من الدواء إلى الغناء: أمريكا ترقص على موسيقى صيدلي مصري!

الموسيقار نبيل ياسين مع الفنانة فايزة أحمد أثناء بروفات أغنية «إنت مسافر»
الموسيقار نبيل ياسين مع الفنانة فايزة أحمد أثناء بروفات أغنية «إنت مسافر»

كتب: أحمد الجمَّال

كثيرا ما نسمع رائعة فايزة أحمد إنت مسافر التى كتبها الشاعر حسين السيد، لكن من دون أن ننتبه إلى ملحن الأغنية، وهو فى الحقيقة الدكتور نبيل ياسين، الذى قدمته آخرساعة كموهبة فى عالم الموسيقى قبل أن يطير إلى أمريكا ويدرس الموسيقى رغم أنه بالأساس صيدلاني، والمفاجأة أن مؤلفاته الموسيقية أبهرت الأمريكان ووزعت أشرطتها المسجلة ملايين النسخ.. الحكاية جاءت على صفحات المجلة فى حوار أجراه الكاتب الصحفى الراحل ثروت فهمى مع نبيل ياسين قبل 41 عامًا، نعيد نشره بتصرف فى السطور التالية:-

 

كانت سعادته لا توصف عندما دخل أحد الملاهى فى أمريكا فوجد الفرقة الموسيقية تقدّم مقطوعة من تأليفه، ووجد الشبان والفتيات يرقصون على أنغامها، وتكررت الحكاية بعد ذلك فى أكثر من ملهى وأكثر من مكان، بل إنها تكررت فى الطريق العام.. إنه الملحن الصيدلى الدكتور نبيل عبدالعزيز ياسين، الذى قدمته آخرساعة منذ خمسة أعوام كموهبة فى التلحين، والواقع أنه أثبت وجوده سريعًا، رغم أنه كان يملك ويدير أشهر صيدلية فى منطقة القلعة.

 

وتشاء المصادفة أن يتلقى بعد عام واحد من نجاحه كملحن، موافقة على طلب قديم كان قد تقدم به للحصول على درجــة الماجســــتير فى الصيـــــدلة مــــن أمريكا ويتبـــــادر إلــــــى الأذهان طبعــــا أن اهتمـــــامه الأول ســــــيكون بماجستير الصيدلة، لكن يبدو أن هوايته للموسيقى أخذته من الصيدلة وصناعة الدواء، كما اتضح لى من الحوار الذى دار بينى وبينه، فقد سألته إن كان قد حصل على درجة الماجستير فى الصيدلة أم لا؟

فقال: لقد انصرفت نهائيا عن العمل بمجال الصيدلة، وركزت كل جهودى فى الدراسات الموسيقية.

< وما الذى دعاك لاتخاذ هذا القرار؟

ـ لأن هذه هوايتى حتى قبل أن ألتحق بكلية الصيدلة، والحقيقة أننى أصبحت صيدليًا نزولا على رغبة أسرتى، فى حين أن الموسيقى وأجهزة التسجيل هى حبى وغرامى لدرجة أننى لا أشعر بمرور الوقت عندما أكون منهمكًا فى أى عمل موسيقى.

 

< معنى ذلك أنك انصرفت إلى دراسة الموسيقى، ومن الصعب أن يتجه الإنسان إلى دراسة أكاديمية من فراغ، فكيف تغلبت على هذه العقبة؟

ـ كنت قد أعددت نفسى لهذه الدراسة بجهودى الشخصية وبالدراسات الحرة التى درستها فى مصر.

< وما الذى حصَّلته خلال سنوات دراستك للموسيقى فى أمريكا؟

ـ تعلمت قواعد وأساسيات الموسيقى ووصلت إلى جذورها، وكل آلة موسيقية من الممكن التخصص فيها، بالإضافة إلى التخصص فى قيادة الأوركسترا، وفى تدريس الموسيقى، وفى التأليف الموسيقى الذى يعتبر أصعب التخصصات.

< هل توجد تخصصات فى الآلات الشرقية؟

ـ لا توجد حاليًا تخصصات فى آية آلة شرقية، لكن يوجد تخصص فى آلة االستيارب الهندية التى وافقوا على إدراجها ضمن المناهج عندما وصلت الموسيقى الهندية إلى أمريكا منذ عشرين سنة، وعموما فإن الدراسة فى أمريكا حرة، بمعنى أن لكل أكاديمية سياستها وأسلوبها فى تحديد المناهج، وقد وعدونى فى جامعة جيرسى بتدريس الموسيقى الشرقية عقب حصولى على الماجستير الذى يؤهلنى للعمل فى وظيفة مدرس بنفس الجامعة، وهذا ما أعدّ نفسى له.. وقد تخصصتُ فى النظرية الموسيقية والتأليف الموسيقى.

