حبر على ورق

نظرة من النافذة

نوال مصطفى
نوال مصطفى

جمعتهما غرفة واحدة. مريضان بمرض السرطان يقيمان بمستشفى بإحدى ضواحى المدينة. كلاهما فى المرحلة النهائية من المرض الذى يسرق العمر، يعيش أيامه الأخيرة على المسكنات انتظارا للموت. يرقد أحدهما على سرير مجاور للنافذة، بينما ينام الآخر على سرير فى منتصف الغرفة، وحالته أسوأ من زميله كثيرا.

كان المريض المجاور للنافذة يحاول أن يسلى زميله الذى لا يستطيع أن ينهض من فوق السرير ليرى الدنيا بسبب حالته التى كانت تقترب من النهاية. فيحكى له ما يراه من خلال زجاج النافذة المجاورة لسريره. كان يصف له منظر الأشجار والعصافير الملونة التى تطير بين أغصانها، كما ينسج الحكايات عن ناس يروحون ويجيئون، أشكالهم، ملابسهم كأنه يحكى فيلما. كانت المناظر التى يحكيها تجلب البهجة، وتخفف من حدة القتامة والجهامة التى تحاصرهما فى ذلك الموقف العصيب.

وفى صباح أحد الأيام استيقظ المريض الأسوأ حالا، ليجد زميله وقد فارق الحياة! حزن وابتأس، وطلب من إدارة المستشفى أن تنقله من سريره الذى ينام عليه إلى سرير زميله الراحل المجاور للنافذة حتى يرى الدنيا بعينيه، ويؤنس نفسه بحركة الحياة  خارج هذا المكان، كما كان يفعل زميله قبل أن يموت بجواره.

عندما نقلوه جوار النافذة فوجئ أن المنظر الذى تطل عليه الغرفة هو حائط جامد، وليس حديقة! لا أشجار أو عصافير. ولا بشر يذهبون ويجيئون كما كان يصف له زميله الغائب تلك المشاهد كل يوم!

ترحم المريض على صديقه، ملأه الشجن والامتنان لإنسانيته الفائقة. كان يمنحه كل يوم أملا جديدا وهو يجلب له الحياة بنبضها وناسها، محاولا إضفاء البهجة والسعادة عليه وهو يودع الحياة. حتى لو كان كل ما يحكيه محض خيال!
أن تكون ضفدعاً!

وضعوا ضفدعاً فى ماء على النار، وكلما سخن الماء، يعدل الضفدع درجة حرارة جسمه، فتظل المياه عادية ومقبولة، إلى أن وصل الماء لدرجة الغليان، ومات الضفدع فى التجربة. بدأ العلماء يدرسون سلوك الضفدع الذى استمر مع ارتفاع درجة الحرارة يعدل درجة حرارة جسمه، الوعاء الذى وضعوا فيه الضفدع كان مفتوحا من أعلاه، ومع ذلك لم يحاول القفز للخروج منه وإنقاذ حياته حتى عندما وصل الماء إلى درجة الغليان!؛ فى النهاية مات الضفدع، وتوصل العلماء إلى أنه استخدم كل طاقته فى معادلة درجة حرارته للتأقلم مع المناخ الذى حوله على الرغم من صعوبته، إلى أن وصل لدرجة نفاد طاقته بالكامل!! لم يعد قادرا على فعل أى شيء، لا التأقلم الذى بذل فيه طاقته حتى النهاية، ولا حتى القفز من الماء المغلى وإنقاذ نفسه بالهروب من الجحيم. الاستنتاج الذى خرج به العلماء من نتائج التجربة هو أن السبب فى قتل الضفدع ليس الماء المغلى، ولكن إصراره على أقلمة نفسه إلى حد أفقده الطاقة اللازمة لإنقاذ حياته.

ما الحكمة من هذه الحكاية؟ عش حياتك بوعى وإدراك، عندما تكون فى علاقة، أى نوع من أنواع العلاقات الإنسانية، حينما تشعر أنك لست مستريحا وتحاول أن تأقلم نفسك وتعدل من نفسك وتستخدم طاقتك الجسدية، والنفسية والعقلية، والعصبية، لا تدع طاقتك تستنزف إلى النهاية، فعندها ستفقد نفسك. لا تستهلك طاقتك كلها، تعلم متى تقفز وتنقذ ما تبقى منك ومن حياتك.

كلام رائع وعميق جداً نشره أحد الأشخاص على حسابه على الفيسبوك. أعجبتنى الفكرة وما تريد أن تقوله الحكاية سواء كانت حقيقية فعلا أو متخيلة. لكن المشكلة أننا أحيانا لا نفهم أنفسنا بوضوح.. وهذا ما يجعلنا عالقين فى تلك المنطقة الوسطى ما بين الإقدام والتردد خشية الندم إذا ما اتخذنا قرارا حاسما يقلب حياتنا رأسا على عقب. لكن أن تصل المسألة إلى حد نفاد الطاقة، فالقفز هو الحل!