بتمويل يصل قيمته 37 مليار جنيه إسترليني من حكومة جونسون ..

خبراء: الإخفاقات السياسية لم تترك أمام المملكة المتحدة سوى خيار دعم استهلاك الطاقة

أرشيفية
أرشيفية

عندما افتتح محادثات مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغيّر المناخ 2021 "كوب 26" (COP26) في نوفمبر الماضي، حذّر رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، من أن "ساعة الصفر قد حانت" في السباق لخفض انبعاثات الكربون المسببة لاحترار الكوكب. ومنذ ذلك الحين، أعلنت حكومة جونسون عن تمويل بقيمة 37 مليار جنيه إسترليني، يُركّز بشكل مباشر على دعم استهلاك الطاقة – والتي تأتي في معظمها، من الوقود الأحفوري.
    
لم يصل رئيس الوزراء البريطاني الى هذه النقطة بملء اختياره، بل إنه يتفاعل مع أزمة غلاء المعيشة التي أفقرت ملايين البريطانيين، حيث اضطرت حكومته إلى معالجة هذه المشكلة بأدوات مكلفة تتسبب في تدمير المناخ في جزء كبير منها، وذلك بسبب إخفاقات السياسة السابقة.

على مدى العقد الماضي، تعرضت مجموعة كبيرة من تدابير كفاءة الطاقة، مثل العزل المنزلي، للفشل، أو للتخلي عنها في عهد كل من رؤساء الوزراء المتعاقبين من حزب المحافظين. كما تباطأ التوسع في طاقة الرياح البرية بشكل ملحوظ، بسبب السياسات التقييدية التمرتبطة بها. وكان من المفترض أن تنخفض فواتير الطاقة السنوية للمستهلكين البريطانيين بمقدار 2.5 مليار جنيه إسترليني (3.2 مليار دولار) اليوم، لو لم تحدث هذه الأمور، وفقاً لتحليل أجرته "كلايمت بريف" (Carbon Brief).
قال لوك مورفي، المدير المساعد للطاقة والمناخ في "معهد أبحاث السياسة العامة"، وهو مؤسسة فكرية تقدمية، إن الدعم المقدّم للأسر الذي أُعلن عنه هذا الأسبوع، كان "ضرورياً للغاية، وهو الأمر الصحيح الذي ينبغي القيام به.. ولكن كان ينبغي أن يكون مصحوباً بالاستثمار في العزل المنزلي والتوسع في الرياح البرية لخفض الفواتير، وزيادة أمن الطاقة، ومعالجة تغير المناخ".

كذلك أشار مورفي إلى أن الفشل في هذه السياسات، ترك حكومة جونسون "تتأرجح بين أزمة وأخرى، وتعود بإصلاحات أكبر على المدى القصير".

عندما اختتم مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ 2021، أبلغ رئيس المؤتمر والوزير في مجلس الوزراء البريطاني، ألوك شارما، المشاركين ضمن نحو 200 وفد وطني أثناء مغادرتهم غلاسكو، بأنه سيضغط عليهم للالتزام بوعودهم المتعلقة بالمناخ. وبعد ستة أشهر، كان المضيفون أنفسهم يتراجعون عن الالتزامات الموقعة في قمة الأمم المتحدة.

وحمل هذا الأسبوع معه، أوضح مثال على هذا الأمر. فقد أعلن وزير المالية، ريشي سوناك، عن تمويل بقيمة 5 مليارات جنيه إسترليني، لمساعدة المستهلكين على تغطية فواتير الطاقة المرتفعة، والتي تم دفعها من خلال ضريبة الأرباح غير المتوقعة على منتجي النفط والغاز. وفي محاولة لعدم إعاقة الاستثمار، قال سوناك إن الشركات ستكون قادرة على تجنب بعض هذه الرسوم من خلال القيام باستثمارات جديدة في استخراج النفط والغاز - وهو ما يخالف تعهّد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ 2021، بعدم دعم إنتاج الوقود الأحفوري.

ويوم الجمعة، ظهر جونسون وهو يروّج لتنشيط صناعة النفط والغاز في بحر الشمال، داعياً الشركات إلى زيادة استثماراتها.