 

< وما الذى تعنيه النظرية الموسيقية؟

ـ تعنى دراسة النوت الموسيقية قراءة وكتابة، وشرح وتحليل السلالم العالمية المختلفة، والإيقاعات والحيل الموسيقية وما إلى ذلك.. ولكى يحصل الطالب على درجة البكالوريوس ينبغى أن يحصل على 128 كريديت والحصول على هذا العدد من الكريديت لا يرتبط بعدد معين من السنوات، بل بمدى استعداد الطالب ومقدرته على الاستيعاب، ويمكن أن يصل الطالب بنصف هذا العدد فى أى فرقة موسيقية إذا أظهر براعة فى العزف على آلة معينة.

 

< وكم عدد الكريديت المطلوبة للحصول على الماجستير؟

ـ 160 كريديت.

< وما أعلى الدرجات العلمية التى يستطيع أن يحصل عليها طالب الموسيقى بالدراسة الجامعية؟

ـ الدكتوراه، وهى لا تخضع لعدد معين من الكريديت.

< إلى أى مدى وصلت فى دراستك بعد أربعة أعوام أمضيتها فى أمريكا؟

ـ حصلت على درجة البكالوريوس خلال الشهر الماضى.

< وهل سوف تستمر فى الدراسة أم ستتوقف عند هذا الحد؟

ـ أنا مدرج الآن فى دراسة الماجستير، رغم أنه من الصعب إدراج الغرباء (غير الأمريكيين) فى هذه المرحلة.

< لاحظتُ أنك شاركت بصوتك مغنيًا فى المقطوعات التى لحنتها وطبعت على أشرطة فى أمريكا، فهل معنى ذلك أنك تفكر فى العمل كمطرب أيضًا؟

ـ صوتى لا يصلح للغناء ولا للأداء المطلق، وبالنسبة إلى الأغانى التى سمعتها لم يكن يوجد مفر من مشاركتى فى الأداء لعدم وجود البديل، ومن حسن الحظ أن خامة صوتى كانت صالحة، نظرًا لأن الأداء المطلوب لم يكن مطروقًا.. والمفروض فى الإنتاج الموسيقى أن يقوم به شخص واحد هو المؤلف الموسيقى، والإنتاج الموسيقى يشمل كتابة الكلمات وتلحينها وتأليف موسيقاها والتوزيع الهارمونى والأوركسترالى وحتى كتابة النوت الموسيقية، فهذا هو النظام المتبع، ليس فى أمريكا وحدها، بل فى العالم كله، لأن الأغنية عمل واحد، ينبغى أن يُنّفذ بإحساس واحد، حتى لا يؤدى اشتراك عدة أحاسيس فى تنفيذه إلى تمزيقه.

 

< وزع شريطك الأول - حسب الإعلانات المنشورة فى الصحف الأمريكية - مليونا ومائتى ألف نسخة، وهذا رقم قياسى بالنسبة للتوزيع فى مصر، فهل هو كذلك فى أمريكا؟

ـ الرقم الذى نُشر فى إعلانات الصحف الأمريكية عن كمية التوزيع خلال أسبوع واحد فقط، ومن المؤكد أن كمية التوزيع تضاعفت الآن عدة مرات، لأن الشعب الأمريكى يختلف عن الشعب المصرى فى تذوق الموسيقى، وأى مواطن أمريكى يبلغ من العمر 15 سنة، يشترى أى شريط غنائى يُعرض بالأسواق، مهما كان مؤلفه، ومهما كان الصوت الغنائى الذى يؤدى.

< معنى ذلك أن تجارة الأشرطة الغنائية رابحة فى أمريكا؟

ـ الشريط الغنائى فى أمريكا يباع بأربعة دولارات ونصف وهذه قيمة زهيدة جدًا، وقد جرت العادة أن تباع النوت الموسيقية الخاصة بأغانى الشريط معه، وهذه هى التجارة الرابحة.. والأرباح فى أمريكا لو حُسِبت بالمئات والآلاف فإنها مجزية، فالأرباح المجزية هى التى تحسب بالملايين فقط.

< ماذا تجهز الآن؟

ـ أحضر لعمل جماعى مشترك بين مصر وأمريكا، وسيكون اعتمادى فيه بالنسبة إلى مصر على الأصوات الجديدة التى حققت نجاحًا، كما أن فايزة أحمد سجلت من ألحانى وكلمات حسين السيد أغنية أنت مسافر وسيتم توزيعها أوركستراليًا فى أمريكا، وسأتقدم بهذه الأغنية إلى الدورة القادمة من مهرجان الأغنية العالمية الذى يقام فى تكساس.

(آخرساعة 2 سبتمبر 1981)

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي