحال العامة أو الخاصة يستجدى صدقة أو إحسانًا من الغير حتى وإن كان غير صحيح البنية أو غير قادر على العمل، أما المتشرد فهو كل من وجد متسكعًا أو نائمًا فى الطريق العام أو الأماكن أو المحال العامة أو الخاصة ولم يكن له مأوى أو وسيلة مشروعة للعيش يعتبر من أعمال التسول».

وأوضح أن القانون أيضا حظر على كل شخص، ولو كان غير صحيح البنية أو غير قادر على العمل أن يتسول أو يتشرد فى الطريق العام أو الأماكن العامة أو المحال العامة أو الخاصة.

 

 

وأضاف عضو مجلس النواب أن التسول يضر بالاقتصاد القومى وبصورة مصر وأن هؤلاء المتسولين يتربحون بأبنائنا واستغلالهم قائلًا: «فيهم كتير أطفال مخطوفين وبيسرقوا طفل ويسببله عاهة عشان يكسبوا تعاطف الناس معاه»، مشددًا على أنه لا بد أن يتم حبس كل من يستغل طفلاً فى التسول بالحبس 5 سنوات وألا تقل الغرامة عن 50 ألف جنيه وتغلظ هذه العقوبة فى حال أن كان وصياً على هذا الطفل.

ويعقب إيهاب الأطرش، المحامى بالاستئناف العالى ومجلس الدولة، أن العقوبة المتواجدة حاليًا فى القانون ضعيفة وغير كافية لردع ظاهرة التسول بالأطفال على الإطلاق بل يجب تشديدها خاصة على مستغلى الأطفال وكذلك على من يتضح أنهم يملكون المال أو الأملاك لأن كثير من الأطفال يستغلها آبائها للربح.
وأضاف المحامى بالاستئناف أن القانون الحالى قديم ويحتاج إلى تحديث مع تغليظ للعقوبة وأنه يقابل الكثير من الأطفال فى الشارع يشعرون بالخوف ممن يستغلونهم لكنهم لا يتمكنون من الهرب أو معلومات كافية عن أسرتهم التى ضاعوا منها أو تم اختطافهم منها، لكن تغليظ القانون سيقلل من هذه الظاهرة بشكل كبير وسيؤمن للأطفال مستقبلا أفضل.

إقرأ أيضاً|منظمة فرنسية: براءة أحمد عبده ماهر انتصار للجمهورية الجديدة