قال جونسون في مقابلة مع "تلفزيون بلومبرغ": "لا أعتقد أنه يمكننا أن ندير ظهرنا بالكامل للهيدروكربونات؛ وعلينا أن نتعامل مع قضايا جانب العرض"، والمحافظة على استمرارية العمل في بحر الشمال.

في الواقع، تأتي ضريبة الأرباح المفاجئة، في أعقاب سلسلة من القرارات السياسية الأخرى التي تتعارض مع وعد بريطانيا بتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050. وهي تشمل تخفيض 5 بنسات من سعر لتر البنزين لمساعدة السائقين، وربما إعادة فتح الباب أمام تكسير الغازي الطبيعي. وعلى الرغم من يأسها من الحصول على إمدادات طاقة جديدة، لم ترفع الحكومة القيود المفروضة على مزارع الرياح البرية الجديدة، والتي تعد أرخص أشكال الطاقة الجديدة.

وبشكل إجمالي، تعهدت وزارة المالية بإنفاق حوالي 37 مليار جنيه إسترليني لمساعدة البريطانيين على دفع فواتير الطاقة الخاصة بهم. وكتب كريس ستارك، الرئيس التنفيذي للهيئة الرقابية المستقلة التابعة للحكومة البريطانية، لجنة تغير المناخ، على "تويتر" فور إعلان سوناك بخصوص الضريبة: "لست متأكداً من أن هذا هو ما تم تصوّره في اتفاقية غلاسكو للمناخ".

لم تكن هناك سياسات جديدة ملحوظة لمساعدة الناس على تقليل استهلاكهم للطاقة، والتي ستكون على المدى الطويل أساسية لحمايتهم من صدمات الأسعار. وقالت لجنة تغير المناخ، إن معدلات العزل لا تزال أقل بكثير من معدلات ذروة التسليم التي تحققت قبل عام 2012، عندما تم إلغاء السياسات الرئيسية.

يُذكر أن حكومة المملكة المتحدة فشلت مراراً وتكراراً في التوصل إلى برنامج عزل منزلي ناجح. وفي عام 2013، خفض رئيس الوزراء آنذاك، ديفيد كاميرون، الإنفاق على كفاءة الطاقة بعد مطالبة الوزارات، حسبما ورد، "بالتوقف عن الهراء بشأن البيئة".

بدلاً عن ذلك، قدّم كاميرون "الصفقة الخضراء"، التي ربطت تكلفة أقساط سداد القرض بالممتلكات، ولكن تم التخلي عنها بعد عامين بسبب معدلات التبني المنخفضة، جنباً إلى جنب مع طرح معيار المنازل الخالية من الكربون للمباني الجديدة. وفي عام 2020، قدم الوزراء منحة المنزل الأخضر، ولكن تم التخلي عنها بعد أقل من عام بسبب مشكلات إدارية.

في هذا السياق، قال مورفي من "معهد أبحاث السياسة العامة"، إنه بإمكان الحكومات إنشاء حزمة دعم تساعد الناس الآن وعلى المدى الطويل. فعلى سبيل المثال، تُقدّم أيرلندا لأصحاب المنازل خصماً بنسبة 50% على عمليات التعديل التحديثي العميقة لتحسين كفاءتها، في حين تُقدّم ألمانيا ونيوزيلندا لركاب وسائل النقل العامة، أجور نقل رخيصة، والتي أصبحت مجانية في بعض المدن الأمريكية.

من جانبه، قال تيم لورد، مسؤول الطاقة السابق في حكومة المملكة المتحدة، والذي يشغل حالياً منصب رئيس قسم تغير المناخ في شركة "فينيكس غروب هولدينغز" (Phoenix Group Holdings) التي تقدم خدمات التقاعد والتأمين: "في النهاية، الطريقة الوحيدة ليُصبح أمامنا طريق طويل المدى للخروج من هذا التحدي، تتمثل في تقليل الطلب على الطاقة والوقود الأحفوري".

اقرأ أيضا | ضريبة «أرباح الطاقة» تبتلع 5 مليارات دولار من قيمة الشركات البريطانية